في الوقت الذي تحولت فيه القارة الإفريقية إلى ساحة تدافع دولي، ومع تنامي النفوذ الروسي هناك، بدءا من العام 2017، عندما أبرمت جمهورية إفريقيا الوسطى اتفاقيات عسكرية مع روسيا مهّدت لتوغل جماعة “فاغنر” التابعة لـ “الكرملين” في القارة السمراء، تتطلع الولايات المتحدة الأميركية إلى تحجيم نفوذ هذه الجماعة التي شاركت بشكل أساسي في الغزو الروسي لأوكرانيا، في حين يتطلع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف حليف موسكو الرئيسي والمشارك في الحرب ضد أوكرانيا أيضا، إلى تأسيس جماعة على غرار “فاغنر”.

حيث بعثت الإدارة الأميركية في منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستان آرشانج تواديرا، حددت فيها الإيجابيات التي ستنالها بلاده في حال فكت ارتباطها بمجموعة “فاغنر” الروسية للمرتزقة، كما أوضحت تداعيات ذلك في حال لم تفعل، وجاء ذلك ضمن استراتيجية جديدة حددتها واشنطن حديثا للحد من نفوذ الجماعة الروسية في القارة السمراء.

الحديث عن تواصل أميركا مع جمهورية إفريقيا الوسطى، جاء على هامش “القمة الأميركية الإفريقية” التي استضافتها واشنطن بين 13 و15 كانون الأول/ديسمبر المنصرم، وكان “مجلس الأمن القومي”؛ المؤسسة المرتبطة بالرئاسة الأميركية والتي تركز على مسائل السياسة الخارجية والأمن القومي، من قام في إعداد هذه المبادرة بحسب ما نقلته صحيفة “لوموند” الفرنسية عن مصادر لم تسمها الصحيفة.

استراتيجية الولايات المتحدة ضد “فاغنر”

ضمن المبادرة، منحت واشنطن بانغي عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، مهلة قوامها 12 شهرا لإبعاد المرتزقة الذين بدأوا ينتشرون في الجمهورية، على إثر إبرام الأخيرة اتفاقية في هذا الشأن مع روسيا عام 2018. بجانب إضافة عدة أسماء إلى قائمة الشخصيات والكيانات الخاضعة للعقوبات المالية، وذلك ضمن الاستراتيجية الأميركية لعرقلة قدرة “الكرملين” على تسليح آلته الحربية التي تشن حرباً غير مبررة ضد أوكرانيا وتجهيزها.

هذا وشملت العقوبات في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، المستشار الأمني السابق لرئاسة جمهورية إفريقيا الوسطى، فاليري زاخاروف، ورئيس “رابطة الضباط من أجل الأمن الدولي”، ألكسندر إيفانوف، ومؤسسة “سيوا للخدمات الأمنية”، التي تسيطر عليها مجموعة “فاغنر”، وتوفر الحماية لكبار المسؤولين في حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى؛ و”كراتول للطيران” التي تسمح لـ”فاغنر” بنقل الأفراد والمعدات بين جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي، وفق ما نقلته  “لوموند”، عن وزارة الخزانة الأميركية.  

اقرأ/ي أيضا: سياسة التقشف المالي.. علام تعول الحكومة الجزائرية لإنقاذ الاقتصاد؟

الولايات المتحدة الأميركية، تسعى من خلال استراتيجيتها إلى عدم غلق باب الحوار مع الجماعة التي تعتبرها “منظمة إجرامية عابرة للحدود على نطاق واسع”، فيما تقترح ضمن العرض المقدم إلى تواديرا رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى؛ في مقابل الابتعاد عن التعامل مع “فاغنر” دعم تدريب قوات بلاده المسلحة بدلا من المدرّبين الروس، إضافة إلى زيادة المساعدة الإنسانية من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وتعزيز الدعم لـ “بعثة الأمم المتحدة” على الأرض.

يضاف إلى ذلك، تقترح واشنطن على تواديرا العمل على إبعاد الرئيس السابق فرانسوا بوزيزيه من تشاد، حيث يحظى بترحيب بل ومن المنطقة بأسرها إذ يشتبه بانغي بأنه وراء الهجمات التي استؤنفت على أراضي جمهورية إفريقيا الوسطى في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية لم تحذو حذو فرنسا في وقف برنامج دعمها لإفريقيا الوسطى في ضوء تعاملاتها مع “فاغنر” بل وسحبت جنودها من هناك، وتفضل فتح باب الحوار مع المتعاملين مع الجماعة الروسية، إلا أنها تدرس جملة خيارات في حال عدم الاستجابة لمقترحاتها.

ذلك أن خفض التمويل وعدد الموظفين في السفارة الأميركية في إفريقيا الوسطى من ضمن خيارات التعامل مع عدم الاستجابة للعرض الأميركي، وفق ما جاء في تقرير “لوموند”. بجانب ذلك من الممكن إغلاق السفارة في الأساس إذا لزم الأمر، كما يمكن أن تستهدف العقوبات الفردية أيضا شخصيات في السلطة تُعتبر الأكثر ارتباطا بالقوات شبه العسكرية الروسية والشركات التي تسيطر عليها هذه القوات. 

في السياق، وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأميركية لتحجيم نفوذ “فاغنر” في القارة السمراء، يبدو أن تجربة الجماعة الروسية بدأت تستلهم الرئيس الشيشاني، حيث أعلن أنه يريد التنافس مع مؤسس “فاغنر” يفغيني بريغوجين، وإنشاء شركته العسكرية الخاصة، الأمر الذي ترك باب الاحتمالات مفتوحا عن مدى نجاعة الاستراتيجية الأميركية وقدرة قديروف باستنساخ تجربة “فاغنر”.

صراع أميركي روسي

حول ذلك، يقول الخبير في الشؤون الإفريقية، إسلام فكري نجم الدين، إن أنشطة وعقوبات الولايات المتحدة الأميركية من المؤكد ستؤثر على نشاطات جماعة “فاغنر”، بيد أن هذا لن يمنع انتشارها وما تقدمه من خدمات توصف بـ “القذرة”، للحكومات المنقلبة عسكريا أو للحكام المستولين على كراسي السلطة منذ عقود، غير أنه سيكون هناك تضيق كبير على تصدير السلاح.

نجم الدين أوضح في حديث لموقع “الحل نت”، أن النفوذ الروسي في القارة الإفريقية بدأت مخاطره تتزايد، بجانب ما تحتويه المنطقة من مخاطر تواجد تنظيم “داعش” في ما يسمى بـ “ولاية وسط إفريقيا”، والتي تشكلت بعد دمج “داعش” و”القاعدة”، ما أثار حفيظة واشنطن، لاسيما وأن تلك المناطق غنيه بالماس واليورانيوم والذهب، الأمر الذي يعارض سياسة العقوبات الأميركية علي روسيا التي تم توقيعها مع استيلاء روسيا على “شبه جزيرة القرم” منذ 2014، ثم العقوبات الأخيرة التي فُرضت في أعقاب الحرب على أوكرانيا.

الباحث في الشأن الإفريقي بيّن أيضا، أن أساس فكرة الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مجال الأمن أو القتال المرتزقة، برعت فيها الولايات المتحدة من خلال شركة “بلاك ووتر” وغيرها من الشركات، بالتالي أنه مما لا شك فيه إن استنساخ بوتين لتلك الفكرة مع “فاغنر” هو تعزيز بشكل كامل لحساب روسيا، خصوصا مع ما تساهم فيه الجماعة في الحرب ضد أوكرانيا وأيضا في عمليات الإطاحة بالنفوذ الفرنسي في وسط وغرب إفريقيا وهي مناطق كانت متروكه لفرنسا.

اقرأ/ي أيضا: بعد 40 عاما.. ما دلالة عودة التعاون الأمني بين السعودية والعراق؟

هذا وأصبحت جمهورية إفريقيا الوسطى، ساحة للتنافس بين الغرب وروسيا ويُعد تواديرا اليوم حامل لواء طموحات “الكرملين” الإفريقية الجديدة، بحسب الصحيفة الفرنسية، التي تساءلت في معرض تقريرها عن إن الرئيس الإفريقي وإن كانت لديه الإرادة فهل ستكون لديه القدرة على إبطال العلاقة القائمة مع حماته الحاليين؟ بإشارة إلى جماعة “فاغنر”. حول ذلك يقول مصدر قريب من الملف للصحيفة إنه إلى حدّ ما رهينة وسلامته مسألة مهمة.

وفق الصحيفة، يُعتبر النهج الذي تحاول الولايات المتحدة اتباعه مع رئاسة جمهورية إفريقيا الوسطى جزءا من استراتيجية احتواء أوسع، بيد أن الأمر في مالي كما هو الحال في السودان، حيث تتدخل “فاغنر” كوكيل للمجالس العسكرية القابعة في السلطة، تكون مساحة المناورة المتوافرة لواشنطن محدودة أكثر.

في مالي تعمل “فاغنر” شبه العسكرية الروسية، والتي بدأت انتشارها في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2021، بحسب الاستخبارات الفرنسية والأميركية، بناء على طلب العقداء الذين أطاحوا بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا في آب/أغسطس 2020. أما في الخرطوم، تعمل بتواصل مع الجنرال حميدتي، الرجل الثاني في النظام العسكري وراعي “قوات الدعم السريع”، المتهمة في ارتكاب جرائم ضد المدنيين وانتهاكات لحقوق الإنسان.

خشية شيشانية

بالعودة إلى الخبير في الشأن الإفريقي، يشير حول إمكانية الرئيس الشيشاني تأسيس جماعة على غرار “فاغنر”، إلى أن قواته وميليشياته تتمتع بقوة كبيرة، وخبرة طويلة، لكن من غير المحتمل أنه يسعى إلى إخراجها خارج حدود الجغرافية الروسية ومن تحت رعاية صديقه بوتين، وذلك بالنظر إلى أنه يعلم أن الولايات المتحدة لم ولن تسمح له بذلك.

فيما اختتم بالقول إن، التوجه الأميركي نحو “فاغنر”، مما لا شك سيخلق مواجهة في القارة الإفريقية، وبلا شك ستكون الغلبة لأميركا وذلك لما تمتلكه من مقومات مثل قوات “أفريكوم”، إلى جانب المنطقة المركزية والقواعد العسكرية في القارة السمراء.

 شركة “فاغنر” تأسست عام 2014، على يد العميد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية ديمتري أوتكين، وظهرت للمرة الأولى شرق أوكرانيا، وتعمل حاليا كشركة مستقلة في التعاقد على توريد مقاتليها لسوريا وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى وأوكرانيا، لكن أجهزة غربية تتحدث عن علاقتها بأجهزة الاستخبارات الروسية.

في جمهورية إفريقيا الوسطى يقود مجموعة “فاغنر” فيتالي بيرفيليف، العضو في الفيلق الأجنبي الروسي، ووسع أعضاؤها هناك أنشطتهم من حماية تواديرا ودعم جيشه إلى التعدين والتحطيب وحماية المواكب وضبط الجمارك وحتى إنتاج مشروبات كحولية محليا، فيما تفيد منظمات حقوقية عن انتهاكات لحقوق الإنسان تمارسها الجماعة في الجمهورية.

إلى ذلك، وفي منشور على “تيليجرام” أشاد الرئيس الشيشاني قديروف الأحد الماضي، بفغيني بريغوزين رئيس جماعة “فاغنر”، وقال إن المجموعة التي قاتلت إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، تظهر نتائج مثيرة للإعجاب، لافتا إلى أنه عندما تكتمل خدمتي للدولة، أخطط بجدية للتنافس مع أخي العزيز يفغيني بريغوجين وإنشاء شركة عسكرية خاصة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة