رغم الإعلان عن وجود هدنة وصفقة لتبادل الأسرى بين حركة “حماس” وإسرائيل، وشحّ المعلومات عن تفاصيلها وملابساتها، وكذا الأفق الزمني والسياسي لها، إلا أن المتاح من تسريباتٍ يؤشر إلى جهود إقليمية تسعى بوساطة قطر ومصر إلى وضع مسار الحرب عند حدود أخرى وفض الاشتباكات العديدة الملغّمة التي قد تجعل الأوضاع تنفلت بينما تضع الأطراف كافة على الحافة. وفي ما يبدو أن الإدارة الأميركية ألحّت على ضرورة عدم اتساع الحرب إلى مدى أبعد من غزة، وهي الرؤية أو المقاربة ذاتها التي تتبناها دول الوساطة المعروفينَ، حتى الآن.

لكن مع قبول إسرائيل و”حماس”، فجر الأربعاء، تنفيذ “هدنة إنسانية” لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد، فإن المرحلة الأولى من الاتفاق تدخل حيز التنفيذ حيث الإفراج عن 50 من النساء المدنيات والأطفال المحتجزين لدى الحركة وذلك مقابل الإفراج عن “عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين” المسجونين في إسرائيل.

فيما ذكرت وزارة الخارجية القطرية أن الهدنة التي توسطت فيها مع مصر والولايات المتحدة “سيتم الإعلان عن توقيت بدئها خلال 24 ساعة وتستمر لأربعة أيام قابلة للتمديد”. وتابعت أن اتفاق التبادل يشكل المرحلة الأولى “على أن يتم زيادة أعداد المفرج عنهم في مراحل لاحقة من تطبيق الاتفاق. فالهدنة ستسمح بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية”.

كما قالت الدوحة في بيانها إنها تواصل” مساعيها الدبلوماسية لخفض التصعيد وحقن الدماء وحماية المدنيين، وتثمن بهذا الصدد الجهود التي بذلتها مصر والولايات المتحدة الأميركية في دعم جهود الوساطة وصولا إلى هذا الاتفاق”.

تبرز جدلية أو بالأحرى الثنائية التي تتحكم في شروط الصراع في قطاع غزة، الذي يبدو مشدودا بين خيوط دقيقة.

وكانت الحكومة الإسرائيلية، قد صوتت لصالح الاتفاق مع حركة “حماس”، صباح اليوم (الأربعاء)، وقد جاء في بيانها الرسمي أن “الحكومة وافقت على الخطوط العريضة للمرحلة الأولى لاتفاق يتم بموجبه إطلاق سراح ما لا يقل عن 50 مختطفا من النساء والأطفال على مدار أربعة أيام يسري خلالها وقف للقتال”. ومن المرجح أن تبدأ عملية إطلاق سراح الرهائن والمسجونين غدا (الخميس).

سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن أكد على تعهّداته بإطلاق سراح الرهائن وعددهم حوالي 240، لكنه شدد على استمرار الهجمات الميدانية في المناطق الخاضعة لحركة “حماس”.

وهنا، تبرز جدلية أو بالأحرى الثنائية التي تتحكم في شروط الصراع الذي يبدو مشدودا بين خيوط دقيقة. فقضية الرهائن تمثّل أحد أعباء الحكومة في تل أبيب والتي يتعين حسمها، وهي ضرورة أمنية وسياسية واجتماعية. كما أن الموقف العسكري من “حماس” أولوية قصوى، بالنسبة لإسرائيل، والتي تباشر مهمّة السباق للهدنة، والتفاوض على الأسرى، لكن ليس قبل تحقيق الأهداف العسكرية المطلوبة والضرورية بحيث لا تضحى الخطوة الأولى بمثابة رصيدٍ للحركة الإسلاموية المصنّفة على قوائم الإرهاب وبما يؤدي إلى مضاعفة قوتها الاستراتيجية وتوظيفها في عملية المفاوضات.

بالتالي، تسعى إسرائيل قبل البدء في المفاوضات أن تتفادى جعل هذه اللحظة مناورة تكتيكية لـ”حماس” بما يجعلها قادرة على كسب الوقت لإعادة التموضع ميدانيا وترتيب صفوفها، على الطريقة الإيرانية، وتتحول المفاوضات إلى إدارة مرحلية وليست صفقة لمرة واحدة وتنتهي. بمعنى أن تكون “حماس” جادة في عموم المفاوضات وأن لا تراوغ بغية تحقيق مكاسب معينة، على حساب أبناء غزة ودمار القطاع بأكمله ومن ثم تقليص حظوظ الفلسطينيين من الحصول على بعض المكتسبات في سياق حلّ القضية.

لذا، أوضح مصدر (لم يكشف عن هويته) لشبكة “سي إن إن” الأميركية، أن “إسرائيل قدمت مقترحا يقضي بالإفراج عن 100 رهينة من المدنيين”. بيد أن حركة “حماس” عرضت الإفراج عن 50 مختطفا فقط في غضون أيام من تنفيذ الهدنة، بشرط الإفراج عن “ما بين 20 و25 رهينة آخرين في حال إطالة مدة تلك الهدنة”.

ربما، هذا ما يفسر تكتم إسرائيل بخصوص الاتفاق والذي يثير انقسامات داخلية وحكومية، بل ورفض دوائر رسمية عديدة الاتجاه لهذا المنحى التفاوضي، وقد اعتبر وزير المالية في “الحزب الصهيوني الديني” بتسلئيل سموتريتش، أنه “بقدر ما تكون المنشورات المتعلقة بصفقة المختطفين التي سيتم تقديمها إلى الحكومة اليوم صحيحة، فإن الصفقة المقترحة سيئة ويجب عدم الموافقة عليها. سيئة لأمن إسرائيل، وسيئة للمختطفين، وسيئة لجنود جيش الدفاع الإسرائيلي”. وقال سموتريتش: “نريد أن نرى جميع المختطفين في المنزل بصحة جيدة وآمنين وقلوبنا مع عائلاتهم. ولهذا السبب بالتحديد لا ينبغي الاتفاق على هذه الصفقة”.

تحذيرات من مراوغة “حماس”

لم يتوانَ وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، عن إطلاق وترديد تحذيراته بشدة بخصوص الاستجابة لصفقة تبادل الأسرى وإنهاء ملف الرهائن المحتجزين لدى “حماس” في غزة، واصفا هذه الخطوة بأنها ستؤول إلى “كارثة”، بحسب موقع “تايمز أوف إسرائيل”.

وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير: “أنا منزعج للغاية لأنهم يتحدثون الآن عن صفقة. أنا منزعج لأننا انقسمنا مرة أخرى ولم يتم إخبارنا بالحقيقة مرة أخرى… الشائعات تقول إن دولة إسرائيل سترتكب مرة أخرى خطأً كبيرا جدا بأسلوب صفقة شاليط”.

تلميحات الوزير اليميني في الحكومة الإسرائيلية كانت تذهب إلى عملية إطلاق سراح الجندي، غلعاد شاليط، عام 2011، مقابل إطلاق سراح نحو 1027 سجينا فلسطينيا، منهم قائد “حماس” الحالي، يحيى السنوار، والذي يشار إلى أنه المسؤول عن التخطيط وإدارة الهجمات من 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي والتي قضى فيها نحو 1200 شخص في إسرائيل. وقال بن غفير: “تذكرون أننا أطلقنا سراح جلعاد شاليط، وأطلقنا سراح (يحيى) السنوار وأصدقائه وجلبنا هذه المشكلة على أنفسنا”.

الدخان يتصاعد في غزة مع استمرار الهجمات الإسرائيلية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. مصطفى الخاروف/ الأناضول/ غيتي إيماجز

وفي ما يبدو أن الموقف الإسرائيلي لا يتحدث عن الهدنة وتفاصيل عملية تبادل الأسرى بقدر ما يكشف عن تصوراته الميدانية لتطويق “حماس” وإنهاء تهديداتها عمليا، بما يجعل النقطة الأخيرة هي ضمن مرتكزاتها الاستراتيجية التي سوف تصعد من خلالها تبعا لذلك لبناء أي حلول سياسية مؤقتة أو دائمة، وقد أوضح الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، مساء أمس الثلاثاء، أن القوات الإسرائيلية سيطرت على تخوم منطقة جباليا شمالي قطاع غزة بالكامل.

وفي عبارة مقتضبة بخصوص الأسرى قال: “نبذل كل الجهود لإطلاق سراح المحتجزين لدى حركة حماس. فيما شدد على  استمرار القوات الإسرائيلية في تحقيق الأهداف بشأن تفكيك حماس وإعادة المخطوفين وتوفير حدود آمنة”.

تسريبات سابقة عن الاتفاق

ذكر مصدران مطّلعان لموقع “أكسيوس” الأميركي، أن اتفاقا بين إسرائيل و”حماس” لإطلاق سراح عشرات الرهائن وإعلان وقف إطلاق النار لعدة أيام أصبح وشيكا ويمكن أن يعلنه الوسطاء القطريون الثلاثاء، وهو الاختراق الدبلوماسي الذي تم بعد اجتماع الحكومة الإسرائيلية، مساء اليوم ذاته، وتم الإعلان عن قبول المقترح صباح اليوم التالي، بعد تصويت مجلس الوزراء.

ووفق المصادر التي تحدث إليها الموقع الأميركي، ففي مقابل كل رهينة إسرائيلي لدى “حماس” ستفرج إسرائيل عن ثلاثة سجناء فلسطينيين. وتتضمن الصفقة مرحلتَين، إذ من المرجح أن تبدأ “حماس” بإطلاق سراح 50 امرأة وطفلا إسرائيليا محتجزينَ في غزة، ثم تطلق إسرائيل، وفق التوقعات ذاتها، سراح حوالي 150 سجينا فلسطينيا، معظمهم من النساء والقاصرين. وسيتم تنفيذ المرحلة الأولى في غضون أربعة إلى خمسة أيام من بدء وقف إطلاق النار بغزة.

كان ظهور نتنياهو، مع جنود الاحتياط، تحمل رمزية واضحة ومباشرة وهو يتحدث عن “التقدم” في عملية إطلاق الأسرى، بينما يعلن عن ذلك في وسط صفوف قواته الميدانيين في رسالة واضحة مفادها أن السياسي لن يتخلى عن ما هو أمني وعسكري، والعقل البراغماتي لن يفاوض وساحاته الميدانية في فوضى أو فراغ.

وبحسب مسؤول إسرائيلي، فإن إسرائيل لن تطلق سراح السجناء الفلسطينيين المتّهمين بعمليات قتل بحق إسرائيليين. وفي غضون 24 ساعة بعد موافقة مجلس الوزراء على الصفقة، سيتم نشر أسماء السجناء حتى يتمكن المواطنون الإسرائيليون من الاستئناف أمام المحكمة ضد إطلاق سراحهم.

فيما يشير الموقع الأميركي إلى أنه ضمن الاتفاق سوف تسمح إسرائيل لنحو 300 شاحنة مساعدات يوميا بدخول غزة من مصر، فضلا عن المزيد من شحنات الوقود خلال فترة وقف الحرب. وفي مرحلة لاحقة، يمكن لحماس إطلاق سراح عشرات آخرين من النساء والأطفال وكبار السن مقابل قيام إسرائيل بتمديد وقف إطلاق النار لعدة أيام أخرى.

وكجزء من الاتفاق، ستمنع إسرائيل عودة الفلسطينيين من جنوب غزة إلى الجزء الشمالي من القطاع خلال أيام الهدنة، وسيستأنف الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية بمجرد انتهاء الهدنة.

بالتالي، كان ظهور رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع جنود الاحتياط، الثلاثاء، تحمل رمزية واضحة ومباشرة وهو يتحدث عن “التقدم” في عملية إطلاق الأسرى والرهائن من قبضة “حماس” بينما يعلن عن ذلك في وسط صفوف قواته الميدانيين في رسالة واضحة مفادها أن السياسي لن يتخلى عن ما هو أمني وعسكري، والعقل البراغماتي لن يفاوض وساحاته الميدانية في فوضى أو فراغ.

ووفق تصريحات الوسيط القطري فإن الجهود المبذولة لإتمام وإيجاد ضمانات بشأن الصفقة، بلغت “درجة حاسمة ونهائية. وقال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية، المقيم في قطر: “نحن قريبون من التوصل إلى اتفاق بشأن الهدنة”.

يتفق في ذلك الناطق بلسان الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، والذي قال “نعتقد أننا أقرب من أي وقت مضى، لذلك نحن متفائلون”.

الرهائن.. “ورقة مساومة”

في ما يتعلق بإطلاق سراح الرهائن، تبدو “حماس” تستخدمهم “كورقة مساومة”، بل تحاول تبديد الوقت وإطالة مدى الصراع للضغط على المجتمع والقوى الدولية كما أهالي الأسرى في إسرائيل، “فكل يوم تتغير الشروط المطروحة”، كما تشير الباحثة الأميركية إيرينا تسوكرمان، المختصة في مجال حقوق الإنسان والأمن القومي. موضحة لـ”الحل نت” أنه “وفي كل مرة تظهر انفراجة تطلب حماس شيئا ما. مختلفا وجديدا وهو أمر يكون مستحيل تنفيذه من منظور عسكري أو إنساني”.

إذ تدرك “حماس” أنه من غير المرجّح الحصول على ما تطالب به في نهاية المطاف، وفق تسوكرمان، لافتة إلى أن “إطلاق سراح عدة آلاف من السجناء المدانين بتهم تتعلق بالإرهاب سيكون مستحيلا. ومع ذلك، فهي تدرك أنه كلما استغرق الأمر وقتا أطول للتوصل إلى أي نوع من الاتفاق المؤقت، كلما زاد الغضب الدولي ضد إسرائيل بمساعدة شبكاتها في جميع أنحاء العالم وأيضا بسبب حقيقة أن عدم التوصل إلى اتفاق يطيل أمد العمل العسكري يتسبب في خسائر وقتلى بين المدنيين في غزة”.

وفي الوقت نفسه، تتلاعب “حماس” بالسلطة الفلسطينية، على حد تعبير الباحثة الأميركية إيرينا تسوكرمان المختصة في مجال الأمن القومي، فحماس تحاول أن تملأ فراغ السلطة التي يرأسها محمود عباس في الضفة الغربية بل وتواصل تصدير نفسها (أي الحركة) باعتبارها “ممثل القضية الفلسطينية لتحظى بشرعية عملياتها العنيفة المسلحة والتي تتجاوز السلطة الشرعية بالضفة. من ناحية أخرى تشعر السلطة الفلسطينية أنها إذا تراجعت، أو انتقدت حماس، أو فشلت في إظهار الدعم الكافي، فسوف يُنظر إليها على أنها ضعيفة في أحسن الأحوال أو مخربة للقضية”.

صور لبعض من احتجزتهم حركة “حماس” كرهائن خلال هجماتها الأخيرة في إسرائيل- صورة “ليون نيل/ غيتي

وعليه تتعرض السلطة لعملية ابتزاز سياسية قصوى. ويمكن القول إن السلطة و”حماس” تتلاعب بهما إيران التي لا تتوقف عن الدعم العسكري والمالي للحركة، والأخطر تعبئة العشائر في جنين ودفعهم للانخراط في الحركة بغزة الأمر الذي لا تملك السلطة القدرة على مواجهته و إحباطه أو مقاومته خشية من بطش ونفوذ طهران، على حدّ تعبير الباحثة الأميركية.

وتلفت الباحثة الأميركية المختصة في مجال حقوق الإنسان والأمن القومي، إلى أن “حماس” من خلال هذه الحرب المباغتة التي شنّتها على إسرائيل في القطاع، تملّصت من المشكلات الداخلية التي تقع تحت وطأتها نتيجة الحصار والأزمات الاقتصادية وتفاقم الأوضاع نتيجة سوء إداراتها وفساد الحركة المتفشي الأمر الذي جعل الحركة عبئا على القطاع والمواطنين، فضلا عن تراجع أي دعم محلي ووجود حواضن تؤيد هذه الحركة المسلحة بصبغتها الإسلامية المتشددة، لكنها نجحت مرحليا ومؤقتا من “استعادة صورتها وإعادة تنشيط الكراهية لإسرائيل والتغاضي عن تلاعبات وفساد المسؤولين في حماس من خلال الانخراط في حرب دفع ثمنها مدنيون لحساب آخرين لا علاقة لهم بفلسطين”.

تعمدت حركة “حماس” إلى تصعيد تكتيكاتها مع تقدم التوغل البري الكامل، بما في ذلك الوفاء بوعدها بنشر لقطات لعمليات إعدام الرهائن على الرغم من أن ذلك قد يعيق محاولتها للحصول على الدعم الشعبي.

يكاد لا يختلف رأي الباحثة تسوكرمان عن ما ذكره “معهد واشنطن” لسياسات الشرق الأدنى بهذا الشأن، كاشفا عن استراتيجية “حماس” التي تركز على إطلاق سراح المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية والحالات الإنسانية، في محاولة واضحة لكسب الدعم الشعبي. وتدرك هذه الحركة تماما أهمية صورتها العامة ويخشى الكثيرون أنه بينما سيتم إطلاق سراح المزيد من الرهائن، إلا أن “حماس” ستستمر في احتجاز الأفراد الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية فقط.

ووفق المعهد الأميركي، فإنه كلما طال أمد قدرة “حماس” على مواصلة المفاوضات بشأن الرهائن، كلما طال أمد بقاء إسرائيل معرضة لضغوط محلية ودولية لحملها على تأخير عمليتها البرية في غزة أو على الأقل حصرها. لكن هناك تكاليف معينة تترتب عن إطالة أمد القتال في غزة. إذ إن “حماس” تستنزف قادتها ومعداتها وأفرادها، وفقدت عددا من كبار قادتها من جراء الحملة الجوية الإسرائيلية. وقد تعمدت الحركة إلى تصعيد تكتيكاتها مع تقدم التوغل البري الكامل، بما في ذلك الوفاء بوعدها بنشر لقطات لعمليات إعدام الرهائن على الرغم من أن ذلك قد يعيق محاولتها للحصول على الدعم الشعبي. وأوضحت “حماس” أيضا أنها تأمل في استخدام الرهائن لديها في عمليات تبادل أسرى مع مؤيديها في السجون الإسرائيلية، وهو تكتيك نجح في الماضي بالنسبة للحركة.

ويتساءل المعهد الأميركي: كيف سيتم إعادة الرهائن بشكل آمن؟ وما الذي يمكن أن تحصل عليه “حماس” في المقابل؟، ويجيب: “يمكن تأكيد نقطة واحدة واضحة، وهي أن القرار الذي اتخذته حماس بشن هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر واحتجاز رهائن مدنيين قد بدّد أي أوهام بشأن شرعية الحركة”.

مخاوف من صعود قوى الإسلام السياسي

ثمة مخاوف عنيفة تبدو أمام صعود “حماس” وقوى الإسلام السياسي التي تتموضع، مجددا، في المنطقة بعد فترة خفوت وكمون وانحسار سياسي وشعبي خاصة أنها تتزامن مع صعود قوة إيران و”آيات الله”. وهذا الترابط العضوي والبراغماتي بين قوى الإسلام السياسي بنسختيها السنية والشيعية وتبعيتها “للحرس الثوري الإيراني” الذي يطوق المنطقة في سوريا واليمن والعراق يجعل معضلة الأمن والسياسة في الشرق الأوسط صعبة وتحقيق التوازن عملية معقدة. لذا، فـ”الاهتمام الرئيسي بمصر يكون عبر تحقيق التوازن بين الوضع الإنساني في غزة ومخاوفها الأمنية الخاصة”، وفق تسوكرمان.

وتردف: “ومع اقتراب موعد الانتخابات، تشعر مصر بالقلق من أن ينتهي الأمر بالعناصر المرتبطة بحماس في مصر بين اللاجئين والانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي في سيناء، وهو ما سيكون بمثابة كارثة لمصر التي تدير الملف بثقلها التاريخي والجيوسياسي فضلا عن خبراتها وعمق ارتباطاتها بالأطراف كافة وتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة”.

كما أن “قطر، من ناحية أخرى، ليست مهددة من قبل حماس، بل على العكس من ذلك، فهي توفر ملاذات آمنة لقادة حماس وتمتلك كل النفوذ لدفع حماس إلى تقديم تنازلات كبيرة فيما يتعلق بالرهائن، ولكنها تختار عمدا عدم القيام بذلك.  وهي تعمل على منح حماس الوقت لتلبية الاحتياجات اللوجستية، وعلى منح إيران دعما إضافيا لوكلاء إقليميين آخرين. كما تسعى إلى تقويض الدعم الدولي لمخاوف إسرائيل بشأن الرهائن من خلال إطالة أمد الوضع لأطول فترة ممكنة.  وللسبب نفسه، وعلى الرغم من سعيها للحصول على الشرعية كوسيط دبلوماسي، قاومت قطر ضغوط إدارة بايدن للتخفيف من اللهجة المؤيدة لحماس في تغطية الأحداث في قناة الجزيرة، أو لتحقيق نتائج ملموسة فيما يتعلق بحماس”، طبقا للباحثة الأميركية.

وبسؤال القيادي في حركة فتح وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، عن الهدنة وتقديراته بشأن تداعيات “طوفان الأقصى” على السلطة في الضفة الغربية وما إذا كانت قد جعلت الرئيس محمود عباس بدون بدائل وخيارات، فيجيب لـ”الحل نت”: “وضع السلطة في الضفة صعب جدا في هذه الظروف، فالسلطة تحاول المحافظة على وجود حالة مستقرة هادئة في الضفة وهناك حراك في غزة كبير جدا مع هذه الحرب”.

بالتالي وضع السلطة صعب جدا، فهي تحاول مسك العصا من الوسط، لا تخسر الجانب الإسرائيلي وأن لا تخسر غطاء غزة وتسعى قدر المستطاع أن تبقى في حالة توازن ضمن كل هذه الملفات وهذا صعب جدا، وفق ما أضافه الدكتور أيمن الرقب.

ونوّه الرقب إلى أن ثمة وسطاء (مثل مصر وقطر والأردن) تحاول قدر المستطاع وقف هذه الحرب والبدء بترتيبات جديدة بغزة. لكن “حماس” ارتباطاتها الإقليمية الآن تجعلها تترك الأمور في دائرة المفاوضات بشكل مباشر مع قطر ومصر وأحيانا مع روسيا. ولكن بالنهاية كل هذه الأمور لها ترتيبات أخرى. ورجح  الرقب في ختام حديثه أن “الأمور مع الوقت ستتغير فكرة إسرائيل بشأن أن تكون غزة بلا حماس وستتبدل الأولويات، إذ ستصبح غزة مع حماس ولكن حماس جديدة بدون جناح عسكري وبترتيبات أخرى”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات