في خضم حالة من الاستياء الشعبي التي تعيشها الجزائر، جراء ما تعانيه من إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة عام 2019 لتسوية عدد من الملفات التنظيمية، وفي سياق فتح المجال أمام إمكانية مراجعة سياسة التقشف، وجّه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الحكومة بتخفيف بعض الإجراءات المشددة.

جاء ذلك في الوقت الذي اعتبر فيه المواطنون سياسة الرئيس تبون لإنقاذ الاقتصاد الجزائري قد ساعدت في إفلاس الآلاف منهم، وحرمان السوق من العديد من المواد، لاسيما وأن البلاد تعتمد في الغالب على المنتجات الأجنبية، وأن الإنتاج المحلي لا يزال بعيدا من حيث النوعية والكمية التي تفي بغرض المستهلك الجزائري.

إذ نتيجة لتلك السياسة، وجدت العديد من فئات المجتمع الجزائري نفسها أمام تحديات ومصاعب اقتصادية كبيرة، ما دفع بتصاعد حالة الغضب في المجتمع، لما تسببت به الإجراءات التقشفية التي فرضتها الحكومة، والتي جاءت بعد أن تولى تبون السلطة في أعقاب استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان قد صادق في أواخر العام 2018، على مسودة الموازنة العامة للسنة المقبلة، التي عرضتها عليه حكومة رئيس الوزراء أحمد أويحيى آنذاك.

الجزائر والأزمة الاقتصادية

الحكومة في ذلك الوقت رفعت مشروع قانون الموازنة، تضمنت ميزانية الدعم بنسبة 0.7 بالمئة، وبلغت قيمة التحويلات الاجتماعية المقررة 1.77 تريليون دينار ما يقارب 16 مليار دولار، مقابل 1.76 تريليون دينار للعام 2018، ووفق البيانات، يستحوذ دعم العائلات والسكن والصحة على نحو 64 بالمئة من إجمالي ميزانية الدعم.

اقرأ/ي أيضا: باكستان واتساع الهوة مع العالم.. ماذا يعني مغادرة الشركات الكورية لإسلام آباد؟

بحسب مسودة مشروع الموازنة، سينخفض الإنفاق العام إلى حدود 8500 مليار دينار ما يعادل 75 مليار دولار، في حين أجلت الحكومة حينها قرار خفض الإنفاق بشكل أكبر إلى عامي 2020 و2021، وهي السنة التي حددتها الحكومة الجزائرية لبلوغ التوازن المالي.

ذلك أدى إلى تأجيج احتجاجات شعبية بفعل صدمتي “كورونا” وأسعار النفط المتهاوية التي فاقمت الوضع الاقتصادي الجزائري، مما تسبب أيضا بارتفاع معدلات البطالة، فضلا عن انخفاض قيمة العملة وزيادة التضخم وتراجعٍ في القدرة الشرائية، لتقيم عدة شرائح من المجتمع الجزائري إضرابات، بمن فيهم موظفو القطاع الصحي ومجموعات شبابية وموظفو البريد

بعد هذا المشهد، وتولي تبون للسلطة في البلاد ومُضي نحو عام، عاد تبون ليوقّع قانون الموازنة لسنة 2021، متضمنا إجراءات ضريبية مخفّفة لصالح الأفراد والمؤسسات، وتدابير تقشفية جديدة لمنع تآكل احتياطي العملات الأجنبية، لكن على ما يبدو أن تلك الإجراءات لم تُثبت جدواها، الأمر الذي دفع الرئيس تبون لإعادة النظر بقراراته.

إجراءات عكسية 

حاليا، وفي سياق محاولات عبد المجيد تبون احتواء المشهد الذي من المحتمل أن ينفجر مجددا، أوعز تبون للحكومة بألا تكون سياسة تقليص الواردات على حساب احتياجات المواطنين.

أمر يوحي بأن السلطة بدأت تستشعر خطورة حالة التململ الشعبي جراء بعض التدابير الاقتصادية والاجتماعية الرادعة، وهي تحاول أن تتلافى أي انزلاق قد يخلط أوراقها عشية الحديث عن ولاية رئاسية ثانية للرئيس تبون.

مجلس الوزراء أفاد كذلك بأن الرئيس عبد المجيد تبون أمر بأن تكون عمليات هدم البنايات المأهولة غير الشرعية وفق مخطط مدروس بدقة يحضره الولاة، ثم يرفع إلى وزير الداخلية للبت فيه نهائيا، بعد استنفاد كل سبل التسويات الإدارية والقانونية، وألا تكون عمليات هدم السكنات المأهولة خلال فصل الشتاء.

اقرأ/ي أيضا: عُمان واللجوء للمنصة الإلكترونية.. صعود في عالم الغاز الاستثماري؟

أيضا، طلب الرئيس الجزائري من حكومته استحداث جهاز “يقظة” دقيق خلال الأسبوع الجاري، بالتنسيق بين وزارات الداخلية والزراعة والتجارة، يتولى المراقبة والمتابعة اليومية لتموين السوق بمختلف المواد الأساسية التي أصبحت تستغلها عصابات لزعزعة الاستقرار الاجتماعي.

كما شدد على ألا يكون تقليص فاتورة الاستيراد على حساب المساس بحاجيات المواطن، وإنما بمراعاة توفر الإنتاج الوطني كمّا ونوعا، وتكثيف أنظمة الإنذار والرقابة، بدءا من الأحياء والقرى بإشراك السلطات المحلية، بهدف مراقبة أسعار المواد الأساسية وتموين الأسواق بكل أنواعها

مع ذلك، بقيت إجراءات الرئيس الجزائري محل تساؤلات، خصوصا فيما يتعلق بنجاعتها في معالجة ما تعيشه البلاد، وحول ذلك أوضح المحلل السياسي الجزائري إسماعيل معراف، بالقول إن هذه الإجراءات جاءت جراء مخاوف الرئيس تبون من تطور الغضب الشعبي الذي باتت تقارير عدة تتحدث عنه في بعض القطاعات المهنية والاقتصادية، إلى احتجاجات جماهيرية، فإن الأخيرة هي ما لا يحبذه النظام والرئيس.

معراف شرح في حديث لموقع “الحل نت”، أن الرئيس الجزائري وفي بدايات تولية ولايته الأولى في السلطة، كان قد أقدم على سياسة التقشف بشكل كبير. مبينا أن وظيفته هي إعادة الكرامة للمواطن الجزائري، ورفع قدرته الشرائية، غير أن سياسته التي اتخذها في بداية عهدته الأولى تسببت في أضرار بالغة لقدرة المواطن الشرائية واختلالات في تسيير الشؤون العامة وأيضا في دواليب الدولة، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على مصداقية النظام وشعبية الرئيس.

طموح رئاسية 

بالتالي وفي الوقت الذي يفكر فيه تبون بعهدة ثانية في الحكم، يحاول من خلال وقف سياسة التقشف مناغمة المواطنين ومشكلاتهم؛  وذلك عبر الإجراءات التي اتخذها مجددا في تخفيف سياسة التقشف؛ لأنه يعلم من دون مراعاة القدرة الشرائية للمواطن الجزائري والجانب الاقتصادي والاجتماعي فمن الصعب توليه عهدة ثانية، تبعا لمعراف.

الوعود التي قطعها الرئيس في عهدته الأولى اتضحت بأنها ليس أكثر من ربح للوقت، وأن البرنامج الذي طُبّق أُريد منه توفير سيولة مالية للخزينة العامة لا أكثر. بالتالي يرى معراف أن ذلك لم يخدم مصالحة المواطن الذي بات يعاني من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.

الخبير في الشأن السياسي الجزائري، يعتقد أن إجراءات تخفيف التقشف هي استباق لاحتجاجات شعبية متوقّعة، بيد أن هذه الإجراءات والتي من الممكن أن تعقبها تحركات أخرى، قد لا تكون كافية في الوقت الحالي للعبور بمركب الرئيس تبون إلى ولاية ثانية، خصوصا وأن هذه السياسية لم تكن بالمستوى في الأساس، ما يعني أن تبون يدور في فلكه وأن طموحه في عهدة ثانية لن توفّق ما لم يعيد النظر في القدرة الشرائية للمواطنين.

منذ قدوم الرئيس تبون إلى السلطة نهاية العام 2019، وضعت الحكومات التي شكّلها تقليص فاتورة الواردات هدفا رئيسيا لعملها، وتمكنت في ظرف ثلاث سنوات من خفضها من حدود 60 مليار دولار إلى نحو 30 مليارا بغية تحقيق توازن في الميزان التجاري.

فيما اتخذت السلطة في البلاد من الحد من تهريب العملة الأجنبية تحت غطاء الاستيراد ووقف الاستيراد العشوائي ذريعة لتقليص الفاتورة السنوية، لكن ذلك لم يراعِ الاحتياجات الأساسية لتحريك النشاط الاقتصادي والتجاري الداخلي، فضلا عن أنه خلق ندرة وغلاء في الأسعار.

كما لم توفّق حكومات الرئيس تبون المتعاقبة في خلق توازن بين تقليص الواردات و بعث إنتاج محلي، مما خلق حالة من الارتباك تسير نحو غضب اجتماعي يتراكم شيئا فشيئا، وهو ما دفع تبون إلى التدخل وإعادة توجيه الحكومة في بعض السياسات، بحسب تقارير.

على ما يبدو أن أزمة الجزائر أبعد من حدود إجراءات تخفيف سياسة التقشف التي فرضها الرئيس عبد المجيد تبون، قبل أن يعود مجددا لينظر فيها. فعلى مدى نحو عامين، استمرت معاناة الجزائريين دون أن تدفع بالرئيس إلى خطوة مماثلة لإعادة النظر في سياسة التقشف؛ لتبدو مساعيه الحالية محاولة لخطف ولاية رئاسية ثانية دون أن تتجاوز هذا الحد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.