في الوقت الذي تعيش فيه باكستان أزمة مالية خانقة ووضعا سياسيا مضطرب، ألقى بظلاله على الواقع المعيشي والقطاع الإنتاجي في البلاد، يبدو أن الوضع يزداد سوءا بعدما بات مستوى القطاع الاستثماري في البلاد مهددا بسبب هجرة الشركات الأجنبية من الأسواق، ما يؤشر إلى حالة أقرب للانهيار، وهي التي قد تضرب الاقتصاد الباكستاني بمقتل بعد جملة الاختلالات التي أصابته.

إذ في الوقت الذي يواجه الاقتصاد الباكستاني أزمة ثلاثية، من فيضانات أغرقت ثلث البلاد وضاعفت من معاناته، وأزمة سياسية، إضافة إلى التضخم وأزمة ديون الخانقة، إضافة إلى نقص العملة الصعبة بشكل حاد، تحدث مستثمرون كوريون، عن نية الشركات الكورية الجنوبية مغادرة السوق الباكستانية، نتيجة الصعوبات التشغيلية الناجمة عن نقص المواد الخام، جراء قيود الاستيراد، وتأخير الإفراج عن الحاويات العالقة في الموانئ.

فمنذ العام الماضي، تعاقبت على باكستان الأزمات حتى دفعت بها إلى حافة الهاوية، من فيضانات كارثية وشلل سياسي وتضخم هائل وعودة لخطر الإرهاب، مما يشير إلى أن هذه الأمور كلها تهدد بدفع هذا البلد النووي والمهم عالميا إلى أتون الانهيار الكامل.

مصائب باكستان تصيب القطاع الاستثماري

تلك المصائب مجتمعة، أفضت ومعها سوء الإدارة المزمن في البلاد، إلى وقوع باكستان تحت وطأة تهديد حقيقي بالانهيار، حيث أدى نقص الدولار إلى فرض قيود رسمية على معظم أنواع الواردات، في حين تعقد الآمال على برنامج قرض مصيري مع “صندوق النقد الدولي”، في وقت استنفدت احتياطيات “البنك المركزي” الباكستاني التي تبلغ الآن 3.19 مليارات دولار، وهو مستوى لا يكفي لتغطية فاتورة الاستيراد الوطنية، أما الدين العام للبلاد فقد زاد إلى 270 مليار دولار.

في غضون ذلك، تحدث مسؤولو شركات كورية عن المصاعب التي توجههم في باكستان، ما يعطل من نشاطاتهم، حيث قال رئيس غرفة المستثمرين الكوريين في كراتشي، جين هان تشونج، في تصريحات لصحيفة “داون الباكستانية”، إنه “في كل يوم أتشاجر مع البنك (…) حتى بالنسبة للتحويلات الصغيرة الخارجية البالغة 20 ألف دولار، في حين لم تجر تسوية المدفوعات المسبقة للواردات، فيما يزداد الوضع سوءا”.

اقرأ/ي أيضا: “منتدى السعودية للابتكار الاجتماعي”.. نقلة بالاستثمار في العقل البشري؟

وسط ذلك، وبينما وجه “البنك المركزي” الباكستاني، المصارف في كانون الثاني/يناير الماضي، بتصفية المدفوعات الخاصة بالحاويات العالقة في الميناء، إلا أن أزمة تعطل التجارة لا تزال قائمة، بحسب سونغ جي كيم، المدير العام في شركة “كوترا كراتشي”، الذي قال “نطلب من الحكومة الإفراج عن جميع خطابات الاعتماد المعلقة التي فتحتها الشركات الكورية مع شركائها، مع السماح لهم بفتح خطابات اعتماد جديدة لمواصلة العمليات”.

كيم تابع أنه يتفهم القيود التي تواجهها الحكومة عندما يتعلق الأمر بالسماح بتدفق الدولار إلى الخارج، لكن تقييد واردات المواد الخام ليس حلا، وأن التجارة الدولية يجب أن تستمر.

في ذات الوقت يشير إلى أن هناك تباطؤ في الاستثمار الأجنبي المباشر من كوريا الجنوبية في باكستان الأشهر الأخيرة، ويرجع سبب ذلك إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، بما في ذلك تقلبات أسعار الصرف، فيما يجعل هذا من الصعب على الشركات الخاصة التخطيط على المدى الطويل، إذ إن الشركات باتت متردد في إرسال أموال الاستثمار إلى باكستان.

بالتالي فإن انسحاب الشركات الكورية الجنوبية يعد واحدة من الأزمات والمشكلات التي من المحتمل ستعقبها أزمات جديدة تجاه باكستان، كما يرى المحلل السياسي طارق الزبيدي، لافتا إلى أن أسباب هذه الأزمة التي بالقطاع الاستثماري الباكستاني، تعود إلى قضايا مركزية جوهرية وفرعية، وتتمثل المركزية بـ “ندرة العملة الصعبة”، إذ إن نقص العملة الصعبة يهدد البلدان المستقرة، فكيف عندما يكون الأمر على مستوى باكستان التي تعاني من أزمات متعددة.

هل تتسع أزمة الشركات الكورية؟

الزبيدي وفي حديث لموقع “الحل نت”، بيّن أن أزمة العملة الصعبة باتت تهدد واقع ومستقبل باكستان، لذلك سبب مغادرة الشركات الكورية للسوق الباكستانية يعود لأزمة العملة، ولا ينحصر عند هذا الحد، بل إن القيود البيروقراطية في التعاملات المصرفية والقيود على الحمولات داخل الموانئ، تعدد سببا في ذلك.

كذلك أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة “بغداد”، أن الأزمة في باكستان كبيرة ولعل محاولات الدول الحليفة لإسلام آباد مثل الإمارات التي تحاول مساعدتها من خلال تمديد قرض قيمته مليارين دولار، وكذلك رصد مبالغ إضافية من قبل بعض الدول الأخرى كالسعودية، لا تسعفها في تجاوز تحديداتها، لأن قضية الشركات تتجاوز حدود إيجاد مبالغ بسيطة قد تمنح من بعض الدول، وتحتاج إلى دعم وإجراءات داخلية، بالتالي تداعيات هذه الأزمة قد تتعدى حدود الشركات الكورية وتشمل المزيد من الشركات الأجنبية.

اقرأ/ي أيضا: المجال الخامس للحروب.. ماذا تعني سياسة “الناتو” لتنظيم استخدام الفضاء؟

في باكستان تعمل هناك ما لا يقل عن 25 شركة كورية جنوبية كبرى منها؛ “هيونداي” و”كيا” لصناعة السيارات، و”سامسونغ” للإلكترونيات، اللواتي يعدّن من كبار المستثمرين الكوريين، الذين أنشأوا مصانع لهم في باكستان خلال السنوات الأخيرة، وتشارك الشركات الكورية أيضا في تصدير المأكولات البحرية وتوليد الطاقة.

واردات باكستان من كوريا الجنوبية بلغت 1.5 مليار دولار في عام 2021، بزيادة نسبتها 41.8 بالمئة عن عام 2020، بحسب البيانات الرسمية، بينما تحتاج باكستان إلى ما بين 8 و9 مليارات دولار خلال الأشهر الباقية من السنة المالية الحالية التي تنقضي بنهاية حزيران/يونيو المقبل، وذلك للوفاء بالالتزامات الدولية، وتدبير احتياجات الاستيراد الأساسية.

الحكومة الباكستانية طلبت من “صندوق النقد الدولي” الحصول على 3 مليارات دولار من القرض المتفق عليه العام الماضي، والبالغ إجماله 6 مليارات دولار، في حين صرف الصندوق دفعة بقيمة 1.1 مليار دولار في آب/أغسطس الماضي، ولم تسفر المحادثات بين الطرفين بعد عن الإفراج عن شرائح جديدة من القرض، رغم إقدام الحكومة على تنفيذ اشتراطات للصندوق.

باكستان تحت ضغوط “صندوق النقد”

وسط ذلك، أعلنت شركة الكيماويات الكورية الجنوبية “لوت كيميكال” منتصف الشهر الماضي، بيع فرعها في باكستان لشركة كيماويات باكستانية مقابل 4.192 مليار وون، ما يقارب 156 مليون دولار، ونقلت وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبية للأنباء عن بيان “لوت كيميكال”، القول إن شركة “لاكي كور إنداستريز” الباكستانية ستستحوذ على كامل حصتها في “لوت كميكال باكستان ليمتد”.

مقابل هذا وفي الظروف المالية الحرجة يواصل “صندوق النقد الدولي” الضغط على الحكومة الباكستانية، ويطالبها بتنفيذ إجراءات اقتصادية قاسية ضمن شروطه للحصول على تمويلات جديدة، من بينها رفع الدعم عن الوقود والكهرباء. وهو ما اضطر حكومة إسلام آباد لزيادة أسعار البنزين والغاز التي دخلت حيز التنفيذ الخميس الفائت في باكستان، حسب تقرير صحيفة “بيزنس توادي” الباكستانية”.

بحسب تقرير لموقع “الشرق”، فإن احتياطات النقد الأجنبي المحدودة حدت من قدرة باكستان على تمويل الواردات، بما في ذلك السلع الوسيطة، لتتقطع السبل بآلاف حاويات الإمدادات في الموانئ، في حين وافقت السلطات على إجراءات تشمل زيادة الضرائب وأسعار الطاقة لتلبية المتطلبات الرئيسية من “صندوق النقد الدولي” لكسب الدعم.

اقتصاد باكستان البالغ حجمه 348 مليار دولار بات على شفا التخلف عن سداد ديون، بينما أدى النقص الحاد في الإمدادات إلى ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في 48 عاما خلال الشهر الماضي، ليجبر ذلك المصانع على الإغلاق، مما عرض عشرات الآلاف من الوظائف للخطر.

في المقابل، خففت الدولة قبضتها على العملة المحلية الشهر الماضي، مما أدى إلى انخفاض قيمتها إلى مستوى قياسي مقابل الدولار بعد انخفاض بنسبة 15 بالمئة في كانون الثاني/يناير الماضي، في حين خفضت “وكالة فيتش للتصنيف الائتماني” التصنيف الائتماني للبلاد إلى منطقة غير مرغوب فيها للمرة الثانية في أربعة أشهر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.