في الوقت الذي تشهده فيه سلطنة عُمان صعودا في إنتاج الغاز، تسعى الحكومة العُمانية إلى رفع حجم الصادرات، وذلك من خلال جملة خطوات، من بينها اللجوء إلى إنشاء منصة إلكترونية تهدف إلى تسهيل طلب وبيع الغاز.

خطوات الحكومة العُمانية لا تقف عند هذا الحد، بل أن السلطنة تسعى إلى إبرام عقود طويلة الأمد، وذلك بما يتماشى مع الازدهار المطرد في إنتاج الغاز، وفي هذا الإطار دشنت وزارة الطاقة والمعادن العُمانية في الخامس عشر من الشهر الجاري، منصة إلكترونية تنظم طلبات الشركات الراغبة في تخصيص وشراء الغاز الطبيعي لمشاريعها القائمة أو المخططة إقامتها داخل السلطنة، والرد عليها.

زيادة الطلب الكبيرة على الغاز العُماني دفع المعنيون نحو إنشاء المنصة الإلكترونية، لتقديم ما يمكن من تسهيلات تحفز حركة الإقبال على الغاز العُماني، في ظل وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وبحث السوق عن مصادر جديدة لتعويض الإمدادات الروسية من الغاز، من دون تكرار خطأ الاعتماد على مصدر واحد، الأمر الذي فتح أمام السلطنة آفاقا واسعة للتمتع بحصة تصدير متنامية.

التحول الإلكتروني باستثمارات الغاز

التحول الإلكتروني في بيع الغاز العُماني يأتي في الوقت الذي أصبحت فيه عُمان إحدى الدول التي تناقش السوق الأوروبية إمكانية اللجوء إليها كبديل للغاز الروسي، وهذه الرغبة الأوروبية تنامت بعد تركيز اتفاقيات تصدير الغاز الأخيرة على مدد إمداد طويلة، تضمن استقرار احتياجات الطاقة للدول المتضررة من وقف إمدادات الغاز الروسي.

وفق تصريحات لقاسم بن محمد العامري، المكلف بأعمال مدير عام التسويق في وزارة المعادن العُمانية، فإن المنصة الإلكترونية تعمل على استقبال طلبات شراء وتخصيص الغاز الطبيعي من المستثمرين الجدد والمستهلكين للاستخدام الصناعي، كما تتيح إرسال شروط تخصيص الغاز المبدئية واستلام موافقة المستثمرين أو المستهلكين عليها، ومتابعة حالة الطلب مع الجهات ذات العلاقة.

اقرأ/ي أيضا: تجاهل إفريقي واستياء مصري.. ما وراء غياب السيسي عن قمة أديس أبابا؟

يضاف إلى ذلك، إمكانية إرسال الملاحظات واستقبال الردود والتحديثات حول طلبات الغاز، بحسب تصريحات صحافية، في حين يحقق تدشين المنصة هدف السلطنة الاقتصادية من التوسع في صادرات الغاز، إضافة إلى الهدف الإداري للحكومة، المتمثل في التحول الإلكتروني وتقديم الخدمات بكفاءة وفاعلية وسرعة.

أما بحسب النشرة الفصلية الصادرة عن جهاز الاستثمار العُماني “صندوق الثروة السيادي” في عددها الصادر حديثا، فإن ما يعزز من هذا التحول؛ تأكيد الرئيس التنفيذي للشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال حمد بن محمد النعماني، قيام الشركة خلال الفترة القريبة القادمة، بتوقيع عقود مع شركات عالمية أخرى في عدة دول.

إلى ذلك، يشرح الخبير في شأن اقتصادات الخليج ميثم الشخص، في حديث لموقع “الحل نت”، مزايا المنصة الإلكترونية وما يمكن أن تحققه السلطنة في سوق الغاز الاستثماري، بالقول إن “عُمان تصدر الغاز بشكل أكبر من عدد بعض دول منطقة الخليج، فهي تأتي بعد قطر والمملكة العربية السعودية من حيث الصادرات، كما تحل في المركز الخامس والعشرين عالميا بين الدول المصدرة للغاز، حيث وصلت خلال العام الماضي من حيث إنتاج الغاز المصاحب إلى ما يعادل 30 مليار متر مكعب”.

مع ذلك، بحسب الشخص، تسعى عُمان حاليا إلى تطوير عدد من الحقول، بمساعدة شركة “شل” لرفع مقدار إنتاج الغاز الطبيعي، لتصل في أحد الحقول خلال العام المقبل إلى ما يقارب 500 مليون متر مكعب يوميا، وفي ضوء هذا الصعود ترغب مسقط في خلق سوق مستهدفة مستفيدة من العقوبات والخضر المفرض على الغاز الروسي من بعض الدول.

عُمان ومزايا منصة الغاز الإلكترونية

الخبير في شأن اقتصادات الخليج، أوضح أنه في الوقت الحالي هناك حاجة ملحة على الغاز الطبيعي، بالتالي مع هذه الحاجة وقلة العرض، تستفيد الدول المنتجة بأن تقوم مقام الدول الأخرى في حالة النزاعات والأوضاع الجيوسياسية المتغيرة، وذلك يتم من عدة خيارات منها المنصة الإلكترونية التي بطبيعة الحال تساعد على التسويق وزيادة البيع بنسبة مريحة وبشكل منطقي وعادل.

كذلك بيّن الشخص، أن المنصة توفر سهولة ويسر في الانتقال في عملية بيع الغاز وعقد صفقات البيع عن طريقها، لتكون الأمور أكثر سلاسة ووضوح في هذا الشأن، لذلك المنصة الإلكترونية بالنسبة لعُمان لها أهداف طويلة الأجل ولها مبررات في مسألة التسويق، بالتالي من المتوقع أن تقوم هذه المنصة بزيادة بيع الغاز الطبيعي للسلطنة.

في سياق ذا صلة، فإن الشركة العُمانية تدرس الاستراتيجية التجارية الخاصة بإطالة أمد اتفاقيات الغاز عشر سنوات إضافية، بعدما نجحت في أن تكون من أول شركات الغاز الطبيعي المسال في بدء العمل بصفقات التحويل في السوق العالمي، والاستفادة السريعة من فرص التحويل أو المبادلة أو بيع الشحنات الفورية، وفق ما نقلته صحيفة “العربي الجديدة”، عن خبير الاقتصادي العُماني علي بن عبد الله الريامي.

اقرأ/ي أيضا: “لا جدوى من عزل سوريا”.. خطوة سعودية نحو إعادة العلاقات مع دمشق؟

مثالا على ذلك، ففي منتصف الشهر الماضي، أبرمت “الشركة العمانية للغاز الطبيعي” المسال، اتفاقا مع شركة “بي تي تي” التايلاندية، و”توتال إنرجيز” الفرنسية، لتزويدهما بكمية تصل إلى 1.6 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنويا، وبدءا من 2025.

800 ألف طن متري سنويا، بدءا من عام 2025 وعلى مدى 10 سنوات حجم ما ستقوم الشركة العُمانية بتزويده للشركة الفرنسية، وهذا بموجب الاتفاق. أما الاتفاق مع “بي بي تي” التايلاندية فينص على تزويدها بنحو 800 ألف طن متري سنويا من الغاز الطبيعي المسال وفق عقد تصل مدته إلى 9 سنوات ابتداء من عام 2026.

كذلك وقعت الشركة العُمانية، في 10 كانون الثاني/يناير الماضي، 3 اتفاقيات مع شركة “شل عُمان” بمجال الغاز الطبيعي المسال بمستهدف إنتاج إجمالي يصل إلى مليون طن متري سنويا، وهذا بعد أن أبرمت الشركة، في 27 كانون الأول/ديسمبر الماضي، 3 اتفاقيات مع شركات “إيتوشو” و”جيرا” و”ميتسوي وشركاه” اليابانية بهدف إنتاج وتسليم الغاز الطبيعي المسال بدءا من عام 2025، بإجمالي يصل إلى 2.35 مليون طن متري سنويّاً من الغاز الطبيعي المسال.

حجم الغاز العُماني

وفق البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات العُماني، فإن إنتاج السلطنة من الغاز الطبيعي، حتى نهاية 2022، شهد ارتفاعا بنسبة 3.7 بالمئة، ليصل إلى 52 مليارا و61 مليونا و900 ألف متر مكعب، مقارنة بـ50 مليارا و190 مليونا و600 ألف متر مكعب خلال الفترة نفسها من عام 2021.

إجمالي صادرات سلطنة عُمان من الغاز المسال خلال الربع الثاني من 2022، بلغ نحو 2.8 مليون طن، مقارنة بنحو 2.6 مليون طن خلال الربع المماثل من عام 2021، بنسبة نمو على أساس سنوي 12 بالمئة، فيما ارتفع الإنتاج خلال الأشهر الـ9 الأولى من 2022 بنسبة 3 بالمئة على أساس سنوي، مسجلا بحلول نهاية الربع الثالث نحو 138 مليون متر مكعب يوميا.

إجمالي صادرات عمان من الغاز المسال خلال الأشهر الـ9 الأولى من 2022، وصل إلى نحو 8.4 مليون طن، مقابل 7.7 مليون طن خلال المدة المماثلة من عام 2021، بنسبة نمو على أساس سنوي بنحو 9 بالمئة، وهي ثاني أعلى نسبة نمو على مستوى الدول العربية.

حول ذلك؛ بيانات رسمية لوزارة الطاقة العُمانية أشارت إلى أن أسعار تصدير الغاز المسال سجلت زيادة بنسبة 85 بالمئة على أساس سنوي خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الماضي، إذ بلغت 15.1 دولارا لكل مليون وحدة حرارية

بحسب تقرير لـ “منصة الطاقة المتخصصة”، فإن صادرات الغاز العُماني المسال وصلت خلال عام 2022 إلى العديد من الوجهات في آسيا؛ مثل كوريا الجنوبية واليابان وباكستان، وبينما تركزت الصادرات العُمانية على السوق الأسيوية، فإنها خلال 2022 عملت على الدخول إلى أسواق جديدة، من بينها أوروبا وأميركا الشمالية، كما يستفيد منها الشرق الأوسط.

بناء على ذلك، وما تخطوه عُمان في مجال تعزيز إنتاجها من الغاز، ومحاولات خلق سوق مستهدفة جديدة على مدار العالم، وبالنظر إلى زيادة الطلب العالمي على الصادرات العمانية، وما تم تحقيقه من أرقام متقدمة في مجال البيع خلال العام الماضي، ومع استراتيجية السلطنة حول تأمين عقود البيع وربطها بمديات بعيدة، يبدو أنه سيحقق مكانة مرموقة لعُمان في سوق الاستثمار الغازي الإلكتروني، لتكون أحد مصادر الطاقة الموثوقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.