في خطوة اعتُبرت تجاهلا لمشاعر الشعب السوري، الذي عانى نحو اثني عشر عاما من الدمار والتهجير، علاوة على التعذيب في غياهب السجون التي ابتلعت الآلاف من الشبان والشابات، فجّر وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود السبت الماضي، مفاجأة بشأن موقف بلاده من سوريا، وهو ما وصفه مراقبون خطوة باتجاه إعادة النظر في علاقات الرياض مع دمشق.

خلال “مؤتمر ميونيخ للأمن” وضمن جلسة حوارية، قال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إن إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين. مضيفا؛ سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول “مجلس التعاون الخليجي” بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار.

وزير الخارجية أضاف أنه “في ظل غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حلّ سياسي فإن نهجا آخر بدأ يتشكل” لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين خاصة بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، مستدركا في حديثه؛ لذلك ينبغي أن يمرّ ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية خاصة فيما يتعلق بالشأن الإنساني وعودة اللاجئين وما إلى ذلك.

تباين سعودي تجاه سوريا

لكن على الرغم من ذلك، ولدى سؤال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود عن تقارير أفادت بأنه قد يزور دمشق، بعد أن زارها نظيراه الإماراتي والأردني في أعقاب الزلزال، قال إنه “لن يعلق على الشائعات”.

حديث ممثل السعودية في “مؤتمر ميونخ”، الذي انطلقت فعاليات دورته الـ 59 الجمعة الماضي، واختتمت أول أمس الأحد، يأتي في ظل محاولات الرئيس السوري بشار الأسد، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، استغلال كارثة الزلزال التي ضربت تركيا والشمال السوري في الأيام القليلة الماضية، لإعادة تجسير العلاقات مع العالم ومحيطه الإقليمي الذي بادرت دول عديدة منه في تقديم المساعدات لسوريا بما فيها السعودية.

حيث ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها السبت الماضي، أن الرئيس السوري بشار الأسد، يحاول استغلال الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة في البلاد للعودة إلى الساحة الدولية وكسر المقاطعة التي فُرضت عليه بسبب ما جرى في سوريا بعد اندلاع احتجاجات 2011، إذ إن بعض القادة العرب الذين نبذوا بشار الأسد لسنوات بدأوا يتواصلون معه لبحث المساعدات مثلما تواصلت معه قيادات أممية للسبب نفسه، حيث التقطت صور له برفقة مسؤولين عرب.

اقرأ/ي أيضا: تحركات الصين تجاه العراق.. خطوة نحو توسعة النفوذ الاقتصادي؟

الزلزال كان “نعمة” بالنسبة لبشار الأسد الذي يحاول التشبث بها، لأنه لا أحد يريد إدارة هذه الفوضى، التي وجدت حكومة دمشق نفسها أمامها بعد أن تأكدت من عدم إمكانية إدارة الكارثة خصوصا في ظل عدم إمكانية حلفائها في موسكو وطهران تقديم المساعدة لها، لا سيما وأن مساعداتهم تقتصر على تغذية الصراعات المسلحة، بحسب تعقيب مراقبين على ما ورد في تقرير الصحيفة الأميركية

بناء على ذلك، مثّلت التصريحات التي أدلى بها الأمير تغيرا في السياسة السعودية تجاه سوريا، وذلك مقارنة مع السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ما يقرب من 12 عاما عندما دعمت دول عربية من بينها السعودية جماعات من المعارضة المسلحة قاتلت ضد الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي أثار تكهنات حول ما تعنيه هذه التصريحات، وإذا ما كانت هناك دوافع لدى الرياض وراء العودة لاحتضان دمشق.

حول ذلك أوضح الخبير في الشأن السياسي السوري عباس شريفة، أن خلال الفترة الماضية كانت هناك عدة مبررات للدول العربية للتعاون مع حكومة دمشق؛ منها كارثة الزلزال وأزمة اللاجئين وقضية إيجاد حل سياسي في الملف السوري، ما خلق ضرورة للتواصل مع الحكومة السورية.

لكن على مستوى العلاقات السعودية السورية، بيّن شريفة في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه من الملاحظ حتى خلال كارثة الزلزال، اكتفت الرياض بإرسال طائرات مساعدات رمزية إلى المناطق التي تسيطر عليها السلطات السورية دون تواصل حقيقي معها، ومع نفي وزير الخارجية السعودي إمكانية زيارته لسوريا، فإن الحديث حتى الآن عن إعادة العلاقات مستبعد، لأنه لا يوجد شيئا من هذا القبيل في الفترة الحالية.

بيد أن الخبير السياسي، أكد أن ذلك لا ينفي وجود شيء يتعلق بالملف السوري مطروح ضمن سياق أو مسار المفاوضات السعودية الإيرانية حول ملف اليمن، والتي يؤمل لها بأن تتوج باتفاق ما بين جماعة “الحوثيين” الموالية لإيران، و”التحالف العربي” بقيادة السعودية، لذلك يبدو أن ملف سوريا طُرح أيضا وتمت مناقشته بين الرياض وطهران لكن ليس بين دمشق والرياض.

السعودية وإعادة النظر بعلاقاتها مع سوريا

بناء على ذلك، يرى شريفة، أن هناك إعادة تقييم بالنسبة للسعودية لعلاقتها مع حكومة دمشق وجدوى إعادة العلاقات والفائدة من إعادتها، مبينا أنه من غير المستبعد أن تُقدم السعودية بخطوة تجاه بشار الأسد، لكن وإن أقدمت على تلك الخطوة فلن يكون لها أي تأثير على الملف السوري.

الخطوة السعودية التي يمكن أن تُقدم عليها السعودية تجاه الأسد، لخّصها الخبير السياسي بأنها قد تقتصر على تحقيق إنجاز للتنسيق الأمني بقضية المخدرات التي باتت تُحدث تأثيرا على مستوى السعودية، وأيضا على مستوى التنسيق بشأن الجهود الإغاثية، مستبعدا في الوقت ذاته أن تتطور إلى مستوى إعادة العلاقات بشكل شامل، وذلك بسبب موقف السعودية من الحل السياسي في سوريا وضرورة إيجاد حل سياسي.

اقرأ/ي أيضا: تمديد “مجلس الأمن الدولي” العقوبات على “الحوثيين“.. مسار عكسي للهدنة؟

شريفة لفت إلى أن إعادة علاقات السعودية مع سوريا ترتهن برؤية الرياض تجاه النظام السوري التي تريد منه فك ارتباطاته مع إيران، بما يتماشى مع خلق علاقات متوازنة من قبل دمشق تجاه الرياض وطهران، مشيرا إلى أنه حتى اللحظة لا يوجد شيء ناضج ليتوج بلقاء بين الجانبين السعودي والسوري.

للإيضاح أكثر، بيّن الخبير في الشأن السياسي السوري، أن الموقف السعودي تجاه سوريا في الوقت الحالي من حيث إمكانية تطوره إلى لقاء بين الجانبين أمر مستبعد، في ظل تباين الرؤى بين الرياض وأبوظبي في التعاطي مع ملفات اليمن وسوريا وليبيا، وما أنتجه ذلك من خلافات بين الجانبين، إذ يبدو أن هناك رؤية سعودية مغايرة للإماراتية فيما يتعلق بهذه الملفات.

بالرغم من ذلك، استدرك شريفه في حديثه لـ “الحل”، أنه بكل الأحوال فإن الأحداث تتغير وتتطور، ولذلك لا يوجد خيار مستبعد، لكن المعوّقات والتّحديات في مسارة عودة العلاقات بين السعودية وسوريا كثيرة؛ منها قدرة النظام السوري بالاستقلال في قراره لاسيما في ظل تبعيته لإيران، بالتالي قد ترى السعودية تطبيع علاقاتها مع إيران كافيا.

إلى ذلك، كانت السعودية قد أرسلت طائرات محمّلة بالمساعدات لمناطق منكوبة تسيطر عليها الحكومة السورية في إطار جهود الإغاثة من الزلزال بعدما اكتفت في البداية بإرسال مساعدات لشمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، وذلك بعد أن قطعت علاقتها بسوريا وطرد السفير السوري من الرياض عام 2012، إثر موقف النظام السوري من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2011، مطالبة بإسقاطه.

كذلك علقت “جامعة الدول العربية” عام 2012 عضوية سوريا فيها، وقطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق، لكن مؤشرات انفتاح تجاه دمشق برزت خلال السنوات الأخيرة، لاسيما مع الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في سوريا عام 2018، قبل أن يزور الرئيس السوري بشار الأسد الإمارات في آذار/مارس الماضي.

ملامح الانفتاح العربي على سوريا

حاليا تضغط الإمارات من أجل إعادة التواصل مع دمشق على رغم من تمسك الولايات المتحدة الأميركية بموقفها من الحكومة السورية، بل لا تزال متمسكة أيضا باستمرار العقوبات، التي لا تزال تشكل عاملا معقّدا لمجريات الأمور في المشهد السوري.

ضمن مؤشرات الانفتاح على حكومة دمشق، تلقّى الرئيس السوري بشار الأسد الثلاثاء الماضي، اتصالا من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، هو الأول منذ تولي السيسي السلطة في مصر عام 2014، رغم محافظة البلدين على علاقات أمنية وتمثيل دبلوماسي محدود، كما تلقّى اتصالا مماثلا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هو الأول منذ أكثر من عقد.

وسط ذلك، بدا أن الأسد، الذي تمكن من استعادة السيطرة على أغلب مناطق سوريا المعارضة له بقوة السلاح المدعوم من روسيا وإيران وميليشيات موالية لطهران، يستمتع بفكرة تدفق الدعم من دول عربية وثقت العلاقات مع بلاده خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا الإمارات منها، أملا في توسع دائرة العلاقات لتشمل دول أخرى فاعلة في المشهد الإقليمي مثل السعودية.

يُذكر أنه في فجر السادس من شباط/فبراير الجاري، ضرب زلزال جنوبي تركيا وشمالي سوريا بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، مما خلف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات في البلدين، وتجاوزت حصيلة الوفيات في الزلزال المدمر الذي ضرب أجزاء واسعة من البلدين 46 ألف إنسان.

وفقا لآخر البيانات الرسمية، فقد بلغ عدد القتلى في تركيا 40 ألفا و642 شخصا، في حين وصل عددهم في سوريا إلى 5932، إثر انتشال مزيد من الجثث من تحت أنقاض المباني المدمرة، فيما تزال عمليات البحث والإنقاذ مستمرة في عدد من المناطق، بينما أعلن انتهاؤها في أماكن أخرى.

هذا وفي ختام “مؤتمر ميونخ” كان قد استمعت الدول الغربية إلى شكاوى دول الجنوب العالمي، الذي يتكون من إفريقيا، وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وجزر المحيط الهادئ والبلدان النامية في آسيا بما فيها الشرق الأوسط، وقال كريستوف هيوجسن، رئيس الدورة الـ 59 للمؤتمر، إن المؤتمر الذي يُعقد سنويا، دعا هذا العام عددا قياسيا من الممثلين من دول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية بهدف إيلاء مزيد من الاهتمام للمشكلات التي تواجه هذه الدول وعدم رضاهم عن النظام العالمي الحالي.

حيث أقر خلال المؤتمر، الذي استمر ثلاثة أيام، العديد من القادة الغربيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن النظام العالمي الحالي غير متوازن وبأن الدول الغربية تفقد سريعا ثقة الجنوب العالمي، وحثّ التقرير الختامي للمؤتمر على بذل الجهود لإعادة النظر في النظام العالمي الحالي حتى يتمكن من كسب تأييد المزيد من الدول.

بناء على ذلك، يمكن القول إن ما تعرضت له منطقة الشرق الأوسط من تحولات عدّة، والتي أثّرت الأزمة السورية في شكلها الذي كان يسبق عام 2010، لتصل إلى ما عليه الآن، الأمر الذي ربما دفع بشكل قاطع العديد من الدول لإعادة النظر بموقفها من سوريا، وذلك بما يتماشى مع ما تشهده المنطقة حاليا من إعادة رسم لخارطة النفوذ والتحالفات الدولية، وهو ما قد يشهد انفتاحا سعوديا على سوريا في المرحلة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة