ضمن جولة التراخيص العراقية الخامسة، والتي رافقها الكثير من الجدل الذي أثارته أطراف سياسية على مدى أربع أعوام، وفي الوقت الذي يستعد العراق فيه للتوقيع النهائي مع الشركات الفائزة بعقود جولة التراخيص، سلّط تقرير أميركي الضوء على نقطة مفصلية لربما ستمثّل مسار اقتصادي مغاير فيما يتعلق باستثمارات النفط في العراق.

التقرير الصادر عن موقع “أويل برايس” الأميركي لأخبار النفط والطاقة، رصد اتخاذ الصين خطوات أكثر جرأة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والاستثماري النفطي في العراق، حيث حصلت ثلاث شركات صينية على عقودا نفطية ضمن جولة التراخيص الخامسة بالرُّقع الاستكشافية والحقول الحدودية العراقية.

الحديث جاء بعد أسبوع من إعلان نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة، وزير النفط حيان عبدالغني، أن الأسبوع المقبل سيشهد حفل التوقيع النهائي مع الشركات الفائزة بعقود جولة التراخيص الحدودية الخامسة، وأشار إلى أن العقود تتضمن تطوير 6 حقول ورُقع استكشافية.

عقود النفط العراقي وما تشمله

العقود شملت استكشاف وتطوير وإنتاج الرقعة الاستكشافية “نفط خانة” في محافظة ديالى شرق العاصمة بغداد، وكان ذلك من حصة شركة “جيو جيد” الصينية، فيما حصلت شركة “جيو جيد” الصينية أيضا، على عقد تطوير وإنتاج حقل “الحويزة” النفطي في محافظة ميسان جنوبي البلاد، أما في محافظة البصرة أقصى الجنوب فقد تمت إحالة تطوير وإنتاج حقل “السندباد” النفطي إلى شركة “يو أي جي” الصينية كذلك، بحسب عبدالغني.

غير أن جهود توسعة الاستثمارات الاقتصادية الصينية في العراق تأتي في الوقت الذي تتبنى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها نهجا دقيقا لتعزيز مصالحهم المتبقية في البلاد، في حين يجري الحديث عن أن شركة “بتروجاينا” الصينية تسعى لأن تكون المشغّل الرئيسي لحقل “غرب القرنة 1” النفطي العملاق، وذلك في الوقت الذي تقترب فيه شركة “إكسون موبيل” الأميركية من مرحلة بيع حصتها في الموقع والتي تبلغ نسبتها 32.7 بالمئة من قيمة الأسهم.

اقرأ/ي أيضا: تمديد “مجلس الأمن الدولي” العقوبات على “الحوثيين“.. مسار عكسي للهدنة؟

تضم منطقة غرب القرنة الغنية بالبترول حقلي نفط كبيرين؛ هما “غرب القرنة 1” و”غرب القرنة 2″، وبحسب التقرير الأميركي يُعتقد أن “غرب القرنة 1” يحتوي على حوالي 9 مليارات برميل من احتياطات النفط، بيد أن وزارة النفط العراقية قالت في أوائل عام 2019، إن احتياطيات الحقل القابلة للاستخراج تزيد عن 20 مليار برميل، فيما قدّرت “وكالة الطاقة الدولية” حجم احتياطات الحقل بحدود 43 مليار برميل.

بناء على ذلك، تسعى وزارة النفط العراقية إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للحقل من النفط الخام إلى أكثر من 700 ألف برميل يوميا بحلول نهاية عام 2025 من مستوى الإنتاج الحالي، الذي يتراوح بين 450 ألفا و500 ألف برميل يوميا، في حين نقل التقرير عن مصدر إيراني على إطلاع بوزارة النفط العراقية، قوله إن الصين تسعى لتطوير حقل “القرنة 1” الذي يقع على بُعد حوالي 65 كيلومترا من ميناء التصدير الرئيسي الجنوبي في البصرة.

وسط ذلك، فإن الحديث عن الاستثمارات الصينية في المجال النفطي، لفت الأنظار إلى ما تحاول الصين فعله، وحول ذلك أوضح خبير الاقتصاد السياسي عبد السلام حسن، أن الصين حالة تشبه باقي الدول الاستثمارية التي تسعى لتوسيع مجالاتها بما فيها الاستثمارات النفطية، وأن العراق مع ما يشهده يمثل بيئة مناسبة لتلك المساعي، لكن هذه الاستثمارات الصينية الجديدة في الحقول النفطية العراقية لن تعود على العراق بمكاسب معتبرة، وذلك لعدة أسباب.

خبير الاقتصاد السياسي وفي حديثه لموقع “الحل نت”، بيّن تلك الأسباب بالقول، إن منافع الاستثمار الصينية في الحقول العراقية النفطية، ستكون من صالح الشركات الحاصلة على العقود فقط، وليس للعراق حصة معتبرة، إذا ما تم المقارنة بما ستحصل عليه الشركات الصينية بالدرجة الأولى، مبينا أن العراق ومنذ عام 2003، أحال الكثير من التعاقدات النفطية لشركات خارجية لكنه لم يستفاد من ذلك، وهذا سينطبق على التعاقدات الصينية ما لم يتم تنظيم ذلك بعقود ضامنة لمكاسب العراق.

مكاسب صينية على حساب العراق

حسن لفت أيضا إلى أن العقود وفي حالة الرغبة بالاستفادة منها، فإن من بين ذلك يجب أن تكون اليد العاملة بنسبة 50 بالمئة من العراقيين، وهو ما سيعود للبلاد بفائدة كبيرة، ولا تضع المكاسب في صالح الصين لوحدها، وذلك لما سيوفّره من فرص عمل للعراقيين، ولما يمكن الاستفادة فيه من خبرات تسمح في تطوير قدرات العراق في مجال تطوير القطاع النفطي، وما دون ذلك فلن تكون هناك مكاسب مجزية إذا ما تمت مقارنة ما ستحصل عليه الشركات الصينية.

في مقابل ذلك، كان من المفترض أن يُمنح عقد تطوير حقل “غرب القرنة 1” فقط لشركة هندسة البترول والإنشاءات الصينية “تشاينا بتروليوم” في منتصف عام 2021، وكان العقد الهندسي الذي تبلغ قيمته 121 مليون دولار يهدف في البداية إلى تحديث المرافق المستخدمة لاستخراج الغاز المصاحب للبترول أثناء إنتاج النفط الخام، لكن المشروع توسع وعمق في نطاقه وحجمه ليشمل الأهداف التي تتوافق مع أنشطة شركة “بتروجاينا” الصينية، بحسب تحليل لخبير الطاقة البريطاني سايمون واتكنز، عن أسواق النفط العالمية.

اقرأ/ي أيضا: تجديد “الاتفاق الإطاري” بين بغداد وواشنطن.. الدلالات والمآلات؟

إذ تم استخدام نموذج العقد الهندسي نفسه لمنح شركة “البترول الصينية” تطوير “حقل مجنون النفطي”، بعدما قررت شركة “شل” البريطانية الخروج من تطوير الحقل في عام 2017، لكن قبل منح الشركة الصينية العقد، تم توقيع عقدين لصالح الصين، كان أحدهما مع شركة “هيلونغ أويل للخدمات والهندسة” لحفر 80 بئرا بكلفة 54 مليون دولار، والآخر مع شركة الحفر العراقية بمساعدة صينية لحفر 43 بئرا بكلفة 255 مليون دولار، بحسب التقرير الأميركي.

إلى ذلك، وبعد فترة وجيزة من هذه العقود، دخلت شركة “أنتون أويل” الصينية كمستثمر أيضا في النفط العراقي، حيث وقّعت عقد إدارة مشروع وخدمات التطوير بـ “حقل مجنون” المقدرة احتياطاته بنحو 38 مليار برميل من النفط، وحاليا تسعى الشركات الصينية لزيادة إنتاج النفط من “حقل مجنون” من مستواه الحالي البالغ حوالي 240 ألف برميل يوميا إلى 600 ألف برميل يوميا بحلول عام 2026.

يُشار إلى أن “حقل مجنون”؛ مشترك بين العراق وإيران، ويُعرف في إيران باسم “أزاديغان”، والذي ينقسم بدوره إلى حقلين عملاقين، شمال أزاديغان وجنوب أزاديغان، وتقوم شركة “البترول الوطنية” الصينية بتشغيل الحقل، في الوقت الذي اشترت فيه شركة “بتروجاينا”، الذراع المدرجة لـ “شركة البترول الوطنية” الصينية، حصة 32.7 بالمئة من “حقل القرنة 1”.

الصين وتوسعة الاستثمارات الصينية

هذا وتمتاز حقول النفط العراقية بكلفة استخراج ضئيلة للغاية مقارنة بكلف الاستخراج بالحقول العالمية، حيث تتراوح كلفة استخراج برميل النفط الخام من حقل “غرب القرنة 1” بين دولار أو دولارين للبرميل فقط، باستثناء النفقات الرأسمالية، في حين باتت الصين منذ فترة طويلة الشريك المهيمن في ذات الحقل، حيث إن شركة “النفط الصينية للهندسة والإنشاءات” كانت قد فازت بعقد تطوير الحقل في أواسط عام 2021.

وفقا للمصدر الإيراني الذي نقل عنه التقرير الأميركي، فإن رغبة بكين في الاستحواذ على “حقل غرب القرنة 1″، تعود إلى التفاهم الذي توصلت إليه الصين في البداية مع الحكومة العراقية في الوقت الذي كانت متوافقة فيه تماما مع الاتفاق الذي توصلت إليه بشأن “حقل مجنون” في البداية، بالتالي فإن صفقة “غرب القرنة 1″، ستسمح للصين باسترداد المزيد من الأرباح، إذ ستكون مدفوعات البرميل إلى الصين في حدود متوسط السعر الفوري لمدة 18 شهرا للنفط الخام المنتج، وبحدود متوسط سعر الأشهر الستة الماضية.

العقد سيشمل أيضا خصما بنسبة 10 بالمئة على الأقل للصين لمدة خمس سنوات على قيمة النفط الذي استعادته، بالإضافة إلى ذلك، أن المطور الصيني الذي أخذ زمام المبادرة سيحصل على خصم بنسبة 30 بالمئة إلى أدنى متوسط لمدة عام واحد.

يُذكر أن جولة التراخيص الخامسة قد واجهت العديد من ردود الأفعال التي أثارتها جهات سياسية ووسائل إعلام، مما عطل تنفيذها لأكثر من أربع سنوات مخلفة خسائر وأضرار جسيمة بالصناعة النفطية والاقتصاد العراقي، في حين كانت وزارة النفط قد عرضت تفاصيل وأهداف جولة التراخيص الخامسة على الجهات القضائية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة بعد ما أُثير ضدها، وقد تمت مراجعتها حيث تم الاقرار بصحة إجراءات الوزارة.

في المحصلة؛ فإن خارطة الاستثمارات الصينية في المجال النفطي العراقي، مؤشر واضح على محاولات توسيع النفوذ في السيطرة على مصادر الطاقة، وذلك بما يتّسق مع محاولاتها في توسيع حركتها التجارية وتعزيز نموها الاقتصادي عالميا، والذي يعتمد بشكل أساسي على تشغيل مصانع الإنتاج التي تحتاج في عملها إلى تأمين الطاقة، وبغض النظر عما يمكن أن تحصل عليه البلدان مثل العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة