على الرغم من التوقعات حول احتمالية طرح العديد من الملفات المهمة التي تشغل المنطقة، خلال “القمّة الإفريقية”، والتي من بينها قضية “سد النهضة” الإثيوبي، فضلا عن العضويات المجمدة لدول بينها السودان، وهي ملفات جميعُها مرتبط ارتباطا وثيقا بمصر، الأمر الذي كان يُتوقع على إثره مشاركة مصرية قوية على خلاف قمة العام الماضي، التي غاب عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

لكن على الرغم من تلك التوقعات، تجدد غياب السيسي عن “القمة الإفريقية” الـ 36، والتي اختتمت أعمالها أول أمس الأحد، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بحضور عدد كبير من رؤساء الدول، وكذلك غاب عن مناقشات اجتماعات القمة ملف “سد النهضة”، فيما تصدرت ملفات مثل؛ حالة السلم والأمن، ومنطقة التجارة الحرة الإفريقية، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بتقييم خطة تنفيذ العشرية الأولى من رؤية إفريقيا 2063، وإصلاح “مجلس الأمن” التابع لـ “لأمم المتحدة”.

ملفات الاقتصاد والأمن الغذائي والأوضاع الأمنية برزت هي كذلك كعناوين للقمة التي تبنت شعار “تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية”، في ظل التحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم والقارة الإفريقية التي تضررت بقوة من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.

ملفات قمة أديس أبابا

إلى هذا الحد، اكتفت القمة في بحث قضايا تتعلق بمصير القارة بشكل كامل، إذ ركّز المجتمعون من القادة الأفارقة في القمة السنوية لـ “لاتحاد الإفريقي” على تنفيذ اتفاق التجارة الحرة على مستوى القارة والذي كان قادة الاتحاد قد أطلقوه رسميا قبل 3 سنوات بعد مفاوضات ومساومات شاقة استمرت 17 عاما من أجل تحقيق حلم أكبر سوق للتجارة الحرة في العالم من حيث عدد سكان المنطقة التي تضم 54 دولة من أصل 55 دولة إفريقية.

اقرأ/ي أيضا: من إفريقيا إلى الخليج.. مهاجرون يغذون الإرهاب ويثقلون الاقتصاد

ذلك يأتي بعد أن شهدت الاجتماعات التحضيرية لقاءات أجراها وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظرائه الأفارقة من أجل طرح وجهة نظر بلاده بشأن ما تصفه القاهرة بالتّعنت الإثيوبي في مفاوضات “سد النهضة”، لكن على ما يبدو أن مصر لم تلق أذن صاغية من الدول المشاركة، وهو الأمر الذي لم تتضح معالمه ما إذا كان السبب في عدم مشاركة السيسي في القمة على غرار قمة العام الماضي في أديس أبابا، حيث شارك وزير الخارجية سامح شكري بدلا من السيسي.

في غياب رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، ترأس وفد مصر في أعمال الدورة الـ42 للمجلس التنفيذي لـ “الاتحاد الإفريقي” على مستوى وزراء الخارجية، والذي تسبق أعماله انعقاد القمة الإفريقية، وزير الخارجية سامح شكري، وخلال اللقاءات الثنائية أعاد التأكيد على محدّدات الموقف المصري الثابت بضرورة التوصل لاتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل “سد النهضة”، يراعي مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوق مصر المائية.

إلى ذلك، وبحسب مفوضية “الاتحاد الإفريقي”، خلا جدول أعمال المجلس خلال “قمة الاتحاد الإفريقي” من وجود قضية “سد النهضة” على طاولة المناقشات، في حين تضمن الإصلاحات المؤسسية في “الاتحاد الإفريقي” وحالة السلم والأمن في إفريقيا، وبحث سُبل معالجة أزمة الغذاء وسياسة الطاقة.

هل يئست مصر من الدور الإفريقي؟

وفقا لتقارير، هذا يعني أن مصر والسودان خسروا جميع الرهانات سواء الرهان على واشنطن أو الغرب أو “مجلس الأمن” أو حتى الدول الإفريقية للضغط على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن “سد النهضة”، الذي تعتبره القاهرة تهديدا وجوديا، حيث اكتفت جميع الجهات بالتأكيد على أهمية التوصل إلى تسوية دبلوماسية تحمي مصالح جميع الأطراف.

وسط ذلك، وعن غياب الرئيس المصري عن “القمة الإفريقية” للمرة الثانية على التوالي، بيّن الباحث في الشأن المصري محمد حامد في حديث لموقع “الحل نت”، أن غياب الرئيس السيسي لا يحمل أي رسائل سياسية موجهة إلى “الاتحاد الإفريقي”، إذ من المعروف أن مصر تعتبر إحدى الدول المؤسسة لـ “لاتحاد الإفريقي” باسم “منظمة الوحدة الإفريقية”، بل هي التي أقرّت أن يكون مقر الاتحاد في إثيوبيا.

اقرأ/ي أيضا: تحركات الصين تجاه العراق.. خطوة نحو توسعة النفوذ الاقتصادي؟

لكن مع ذلك، فإن هذا لا يمنع حقيقة أن هناك خلاف مصري إثيوبي بشأن ملف “سد النهضة”، بسبب تعنت إثيوبيا في توقيع اتفاق ملزم بشأن تشغيل السد، ومحاولاتها شراء الوقت لصالح موقفها، لذلك من المؤكد أن العلاقات المصرية الإثيوبية ليس بأفضل أحوالها، في إشارة إلى أسباب غياب السيسي عن القمة التي عُقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بيد أن علاقات القاهرة مع أشقائها الأفارقة ستبقى مستمرة سواء داخل منظومة الاتحاد الإفريقي أو عبر العلاقات الثنائية والأطر الدولية الأخرى، على حد تعبير حامد.

من جهته عزا المحلل السياسي المصري محمد اليمني، أسباب غياب السيسي، إلى أن القمة باتت تبحث في قضايا عامة في حين تبحث مصر عن حلول لأوضاعها، خصوصا وأنها تمرّ في أزمة اقتصادية خانقة في الوقت الحالي، ما يعني أن “القمة الإفريقية” لا تشكل أهمية كبيرة لديها، خصوصا مع ما تشهده عدد من الدول في القارة السمراء من انقلابات عسكرية.

اليمني وفي حديث لموقع “الحل نت”، رأى أن أزمة “سد النهضة” تعد سببا في غياب الرئيس المصري عن القمة الإفريقية، مبينا أن القاهرة في الوقت الحالي باتت تتحرك في القارة الآسيوية وأيضا في دول مثل كرواتيا ورومانيا والهند، إذ تعمل على عقد شراكات واتفاقيات كثيرة مع هذه الدول، مبينا أن هذا يدل على أن مصر باتت تعقد آمالها في الدول المستقرة.

أديس أبابا والحديث عن اكتمال المشروع

في المقابل، تحدث خبراء في المياه والسدود عن أن الطريق بات مفتوحا على مصراعيه لإثيوبيا لاستكمال الملء والبناء في “سد النهضة” دون أي عائق، إذ بات استكمال بناء السد والانتهاء من التخزين مسألة وقت ولا تحكمه أي اتفاقيات مع دول المصب، حيث من المرجح أن تبدأ عملية الملء الرابع وتكتمل ليتحول السد من مجرد فكرة إلى حقيقة لا يستطيع أحد منعها.

إذ لا تواجه إثيوبيا أي معوّق فني لاستكمال الملء وليس لديها أي مشاكل لوجستية، بالتالي سوف تتمكن من رفع منسوب الممر الأوسط الذي يتحكم في زيادة مخزون المياه خلف الخزان في شهر آب/أغسطس المقبل، لتنجح في تخزين كمية تقدر بنحو 27 مليار وهي أكثر من الملء الأول والثاني والثالث مجتمعين ليصل إجمالي ما سوف تخزنه نو 50 مليار متر مكعب.

هذا ويقع “سد النهضة” الذي كلف أكثر من 4 مليارات دولار، في منطقة بني شنقول قماز، غربي إثيوبيا، وتسبب، منذ الشروع في إنجازه عام 2011 في أزمة بين إثيوبيا ومصر والسودان، حيث تخشى مصر والسودان من أن يخفض المشروع من حصتيهما في مياه النيل، فيما تقول أديس أبابا إن السد يُعدّ مشروع حيوي لنهضة البلد الاقتصادية ومصدر أساسي للطاقة اللازمة لمشروعات التنمية.

من جهتهما مصر والسودان، تخشيان من أن يؤثر السد على كمية المياه المتدفقة إليهما، إذ وصفت وزارة الخارجية المصرية في بيان عملية البدء أنها تمت بشكل أحادي وذلك بعد الشروع أحاديا في الملء الأول والثاني للسد، في حين فشلت جولات عديدة من المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان في التوصل إلى حلول ترضي كافة الأطراف، حيث تطالب كلا من مصر والسودان باتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.