في الوقت الذي يُتوقع فيه ارتفاع أسعار العقارات الفاخرة في دبي 13.5 بالمئة العام المقبل في ظل زيادة الطلب نتيجة استمرار اهتمام المشترين الأجانب بالسوق، سلط تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس”، الضوء على ما تشهده دبي من طفرة عقارية منذ انتهاء وباء “كورونا”، بسبب تزايد انجذاب المستثمرين الروس إلى الإمارة الخليجية.

من الممكن أن ترتفع أسعار العقار الفاخر في المدينة الإماراتية إلى مستويات كبيرة، تفوق ضعف الارتفاع المتوقع في العام المقبل لأسعار العقار الفاخر في ميامي والبالغ 5 بالمئة، وذلك بحسب تصنيف “نايت فرانك” لقائمة ارتفاعات أسعار العقارات الفاخرة لعام 2023، الصادر عن “مركز الأعمال الزاخر بأشعة الشمس”.

ارتفاع الأسعار في دبي، يدعمه بحسب التصنيف، كونها أسعارا مناسبة بالإضافة إلى ترحيبها بثروات أثرياء روسيا، ولعله الأمر الذي حقق نمو بنسبة 1.8 بالمئة خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي في سوق العقارات بإمارة دبي.

أموال الروس تشعل سوق العقار في الإمارات

بحسب “فرانس برس”، فإن ذلك الارتفاع الذي تشهده الإمارة الإمارتية والذي يغذيه تدفق المستثمرين، تحديدا الروس منهم، أثّر سلبا على عدد من المقيمين، إذ يتسبب بارتفاع كبير في الإيجارات، وذلك في الوقت الذي سجلت فيه دبي المعروفة بناطحات سحابها ومساكنها الفخمة الفائقة الأمان والجزر الاصطناعية نتائج قياسية في العام 2022 على صعيد الصفقات العقارية التي بلغت قيمتها الإجمالية 143 مليار دولار، بزيادة قدرها أكثر من 76 بالمئة مقارنة بالعام السابق.

في بعض الأحياء الفخمة في دبي المدينة تُباع العقارات بأكثر من عشرة ملايين دولار، وتجاوز عدد المبيعات العام الماضي كل المبيعات في الفترة ما بين 2010-2020، بحسب شركة “نايت فرانك” البريطانية المتخصصة في الاستشارات العقارية، فإن الأسعار في هذه الأحياء قفزت بنسبة 44 بالمئة مسجلة أقوى نموّ لسوق المنتجات الفاخرة في العالم، طبقا لما نقلته “فرانس برس” عن رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في “نايت فرانك” فيصل دوراني.

اقرأ/ي أيضا: السعودية تقتحم ساحة الحرب بـ 400 مليون دولار.. ماذا تبحث الرياض في كييف؟

مع أن تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، أشار إلى أن انجذاب المستثمرين إلى دبي هو بسبب بنيتها التحتية المتطورة وبيئتها المناسبة للأعمال وسياستها الضريبية، وما توفره من خدمات مختلفة يقدمها مئات آلاف العمال القادمين من آسيا بمعظمهم، إلا أن خبير الاقتصاد السياسي بيار خوري يرى أن تزايد إقبال المستثمرين الروس إلى الإمارات هو مؤشر على محاولات روسيا الالتفاف على العقوبات الدولية.

خوري وفي حديث لموقع “الحل نت”، بيّن أن روسيا تبحث عن مفر للالتفاف على العقوبات بشتى الطرق، مشيرا إلى أن ذلك لم يكن وليد اللحظة بل من الواضح أن موسكو كانت تفكر في ذلك منذ العام 2014، للتحضير للحظة شباط/فبراير 2022، عندما شنّت حربها ضد أوكرانيا، وذلك بمحاولة لإيجاد طرق بديلة لأموالها.

روسيا تعتبر نظام العقوبات الدولية أمرا ليس بالجديد، وقد اعتادت عليه كوسيلة غربية لمعاقبة الدول، إذ إن ما تمرّ به كان قد حصل مع دول أخرى مثل إيران وفنزويلا، غير أن المفارقة في الأمر أن الإمارات تمثل إحدى النقاط التي يتمتع الروس بها بأفضلية تجارية تاريخية منذ سقوط “الاتحاد السوفيتي”، حيث كانت الإمارات وجهة استثمارية روسية سواء في مجال تبادل البضائع أو مجالات الاستثمار العقاري والسياحة والترفيه لكبار المتنفذين الروس، بالتالي تحاول روسيا استثمار هذه الأفضليات في هذا السوق، وهو ما يبدو جليا بحجم التبادل الطائل بينها والإمارات، يقول خوري.

بناء على ذلك، أشار خبير الاقتصاد السياسي، إلى أن روسيا تحاول الاستفادة من هذه العلاقة، باعتبار أن الإمارات تمثل إحدى المنافذ التاريخية لموسكو غير المرتبطة بعقوبات، إذ ومنذ شهرين تقريبا أُعطيت رخصة جديدة في الإمارات لبنك روسي، وتماما منذ أيام ومع حزمة العقوبات الجديدة لوزارة الخزانة الأميركية خضع هذا البنك للعقوبات، بيد أن السلطات الإماراتية تدرس حاليا كيف يمكن أن تؤثر هذه العقوبات على عمل البنك الروسي لديها، ما يعني أن روسيا تتكل على مجموعة من مراكز الأمان والتحويل المالي عبر العالم، بما في ذلك الاستفادة أيضا من خبرة إيران في تجاوز العقوبات.

تأثير الأموال الروسية 

هذا وكانت الإمارات إحدى الدول الثلاث، إلى جانب الصين والهند، التي امتنعت عن التصويت في “الأمم المتحدة” في شباط/فبراير لإدانة غزو روسيا لأوكرانيا، كما امتنعت عن التصويت في “الجمعية العامة” يوم السابع من نيسان/أبريل لتعليق عضوية روسيا في “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى رفضها بجانب دول خليجية أخرى، دعوات من حكومات غربية لفرض عقوبات على روسيا.

حول ذلك بينت “فرانس برس”، أن مواقف الإمارات الداعية الى إنهاء الحرب على أوكرانيا من دون انتقاد روسيا العام الماضي، أدى إلى جذب عدد كبير من الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات المفروضة على بلادهم، بيد أن زيادة الاستثمارات الروسية في الإمارات هذه تأتي بعد أشهر قليلة من وضْع الإمارات على “القائمة الرمادية” لمجموعة العمل المالي، الدولية التي ترصد المخالفات المالية حول العالم، وفقا لـ “بي بي سي” عربي.

اقرأ/ي أيضا: إصرار “الإطار” يكسر صمت “التيار“.. انتخابات محافظات العراق تشعل شرارة الاحتجاجات؟

نتيجة ذلك، وبحسب جايكوب فليتشر المتخصص في سوق الإيجارات في “بيتر هومز”، فإن الإيجارات زادت بنسبة قدرها 20 بالمئة هذا العام، بحيث ترك الارتفاع السريع للإيجارات في الأشهر الاخيرة والذي جاء في سياق عالمي من التضخم وارتفاع الأسعار، أثره على العديد من العائلات في دبي.

طبقا لما نقلته “فرانس برس”، فإنه على الرغم من أن إيجابيات الاستثمار في الإمارات أكثر من سلبياته، لكن تبقى دبي غير محصّنة من المخاطر العالمية الحالية، ومن بينها التباطؤ الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الفائدة.

في مقابل ذلك، يأتي الروس على رأس قائمة المستثمرين في دبي العام الماضي، فيما جاءوا في المركز الثالث بين السكان، وذلك في الوقت الذي لا تنشر السلطات البيانات بحسب الجنسيات، وفق ما أفادت به وكالة “بيتر هومز” العقارية الرائدة في دبي.

الإمارات ملاذ آمن للأموال الروسية؟

وسط ذلك، تقول الحكومة الإماراتية إنها اتخذت تدابير هامة لتنظيم الاستثمارات الوافدة، كما صرحت بأنها لا تزال ملتزمة بالعمل عن كثب مع منظمة مجموعة العمل المالي الدولية من أجل مزيد من التحسن، وذلك في الوقت الذي قفزت عمليات شراء الروس للعقارات في دبي بنسبة 67 بالمئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي، وفقا لما نقلته “بي بي سي” عربي في تقرير نشر سابق لها.

بيد أنه خلافا لما فعلت دول عديدة، لا تزال الإمارات تقدم تأشيرات دخول للروس ممن لم تصدر بحقهم عقوبات، كما لم تفرض عقوبات على روسيا، ولم تنتقد غزوها لأوكرانيا، ولعل السبب في ذلك كونها أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، حيث تستأثر بنسبة 55 بالمئة من إجمالي التجارة الروسية الخليجية.

إلى ذلك، تحتضن الأسواق الإماراتية أكثر من 4000 شركة روسية، كما تُصنّف الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية حيث تأتي في المرتبة الثانية، وفقا لتقرير نُشر سابقا على موقع “العين الإخبارية”، وأشار إلى أن قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين الجانبين بلغ خلال النصف الأول من عام 2021 نحو 2 مليار دولار، أي ما يعادل 7.34 مليارات درهم، محققا نموا بنسبة تتجاوز 80 بالمئة مقارنة مع النصف الأول من العام الماضي 2020، في حين بلغت قيمة التبادلات التجارية غير النفطية خلال عام 2020 نحو 2.6 مليار دولار.

إما رصيد الاستثمارات الأجنبية المتبادلة بين دولتي الإمارات وروسيا يبلغ نحو 1.8 مليار دولار، وحققت الاستثمارات الأجنبية الروسية المباشرة في دولة الإمارات نمواً بنسبة 13 بالمئة خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018.

بحسب هذه المعطيات، فإن الإمارات تمثّل نافذة اقتصادية بالغة الأهمية لروسيا، لاسيما في ضوء ما تمرّ به من عقوبات دولية قاسية جراء غزوها لأوكرانيا، كما أنها تمثل حليفا استراتيجيا غير معلن، غير أن ما لا يمكن التّكهن به بعد، ما إذا كانت هذه العلاقة الحسّاسة التي على ما يبدو توفر ملاذا آمنا للأموال الروسية، ستُعرّض الإمارات لتحدّيات اقتصادية، بل وحتى سياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.