الاستحقاق الانتخابي في لبنان دخل في مرحلة جديدة من الاستقطاب السياسي بعد أكثر من 4 أشهر من الشغور الرئاسي، مع إعلان “حزب الله” اللبناني دعم ترشيح حليفه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في لبنان، في أول إعلان رسمي من “الحزب” عن المرشح الذي يدعمه في السباق الرئاسي.

إعلان نصر الله سبقه بأيام قليلة إعلانٌ من طرف رئيس “حركة أمل” ورئيس البرلمان نبيه برّي، عن دعمهم لوصول فرنجية للرئاسة، حيث عبرت مصادر لبنانية عن مخاوفها من سيناريوهات تزايد الأزمات والفوضى بعد هذا الإعلان، وخاصة أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي متسارع.

أطراف سياسية لبنانية فاعلة ترفض هذا الإعلان، وخصوصا مسيحية، حيث سارعت قوى دولية وإقليمية بتكثيف الاتصالات مع الفرقاء السياسيين في لبنان، للحيلولة دون وصول الأوضاع إلى حافة الانهيار، وفق جريدة “عكاظ” السعودية.

نصر الله، أعلن الاثنين 6 آذار/مارس الحالي، عن دعم ترشيح فرنجية لمنصب رئيس الجمهورية، قائلا “بالنسبة لحزب الله ليس لدينا أحد اسمه مرشح حزب الله. وما لدينا هو مرشح يدعمه حزب الله. والمواصفات التي نريدها موجودة بشخص سليمان فرنجية، وما يهمنا أن يكون هناك رئيس لا يطعن ظهر المقاومة”.

تبعات ترشيح فرنجية

في قراءة لخلفيات ترشيح فرنجية، يقول الصحفي والمحلل السياسي اللبناني آلان سركيس، في حديثه لـ”الحل نت” بأن “فرنجية كان مرشح مضمور لفريق حزب الله وحركة أمل، لم يجاهروا به من قبل، لكنه ظهر للعلن بعد الإعلان الأخير لنصر الله وبرّي عن ترشيحه للرئاسة، ولذلك تبعات كثيرة على لبنان، منها تعقيد الجو الرئاسي بشكل أكبر، لأن فرنجية ليس معه أكثرية نصاب الثلثين حتى يأمن نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية”.

 الأهم من ذلك كلّه أيضا، فرنجية ليس معه ميثاقية مسيحية، أي الكتل الوازنة المسيحية وعلى رأسها كتلة “التيار الوطني الحر” غير الداعمة له، وبالتالي تعقيدٌ أكثر للأجواء السياسية اللبنانية، وللموضوع الرئاسي بشكل خاص، وفق سركيس.

قد يهمك: لبنان بين فراغ الرئاسي وعدم تشكيل الحكومة.. ما الذي يجري؟

إن ترشيح فرنجية، سيغذّي العصبيات الطائفية والسياسية في لبنان، وخاصة بعد أن رفضته جهات عدة، بحسب سركيس، كما جاء ترشيحه بعد عجز اللقاء الخماسي الدولي الذي عُقد في باريس قبل بضعة أسابيع عن بلوغ صيغة تسهّل خارجيا إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني داخليا، حيث ضم اللقاء ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر.

زعيم “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، حذّر قبل أيام أنه في حال تمكّن “حزب الله” من جمع الأصوات الضرورية لانتخاب فرنجية “سندخل في عزلة عربية أعمق”، في إشارة على الأرجح إلى السعودية، التي طالما لعبت دورا بارزا في لبنان، بحسب موقع “فرانس 24”.

الموقف الدولي والإقليمي من ترشيح فرنجية

موقف القوى الإقليمية والدولية من فرنجية قد يكون ملتبسا، فرغم أن علاقة فرنجية الوثيقة، بسوريا و”حزب الله” مثيرة للقلق بالنسبة لدول الخليج والغرب، ولكن الجذور الأرستقراطية المسيحية العريقة لعائلة فرنجية، ومصالحته السابقة مع الحريري، قد تُكسبه بعض القبول على المستوى الشخصي في الخليج، وهو أمرٌ قد يتزايد إذا حدث تطبيع خليجي مع الحكومة السورية.

 كما أن العائلات المسيحية العريقة مثل آل فرنجية لديها علاقة تاريخية قديمة بالفاتيكان وفرنسا، ولكن المشكلة أمام فرنجية أن هناك شعورا قويا لدى الغرب والخليج بالحاجة لتخفيف هيمنة “حزب الله” على لبنان، التي يمثل فرنجية نفسه رمزها الأوضح.

رغم علاقته القوية بـ”حزب الله” والحكومة السورية، وتصلّبه في مواقفه أحيانا، ولكن كثيرا من القوى السياسية اللبنانية التقليدية مثل وليد جنبلاط وسعد الحريري قد تجد في سليمان فرنجية شخصا أسهل في التعامل معه من ميشيل عون، خاصة أنه يظل زعيما إقليميا، لن يكون له طموح كبير في فوز كتلته بالانتخابات البرلمانية عكس عون.

كما أن محدودية نفوذ فرنجية واقتصارها على الشمال، ستجعل هناك حدودا لقدرته على السيطرة على مقاليد البلاد لو أصبح رئيسا، كما حاول عون، رغم أن ذلك قد يتيح لـ”حزب الله” الاستفادة من ذلك، بحسب موقع “عربي بوست”.

من وجهة نظر سركيس، الموقف العربي ستعبّر عنه بشكل أساسي المملكة العربية السعودية، وهي ترفض أيّ مرشح تابع لمحور “حزب الله” سواء كان فرنجية أو جبران باسيل أو أي شخصية أخرى، وبالتالي الموقف العربي عموما سواء المصري أو السعودي، هو رافضٌ لانتخاب رئيس من محور”8 أذار” و”حزب الله”.

الإصرار على ترشيح فرنجية؟

إصرار الثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” على ترشيح فرنجية، يراه سركيس بأن الأخير مخلِص لـ”الحزب” و للحكومة السورية، ويقوم بتنفيذ سياستهم، لذلك لن يجدوا رئيسا يكون مطواعا لهم مثله، وفرنجية ذو مواقف واضحة وثابتة مع “الحزب” و “حكومة دمشق”، وتربطه أيضا علاقة وثيقة بالرئيس السوري بشار الأسد، لذلك هم متمسكين به، ويحاولون فرضه على المكونات اللبنانية وعلى المكون المسيحي بشكل خاص.

اقرأ أيضا: زمة سياسية في لبنان.. فراغ أم حل قريب؟

من جهة أخرى هم يريدون الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية، فهم يعتبرون أن سليمان فرنجية أكثر ديناميكية وأكثر قبولا من جبران باسيل، وهذا ما صرّح به نصر الله في خطابه الأخير، كما أن فرنجية لا يشكل استفزازا لبقية الأطراف اللبنانية سواء السُّنية أو الدرزية، ومن جهة ثالثة كانوا يعتبرون بأن سليمان فرنجية مقبولٌ عربيا من السعودية نتيجة العلاقات التاريخية بين آل فرنجية والحكم في السعودية، لكن الأخيرة صرحت بأنه لا قبول لمرشح لـ”حزب الله”، بحسب سركيس.

تبعات وصول فرنجية للرئاسة

“حزب الله” يسعى لإحكام القبضة على لبنان المنهار اقتصاديا لـ 6 سنوات أخرى بالإعلان عن دعم ترشيح فرنجية، الأمر الذي يعيد سيناريو اختيار الرئيس السابق ميشال عون، الذي أَغرق لبنان لسنوات عدة، بالكثير من التداعيات الاقتصادية، بحسب جريدة “عكاظ” السعودية.

في حال وصول فرنجية للرئاسة ستكون هنالك تبعات سياسية واقتصادية على لبنان، وفق آلان سركيس، سياسا يكون “حزب الله” قد نجح بفرض مرشحه الرئاسي، وبالتالي سيكون لبنان تابع لمحور “الممانعة” والمحور الإيراني السوري، كما سيؤدي لحدوث أزمة داخلية كبيرة إذ سيشعر مكون مسيحي، بأنه مغبون لأن الفريق الثاني نجح بفرض رئيس عليه هو لا يريده.

 أيضا لن تُفتح أبواب العالم العربي وعلى رأسها الخليج والسعودية أمام لبنان، ولن يكون للبنان حاضنة عربية وإقليمية ودولية، وفق تعبيره.

فيما يخص التداعيات الاقتصادية إذا ما تحقق ذلك، يقول سركيس، بأن ” مسلسل الانهيارات الاقتصادية ستُستكمل حلقاته، وسيكون لبنان واقع تحت ما يُعرف بالاحتلال الإيراني، يعني ذلك لا مساعدات عربية ولا دولية للبنان، وأيضا لا حوار مع صندوق النقد الدولي ولا مساعدات منه”.

 لبنان سيعيش عزلة عربية وعالمية كبيرة جدا وسيكون عهد سليمان فرنجية في حال وصوله للرئاسة، هو استكمال لعهد ميشيل عون، أي أن لبنان سيذهب أكثر وأكثر إلى مزيد من الانهيارات الاقتصادية والاضطرابات الأمنية الكبرى، إضافة لأزمات معيشية، والضحية هو المواطن اللبناني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.