في الوقت الذي يعيش فيه العراق حالة من عدم الاستقرار السياسي، يجري الحديث عن احتمالية إقدام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إجراء تغيير وزراي في كابينته الحكومية التي تشترك فيها جميع القوى السياسية السنية والشيعية باستثناء “التيار الصدري”، والحزبين الكرديين “الديمقراطي الكردستاني”، و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، وذلك بعد تسلمه السلطة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ظاهريا، تشير معلومات أولية إلى أن التغير المرتقب ربما سيأتي في سياق منهجية السوداني التي وضعها لوزرائه في تقيم أدائهم من حيث قدرتهم على تطبيق برنامجه الحكومي في مدة تصل إلى 6 أشهر، غير أن مصادر أشارت إلى أن التغير المرتقب ورائه ضغوطات دولية ومحلية، بشأن وزراء من تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم جميع القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران باستثناء الصدريين.

حكومة السوداني كانت قد نالت ثقة البرلمان العراقي في الثلث الأخير من تشرين الأول/أكتوبر 2022، وشكلت وفقا للتوليفة المعتادة في النظام السياسي العراقي ما بعد 2003، وهي المحاصصة؛ بمعنى اشتراك جميع القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية وكلا حسب تمثيله النيابي.

حكومة العراق وتوليفة المحاصصة

الحكومة العراقية الحالية، جاءت بشكل أكثر وضوح من الحكومتين الماضيتين واللتين اعتمدتا التكنوقراط والمستقلين، بعد أن عبر الشارع العراقي في مناسبات عدة منذ العام 2011 عن رفضه للمحاصصة، وتضمنت وزراء ينخرطون في قوى سياسية تمتلك أذرعا مسلحة؛ مثل حركة “عصائب أهل الحق” بقيادة قيس الخزعلي المصنف على لوائح الإرهاب، حيث عين المتحدث السابق باسم جناحهم السياسي نعيم العبودي، بمنصب وزير التعليم العالي، بجانب وزير العمل القيادي البارز في “الحشد الشعبي”، قائد فصيل “جند الإمام”، أحمد الأسدي.

اقرأ/ي أيضا: جولة أميركية ملحمية في إفريقيا.. هل تنجح بكبح الأجندة التوسعية لروسيا والصين؟

ضمن أولئك أيضا، وزيرة الاتصالات هيام الياسري التابع لكتلة “النهج الوطني” برئاسة فالح الفياض رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، ومع أن الحديث عن استبدال الياسري يأتي في إطار فشلها في إدارة الوزارة، وممارستها التميز بين الموظفين على أساس طائفي، إلا أن معلومات أشارت إلى أن وجود “فيتو” أميركي ضد العبودي والأسدي، وهو ما يدفع السوداني لتلافي الإحراجات في التعامل مع واشنطن.

مبدئيا، كان السوداني قد أعلن نهاية العام الماضي، منح وزرائه 6 أشهر لتقييم أدائهم، وعلى الرغم من عدم مضي سوى أكثر من نصف المدة، لكن سرعان ما عاد رئيس الوزراء ليظهر خلال جلسة مجلس وزراء عقدت الشهر الماضي، ليتحدث عن دور الوزراء، قائلا إن “الوزير تنتهي علاقته مع القوى السياسية بعد ترشيحه ونيله ثقة البرلمان”.

كما أردف أن الوزير الذي يشعر بالضغط أو التهديد فأنا موجود، وخلاف ذلك لا يمتلك أي طرف سياسي قوة التأثير في استمرار وزير من عدمه بالمنصب، لافتا إلى أنه “لم نر أي مؤشرات أولية عن أداء الوزراء في مكافحة الفساد، وعلى الوزراء والمسؤولين والمديرين العامين التواجد الميداني لحل المشكلات”.

حديث السوداني الذي كثرت التكهنات حوله وأخذ أبعادا كثيرة، عزز موقف الرواية التي تتحدث عن احتمالية حدوث تغيير وزاري مرتقب، لكن لا أحد يمكنه الجزم بالوزارات المشمولة بالتغيير بعد، لكن الوسط السياسي يتحدث بشكل واسع عن 3 إلى 5 وزارات، منها وزارتا الاتصالات والتعليم العالي، وربما وزارة سيادية.

في الأثناء، كشف المتحدث باسم كتلة “الصادقون” الجناح السياسي لـ “عصائب أهل الحق”، عضو مجلس النواب محمد البلداوي، مطلع الشهر الحالي، عن آليات التعديل الوزاري المرتقب، وقال في تصريحات نقلها مكتبه، إن التغيير الوزاري المقبل سيتم عن طريق تقييم الأداء خلال المدة التي منحها السوداني، مشددا على أن تغيير الوزراء والمحافظين لن يخضع لأي ضغوط خارجية أو داخلية.

تغيير وزاري بالتشاور

لكن الاستبدال وإن حصل بحسب البلداوي، فسيتم عن طريق التشاور مع القوى السياسية وباختيار السوداني، مؤكدا أن القوى السياسية قد منحت رئيس مجلس الوزراء الضوء الأخضر في استبدال الوزراء المتلكئين وكذلك وكلائهم والمحافظين، مشيرا إلى أن السوداني شخصية قوية لن يخضع أو ينصاع الى أي ضغط خارجي أو داخلي في عملية التغيير، وإنما التغيرات ستتم لمصلحة مضي الحكومة دون عراقيل.

تعليقا على ذلك، يقول المهتم بالشأن السياسي العراقي والأكاديمي حيدر الجبوري، إن تغيير الوزراء ليس بالأمر الهين، فهي معادلة معقدة لاسيما في ظل المحاصصة والتوافقية، إذ تتطلب موافقة القوى السياسية، ومن ثم إقناع البرلمان بالتصويت على ذلك، وأيضا العودة لإقناع البرلمان مجددا للتصويت على المرشح الجديد للوزارة، لذلك فالأمر من ناحية قناعات السوداني كشخص أو رئيس الوزراء قد لا تكون ذات أهمية ما لم تكن هناك موافقة من قبل الكتلة السياسية المرشحة للوزير الذي يراد إقالته.

اقرأ/ي أيضا: العراق على فوهة انفجار.. البرلمان يكسر إرادة الشارع بإقرار “سانت ليغو“

مع ذلك، يرى الجبوري في حديث لموقع “الحل نت”، أنه من الممكن في ضوء ما تتعرض له حكومة السوداني من ضغوط خارجية، تحديدا من قبل الإدارة الأميركية، وفي ظل مساعي الأحزاب السياسية تكريس وجودها في السلطة وتفادي الغضب الدولي والشعبي، قد تدفع هي باتجاه تسهل أمر استبدال الوزراء غير المرغوب بهم، مردفا أن هناك معلومات تفيد بأن السوداني طلب خلال اجتماع لقوى “الإطار التنسيقي” بإجراء تعديل وزاري يشمل خمسة وزراء على الأقل.

بيد أن المهتم بالشأن السياسي العراقي، لم يستبعد أن يكون التغيير المرتقب للوزراء، نابع من شعور السوداني بعدم قدرة هؤلاء الوزراء بإدارة ملفات وزاراتهم لاسيما الفساد، وعدم التجاوب مع آلية مكافحة الفساد التي حددها، أو حتى محاولات السوداني التغطية على عدم تمكنه من إنجاز أي ملف حتى الآن.

بناء على واقع الحال، فإن التوازنات مهمة في تشكيل الحكومة وإدارتها، كما أنه لا يمكن تعريضها لهزات في الوقت الحالي، وبحسب الدستور، فإن إقالة وتكليف الوزير تحتاج إلى تصويت البرلمان بـ”الاغلبية المطلقة”.

يشار إلى أن حكومة السوداني قد تشكلت من قبل قوى “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران، وبمشاركة ودعم من ائتلاف “إدارة الدولة” الذي يضم القوى الرئيسة في البلاد؛ الشيعية، السنية، الكردية، المسيحية.

وزراء يعطلون مصلحة العراق

تحالف “إدارة الدولة” تأسس في 25 أيلول/سبتمبر 2022، بعد انسحاب “التيار الصدري” من البرلمان، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من “الإطار التنسيقي” الشيعي، والحزب “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني” الكرديين، وتحالف “السيادة” و”عزم” السنيين، وحركة “بابليون” المسيحية.

قصة تغيير الوزراء لم تنتهي عند هذا الحد، بل إن أستاذ العلوم السياسية في العراق، الدكتور عصام الفيلي، كان قد تحدث عن هذا الأمر، بالقول إن عدد الوزراء المرتقب استبدالهم من 3 إلى 5، فهناك جزء من الأسماء عليها اعتراض كلي من الإدارة الأميركية، وهي تعطل موضوع التعاون مع العراق في مجالات حيوية جدا، وبالتالي فإن من المحتمل تغييرهم.

الفيلي أوضح في تصريحات صحفية، أن واشنطن لديها تحفظ على عدد من مفاصل الوزارات، وربما في الموازنة الأميركية العامة قد خصص جزءا من المبالغ من أجل التعاون مع العراق في هذه المفاصل، إلا أن الاعتراض على شخصيات تعمل في هذه المفاصل يعطل ذلك التعاون، مبينا أن التعديل الوزاري من وجهة نظر السوداني يجب أن يصب في مصلحة العراق، لأن البلد أساسا منفتح على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وبالتالي فإن رئيس الوزراء يقرأ الواقع.

إلى ذلك، لم يستبعد الفيلي أن يكون السوداني قد تسلم رسائل من الولايات المتحدة بخصوص أشخاص غير مرغوب فيهم متواجدين ضمن حكومته، وذلك من خلال لقائه مع عدد من المسؤولين الأميركيين، خصوصا وأنه في لقاءات دورية مع سفيرة واشنطن ببغداد ألينا رومانوسكي.

في المحصلة، الوضع الدولي والمحلي قد يبعث بمؤشرات رغبة رئيس الوزراء بالتخلص من بعض الوزراء الذين ترفضهم الولايات المتحدة، ومن هم لا يقومون بالدور المطلوب في حكومته ذات الوضع الحرج والتي ينتظر منها الكثير على المستوى السياسي والشعبي، بيد أن الوزراء المحظورين من قبل واشنطن، بحسب ما يشاع في الوسط السياسي، هما وزيرين العمل والتعليم العالي.

ليس ذلك فحسب، بل إن الحديث يجري عن أسباب القيود المفروضة على العراق في مسألة الدولار تتعلق أيضا بوجود تلك الشخصيات غير المرغوبة بها في مفاصل مهمة بالحكومة، خصوصا وأن قوانين الخزانة الأميركية التي فرضت تلك العقوبات، لا تجيز التعامل مع أحزاب أو مؤسسات اقتصادية تابعة للشخصيات المعاقبة، وبهذا فإن عدم توجيه واشنطن دعوة لرئيس الوزراء لزيارة أميركا حتى الآن يرتبط بالأمر ذاته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات