طقوس عدّة عادة ما يمارسها الصائمون بشهر رمضان في العديد من الدول ومن بينها سوريا، ومن أبرز هذه الطقوس “الخيمة الرمضانية” وهي تقليد رمضاني قديم ومن أهم معالم هذا الشهر. وتحظى هذه الخيام في الوقت الحاضر باهتمام نسبة كبيرة من الناس، خاصة في الفنادق والمولات والمطاعم والمقاهي، حيث تحرص هذه المنشآت على تقديم ما هو جديد ومميز من أجل جذب الأهالي.

بالنظر إلى أن “خيمة رمضان” تقدم أمسيات الإفطار والسحور على ألحان الطرب والموسيقى الشعبية وتقديم المسابقات، بالإضافة إلى أجواء الديكورات الخاصة لهذا الشهر، والأطعمة التي تجذب الصائمين كالحلويات والمشروبات الرمضانية من “عرق سوس والجلاب والتمر هندي” وغيرها، وبذلك أصبحت ملتقى للعديد من العائلات والشباب. إلا أن الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، والذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، يبدو أنه يلقي بظلاله على شهر رمضان، ويُفقده أشهر طقوسه، سواء من إلغاء هذه الخيام أو امتناع المواطنين عن شراء الكثير من الأصناف الغذائية، بسبب الأسعار العالية والتي توصف بـ “الفلكية”.

أسباب إلغاء “خيمة رمضان”

تقرير لموقع “أثر برس“، نُشر يوم أمس الأربعاء، يقول إن الوضع الاقتصادي الصعب وتداعيات الزلزال أرخت بظلالها على شهر رمضان وطقوسه التي اعتاد الأهالي ممارستها، ومن تلك الطقوس “خيمة رمضان” التي اعتادت المطاعم والمقاهي إقامتها في الشهر.

البرامج الفنية وسهرات رمضان والحكواتي والموشحات والقدود الدينية والطربية التي كانت تصدح بها المطاعم والمقاهي أصبحت جزءا من ماضي أهالي حلب. ويرى مواطن من حلب، أنه بغض النظر عن وجود الخيم الرمضانية أو عدم وجودها، فلم يعد بإمكان الأسر المتوسطة الدخل السهر فيها فأسعار المطاعم والمقاهي أصبحت مرتفعة وأكبر من الإمكانيات.

أيضا آراء أخرى من الشارع السوري تقول، حتى أنها لم تسأل عن وجود خيم رمضانية أم لا، فالذهاب للمطاعم والمقاهي بحد ذاته أصبح حلما سواء في رمضان أم غيره خاصة لذوي الدخل المحدود، وسط تدني مستوى الرواتب والأجور في عموم سوريا.

هذا وكانت الخيم الرمضانية تضفي رونقا جميلا لليالي حلب خلال شهر رمضان ، سيما وأن حلب تتميز بطربها وفنها الأصيل، كما كانت تلك السهرات تجمع الأصدقاء والأهل بعيدا عن أجواء المنزل كنوع من تغيير الجو، إلا أن الغلاء بات يغيّب أشهر الطقوس في هذا الشهر.

قد يهمك: الأسعار الخيالية سلبت الحلويات من أفواه السوريين.. كيلو بـ 130 ألف؟ – الحل نت

منذ بدء الاقتصاد بالتدهور، تغيرت العديد من العادات والتقاليد لدى السوريين، فمثلا إفطار اليوم الأول له طابعه الخاص بالنسبة لهم، حيث اعتادوا على “تبييض اليوم”، وهي من أبرز العادات في أول أيام هذا الشهر، وهي أن تقوم الأُسر السورية إفطارها بطبخة تحتوي على اللبن، مثل “الشاكرية أو الكبة اللبنية أو كوسا بلبن”، لكن الغلاء المستمر لجميع السلع أضحت بهذه الأكلات لأن تكون خارج حسابات معظم السوريين. كما أن التمور والحلويات واللحوم وغيرها من الأصناف الغذائية التي باتت أسعارها في العلالي  تراجعت على مرّ السنوات، حتى باتت اليوم حكرا على شريحة معينة من مقتدري الحال والأغنياء فقط، نظرا للفجوة الشاسعة بين المداخيل والأجور.

مراعاة للشعور العام؟

في المقابل، رئيس اتحاد غرف السياحة ورئيس غرفة سياحة المنطقة الشمالية بحلب طلال خضير، كشف عن إلغاء البرامج الفنية في “الخيم الرمضانية” بالمطاعم والمقاهي بسبب كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا في شباط/فبراير الماضي، مراعاة لشعور الأهالي بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الحالي، باستثناء فندق شهباء حلب الذي يقيم سهرة رمضانية تتضمن استضافة فعاليات فنية وثقافية ضمن حوارات.

خضير أردف أن غرفة السياحة كانت تعتزم إقامة “خيمة رمضانية” خلال الشهر في المدينة القديمة إلا أنه تم إلغاؤها مراعاة للشعور العام، ومن غير المعقول إقامة احتفالات وسهرات وقد فقدنا ضحايا جراء الزلزال إضافة إلى وجود جزء من الأهالي في مراكز الإيواء.

إلا أن مراقبين يرون أن إلغاء الخيم نتيجة الإقبال الضعيف عليها، نظرا للارتفاع الكبير في الأسعار، على الرغم من أن شهر رمضان يعتبر موسما للمطاعم والمقاهي. بينما يقول أصحاب بعض المطاعم والمقاهي أن سبب إلغاء الخيمة يأتي لارتفاع الأسعار التي باتت تفوق قدرة معظم السوريين اليوم.

هذا الغلاء في المنشآت السياحية ليس جشعا من أصحابها، بل لأن جميع المستلزمات ارتفعت تسعيرتها، فمثلا صاحب المكان يجب أن يوفر الوقود حتى يستطيع تأمين الكهرباء على مدار الساعة، فضلا عن ارتفاع السلع الغذائية بالمجمل، بجانب تكلفة ديكورات “الخيم الرمضانية” التي تحتاج إلى هندسة وتصاميم معينة، وبالتالي الزيادة الكبيرة في الأسعار أخرجت الخيم من الحسابات.

التخلي عن ارتياد المطاعم

في سياق تأثر القطاع السياحي بالوضع الاقتصادي وبكارثة الزلزال قال خضير، إن القطاع السياحي جزء من المكون الاقتصادي والاجتماعي الوطني ومن الطبيعي أن يؤثر ويتأثر، مضيفا بأن القطاع السياحي شهد حركة لناحية الإشغال في الفنادق مع توافد الوفود الإغاثية.

أما عن الإشغال في فقد تراجعت بنسبة 50 بالمئة سواء قبل الزلزال أو بعده بفعل الوضع الاقتصادي وأزمة المحروقات. المسؤول الحكومي أشار إلى توقف الحركة في المطاعم بشكل شبه كامل خلال أول أسبوعين من شهر رمضان، وهذا ما يدلل بمدى تفاقم الوضع المعيشي.

بعض المطاعم والمقاهي استعادت نشاطها المسائي خلال شهر رمضان لكن دون برامج فنية حتى دون عازف، ودون مسابقات أو أجواء قد تكون مكلفة على صاحب المطعم أو المقهى. في المقابل، العديد من السوريين باتوا يحضرون الأجواء والسهرات في منازلهم، كبديل عن “خيم رمضان” أو السهرات في المقاهي، وبهذا تغيب الكثير من العادات والتقاليد الأصيلة التي كانت سائدة قبل عشرات ومئات السنين، وذلك بسبب تدهور الأوضاع بشكل عام في البلاد.

سنوات الحرب الطويلة أثّرت بشكل كبير على السوريين ونالت من أبرز العادات والتقاليد العائلية والاجتماعية سواء في شهر رمضان أو في مناسبات أخرى كالأعياد، فيما طغت الأزمة المعيشية الخانقة على البهجة المتبقية على موائد الإفطار والسحور التي تغيّرت بشكل كبير ولافت، ليتمكن المواطن من تمرير حياته اليومية دون تحمل أعباء أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات