يبدو أن التقارب السعودي الإيراني سيفتح باب عودة العلاقات أمام دول عربية إقليمية، على رأسها الأردن؛ بعد أن كانت عند مستوى منخفض لسنوات، إذ اتخذت عمَّان موقفا حذرا من طهران بعد تدخل الأخيرة في شؤون دول عربية، على رأسها سوريا والعراق، لكن الظروف الإقليمية تغيرت مؤخرا وهو ما قد يستدعي تبدل تلك المواقف بما يتناسب مع المرحلة الحالية. 

عودة العلاقات الأردنية الإيرانية أصبحت أمرا واردا بعد تحدث وزيري خارجية البلدين، حيث تلقى نائب رئيس الوزراء؛ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، اتصالا هاتفيا من نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم الخميس 20 نيسان/أبريل الجاري، إذ تناولا العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا إقليمية، وفق ما ذكرت قناة “المملكة”. 

الصفدي أكد أن الأردن كما كل الدول العربية يريد علاقات طيبة مع إيران قائمة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون الذي ينعكس خيرا على البلدين وعلى المنطقة، إذ أشار أيضا إلى ضرورة الاستمرار في حوار عملي شفاف صريح لمعالجة مختلف القضايا العالقة، بما فيها الأوضاع على الحدود الأردنية السورية، والتحديات التي يمثلها تهريب المخدرات إلى الأردن. 

الوزيران أكدا على المضي في اللقاءات الأمنية بين البلدين لمعالجة القضايا العالقة وعلى الاستمرار في التواصل السياسي بين الوزيرين من أجل الوصول إلى تفاهمات تؤسس لعلاقات مستقبلية تكرس التعاون وتسهم في تعزيز الأمن والاستقرار والتعاون في المنطقة.

ما يحصل يطرح أسئلة عديدة تتعلق بماهية تطور العلاقات بين البلدين، خاصة وأنها اتسمت بعدم الارتياح منذ تخفيض التمثيل الدبلوماسي في عام 2016، إضافة إلى وجود ملفات تعمل الأردن على إنهائها فيما يتعلق بأمن حدودها الشمالية. 

أسباب التقارب 

أهداف الأردن من عودة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية ستكون وفقا لمصالحها السياسية الإقليمية، ولن تكون استراتيجية بعيدة الأمد، بل ستتسم بالحذر بعد سنوات من شبه القطيعة مع طهران؛ وهذا يتفق مع سياسة الأردن في تحالفاته العربية والدولية. 

أسباب التقارب الأردني الإيراني تعود إلى تغير الظروف الإقليمية، على الأقل في الإقليم الاتفاق السعودي الإيراني عامل أساسي من عوامل التغيير، إضافة إلى أن هناك دول خليجية مثل الإمارات وقطر وعمان لديها علاقات هامة مع إيران، وفق حديث رئيس “الجمعية الأردنية للعلوم السياسية”، الدكتور خالد شنيكات لـ”الحل نت”.

بعد تغلغل إيران في سوريا والعراق، باتت اليوم لاعبا أساسيا في الإقليم وأحد عوامل الاستقرار في المنطقة، وهذا يدفع باتجاه تحريك عجلة عودة العلاقات مع دول الجوار، لكن التطور السعودي الإيراني مؤخرا  على ما يبدو، كان أحد أسباب تسريع عودة العلاقات. 

المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة يرى في حديث خاص لـ “الحل نت أن “التقارب الأردني الإيراني أولا مرتبط بالتحرك الخليجي وهم حلفاء الأردن، ثانيا بالواقع الذي تشكل في السنوات الأخيرة ولا يمكن أن تصالح سوريا اليوم أو أن تحل مشاكلك الأمنية والمخدرات والميليشيات إلا بالحديث مع إيران”.

وقّعت السعودية وإيران في 10 آذار/مارس الجاري اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال أسبوعين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات، منذ أن اقتحم محتجون السفارة السعودية بطهران وقنصليتها بمدينة مشهد، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.

عقب قرار السعودية قطع علاقتها مع إيران في كانون الثاني/يناير 2016، تضامن الأردن مع جارته الرياض واستدعى سفيره من طهران في نيسان/أبريل من العام نفسه “للتشاور” ولم يعد بعدها، فيما احتفظت بتمثيل دبلوماسي بدرجة قائم بالأعمال.

إيران هي شريكة غير مباشرة للأردن في حدوده الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق وذلك أدى إلى أثر اقتصادي كبير حيث عطلت إلى مدى كبير أي علاقة تجارية حقيقية وفاعلة بين الأردن وسوريا والأردن والعراق وهاتين الدولتين هما رئة الاقتصاد الأردني ويمكن من خلال علاقة جيدة مع العراق وسوريا اقتصاديا أن ينتعش الأردن ولكن هذا لم يحصل بسبب التأثير الإيراني، حسب حديث المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات لـ “الحل نت”.

طبيعة العلاقات 

رغم هذا التقارب السريع والمفاجئ، إلا أن العلاقات التي تجمع الأردن وإيران ستكون محدودة ومبنية على التزام طهران بتعهدها بعدم المساس بالشؤون الداخلية الأردنية وهذا كان واضحا بعد اتصال الوزير الإيراني بنظيره الأردني والتصريحات الأردنية السابقة، التي تتعلق بالهواجس الأمنية. 

وفق شنيكات فإن الأردن لم يكن يمانع -على الأقل حسب ما كانت تعلنه المصادر الرسمية- بإقامة علاقات مع إيران بشرط ضمان حسن الجوار وتسوية القضايا الأمنية العالقة، وضمان أمن الحدود مع سوريا خاصة قضايا المخدرات وتهريب السلاح وغيرها وهي أمور أساسية، وهذا بغض النظر عن الاتفاق السعودي الإيراني. 

يبدو أن الانفتاح بين الأردن وإيران أصبح ضرورة ملحة في ضوء التطورات الأخيرة والسعي الإيراني الواضح لبناء علاقات مع الدول العربية، لكن مستوى هذه العلاقات ستبقى لن ترقى لطموح طهران ومساعيها، على الأقل في البداية، وهذا يتعلق بالتزامها بمصالح عمَّان وإنهاء الملفات الأمنية. 

المحلل السياسي منذر الحوارات لا يرى أن العلاقة الأردنية الإيرانية ستقفز إلى مستوى مثالي، وسيكون هناك تمثيل دبلوماسي وزيارات، ولكن في العمق فإن الأردن استراتيجيا لا يزال يخشى من المطامح الإيرانية الجادة حقيقة في المنطقة وهذه المطامح لن تقتصر على العراق وسوريا ولبنان واليمن. 

“هذا مشروع إيراني كبير يراد له أن يتحقق، ربما يتوقف قليلا بسبب الظرف الاقتصادي الإيراني والظرف الدولي، لذلك يمكن للأردن أن يقيم علاقات دبلوماسية مع إيران وربما علاقات اقتصادية ولكن التوجس العميق من الطموح الإيراني سيبقى الهوية الأساسية للسلوك الأردني في التعامل مع إيران”، يضيف الحوارات.

الوزيران الأردني والإيراني اتفقا خلال اتصال هاتفي “على اللقاء في أقرب وقت ممكن؛ لمتابعة بحث سبل تجاوز التحديات في العلاقات بين البلدين الشقيقين وصولاً إلى علاقات طبيعية كاملة، وبما يخدم مصالح البلدين ويسهم في إنهاء الأزمات والتوترات الإقليمية.”

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان كان قد تناول اتفاق بلاده مع السعودية وإمكانية تطور العلاقات مع الدول العربية، ومن بينها الأردن. وقال أمير عبد اللهيان، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، إنه أجرى مباحثات “ودية” مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال مشاركته في النسخة الثانية من قمة بغداد للشراكة والتعاون بالمملكة في ديسمبر الماضي.

ووفق عبد اللهيان فإن”المملكة الأردنية محط اهتمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية للارتقاء بمستوى التعاون والأواصر معها.. وملك الأردن أعرب عن رغبته في زيارة طهران قريبا، وهو ما ترحب به الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.

الموقف الأميركي

علاقات وثيقة تربط الأردن بالولايات المتحدة منذ أزيد من سبعة عقود، وهو ربما يؤثر على مسار العلاقة وطبيعتها بين الأردن وإيران، لذلك ستعتمد عمَّان مبدأ التوازن بتقربها من طهران بما يحافظ على أهدافها ومصالحها الاستراتيجية مع واشنطن وربما تلعب دورا وسيطا بين البلدين. 

“الموقف الأمريكي واضح في موضوع إيران ولا أعتقد أن هناك مانع. اليوم أعتقد أن إيران في موقع جيد فيما يتعلق بموضوع التعامل الأمريكي معها وحتى الموقف الأوروبي وبالتالي قد لا يكون أي موانع لكن بلا شك ليس هناك مسهلات كما في فترة سابقة في عهد أوباما عندما كان يدفع باتجاه تحسين العلاقة مع طهران بعد محاولة عودتها إلى المجتمع الدولي عبر الاتفاق النووي”، بحسب المحلل السياسي عامر السبايلة.

إذا ما تطورت العلاقات بين الأردن وإيران فلن تتخذ الولايات المتحدة موقفا معاديا لعودة العلاقات، بل سترحب بها ضمنيا مثلما فعلت مع التقارب السعودي الإيراني، الذي اعتبرت أنه يحقق بعض أهدافها الأمنية، لكن الأردن تدرك تماما أهمية الولايات المتحدة بالنسبة لها ولن تقدم على هكذا خطوة من دون حسابات.

شنيكات يتفق مع السبايلة بقول إن الولايات المتحدة منخرطة مع إيران بمباحثات تتعلق بالملف النووي ولديها تشابكات مع إيران في العراق، هذا يعني أن الولايات المتحدة فعليا، خاصة إدارة جو بايدن أي الإدارات الديمقراطية تفضل التفاوض مع إيران على المواجهة، على عكس إدارات الجمهوريين خاصة إدارة دونالد ترامب. 

طهران تسعى إلى تسوية علاقاتها مع الدول العربية المهمة والمؤثرة دوليا، بسبب ظروفها الداخلية والتي جاءت على خلفية الاحتجاجات الشعبية الأخيرة؛ إضافة إلى تخفيف الضغوط الخارجية وتشديد الغرب العقوبات عليها، الأمر الذي دفعها إلى تبني استراتيجيات أخرى بعد أن أصبحت تتلمس خطرا يهددها.   

في ضوء ذلك، يبقى الرهان على التزام طهران بالاتفاقيات مع الأردن والسعودية وجديتها في تحقيق ما تقول والتخلي عن السياسة العدائية، الأمر الذي يساعد في تحقيق الاستقرار في الإقليم، فهمي أمام اختبارات صعبة من دون وجود وقت للمناورة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة