بينما تتأثر أسعار النفط في العالم بعد تسجيلها أدنى هبوط لمستوياتها خلال الشهر الماضي، أظهر استطلاع للرأي توقعات بتراجع النمو الاقتصادي لدول الخليج خلال العام 2023، وذلك مقارنة بالعام الماضي، وخلافا لتوقعات مطلع العام الحالي باستمرار الاقتصادات الخليجية في تسجيلها أداء جيدا.

حيث يُتوقع أن تنمو اقتصادات دول “مجلس التعاون الخليجي” بوتيرة أبطأ بكثير في عام 2023، إذ تتأثر مواردها بتراجع عائدات مبيعات النفط الخام وتخفيضات الإنتاج، وذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط نحو 20 بالمئة منذ هبوطها لأدنى مستوى هذا العام عند نحو 70 دولارا للبرميل في 20 آذار/مارس الماضي.

ذلك يأتي بدعم أساسي من قرار تحالف “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط بنحو 1.16 مليون برميل يوميا إلى جانب إعادة فتح الصين أسواقها، إلا أن آفاق تحقيق المزيد من المكاسب ستكون ضعيفة إلى حد كبير خلال الأشهر المقبلة بسبب تباطؤ الطلب العالمي، وهي أخبار ليست جيدة لدول المجلس التي تعتمد بشكل كبير على النفط.

توقعات الاقتصادات الخليجية

الاستطلاع الذي أجرته “رويترز” في الفترة من 6 إلى 25 نيسان/أبريل الجاري، شمل 16 خبيرا اقتصاديا؛ وتوقع أن اقتصاد السعودية صاحبة أكبر منتج للنفط في العالم سينمو 3.2 بالمئة هذا العام، أي بما يقل عن نصف معدل نموه عام 2022 الذي بلغ 8.7 بالمئة، كما من المتوقع أن يكون معدل النمو هو نفسه العام المقبل.

إذ إن تخفيضات إنتاج النفط ستؤدي إلى تباطؤ حاد في نمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية هذا العام، وفي بقية دول الخليج ستؤثر الضربة المزدوجة لخفض إنتاج النفط وأسعار النفط على الناتج المحلي الإجمالي النفطي وغير النفطي. بحسب ما نقلته “رويترز” عن خبير الأسواق الناشئة في “كابيتال إيكونوميكس” جيمس سوانستون.

اقرأ/ي أيضا: “الحرب المستمرة”.. هل تضع السودان تحت “البند السابع”؟

في السياق، يتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في الإمارات التي تُعد ثاني أكبر اقتصاد بين دول “مجلس التعاون الخليجي”، إلى 3.7 بالمئة في 2023 و4.0 بالمئة في العام المقبل، أي أقل بكثير من نسبة 7.6 بالمئة التي تم تسجيلها العام الماضي.

أثناء ذلك، أشار الاستطلاع لتباطؤ النمو أيضا في كل من قطر والبحرين إلى 2.7 بالمئة هذا العام، وأن ينمو اقتصاد سلطنة عمان 2.6 بالمئة في عام 2023، في حين سيتراجع النمو الاقتصادي في الكويت بوتيرة أكبر بكثير إلى 1.5 بالمئة.

هذا ولا يمثل وضع دول المنطقة استثناء، إذ من المتوقع أيضا أن يتباطأ النمو في معظم الاقتصادات الكبرى هذا العام، في ظل تأثير رفع أسعار الفائدة على النشاط الاقتصادي إلى جانب تأثير التضخم المرتفع على طلب المستهلكين.

إلا أن تقديرات التضخم لدول الخليج جاءت أقل من نظيراتها في كثير من الاقتصادات الكبرى، حيث من المتوقع أن يتراوح معدل التضخم في المنطقة بين 2.1 و3.3 بالمئة هذا العام، وأن ينخفض إلى ما دون ذلك في 2024، وكذلك من المتوقع أن تظل معظم اقتصادات دول “مجلس التعاون الخليجي” تتمتع بفوائض في ميزان المعاملات الجارية في خانة العشرات عام 2023، رغم المخاوف من تباطؤ إنتاج النفط، بينما يتوقع أن تحقق عمان والبحرين فحسب فوائض في خانة الآحاد.

الخليج والنمو الاقتصادي المستمر

عن أسباب ذلك، والخيارات التي يمكن أن تواجه فيها دولة “مجلس التعاون الخليجي” تلك التوقعات، يرى خبير الاقتصاد الكويتي عامر التميمي، أن هذه التوقعات تقليدية، لاسيما وأن أسواق النفط غير مستقرة، بيد أن عددا من دول الخليج أرسى قواعد لتنويع الاقتصاد ومنها السعودية والإمارات. 

توقعات بتباطؤ نمو الاقتصادات الخليجية/ (AFP)

وسط ذلك، أشار التميمي في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن، الكويت مازالت تعاني من عدم القدرة على الإصلاح ولذلك تأتي في مرتبة متأخرة في التوقعات لمعدل النمو، غير أنه مهما كان الأمر فمن المتوقع أن تكون إيرادات سيادية معقولة خلال العام الجاري لكافة دول الخليج، بما يمكنها مواجهة استحقاقات الإنفاق الجاري والرأسمالي دون اللجوء للاستدانة. 

طبقا لذلك، يذهب خبير الاقتصاد السياسي بيار خوري في هذا المنحى من وجهة نظر تفصيلية خاصة، قائلا إنه بالمقارنة مع العام الماضي، فمن الطبيعي أن ينخفض معدل النمو في الاقتصادات الخليجية، لأن العام الماضي كان عام الطاقة المضطرب الذي شهد ارتفاعات في أسعار الطاقة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته على العالم، وذلك لما تمثله روسيا من عامل أساسي في سوق الطاقة العالمي، ولانقطاع مشروع “نورد ستريم 2” وتأثيره بشكل أساسي على توازن العرض والطلب في سوق الطاقة.

اقرأ/ي أيضا: تصعيد “الحوثيين” ضد التحالف العربي.. مؤشر فشل لجهود إنهاء الحرب باليمن؟

خوري بيّن في حديثه لموقع “الحل نت”، أن ما يتحدث عنه استطلاع “رويترز”، هو المفاضلة بين قيمتين لتوقع النمو الاقتصادي، وليس المقارنة مع العام الماضي، خصوصا وأن المقارنة غير ممكنة، لذلك إن تخفيض التوقعات من 3.7 إلى 3.2 بالمئة تفترض أن الاقتصاد العالمي لم ينتعش بما يكفي، لتنتعش معه أسعار النفوط وهذا سيؤثر على الاقتصادات الخليجية.

بالتالي أن، الحديث عن اتجاهات التنويع القائمة بالخليج وإعادة توطين التدفقات النقدية من النفط والطاقة في البلدان الأصلية يمثّل شيئا آخر، كما يرى خبير الاقتصاد السياسي، حيث يمكن أن يؤدي إلى نمو اقتصاد آخر غير اقتصاد المواد الأولية الذي طالما اشتهرت به دول الخليج، مشيرا إلى أن توقعات “البنك الدولي” بحسب “رويترز” لم تأخذ بعين الاعتبار سياسات “أوبك بلس”.

لذلك بحسب خوري، أن هذه التوقعات صدرت قبل تخفيض الانتاج الأخير الذي أعلنت عنه “أوبك بلس” والذي سيؤثر بحجم التدفقات النفطية من بيع النفوط، لذا أن هذا يمكن أن يسهّل قراءة نقاط الضعف في توقعات قراءة “البنك الدولي” بالنسبة لمستقبل اقتصادات المنطقة، مبينا أنه من الطبيعي انعكاس ذلك على نسبة الفائض بالموازنة إلى الناتج الوطني بهذه الدول، كون أن العام الحالي مختلف تماما عن العام الماضي.

في المحصلة، يرى خوري، أن دول الخليج موجودة بمرحلة طويلة نسبيا من النمو الاقتصادي بغض النظر عن هذا النمو، لأن نسبة هذا النمو يتأثر بعوامل خارجة عن إرادة صنّاع سياسات هذه الدول، لافتا إلى أن ذلك ممكنا إذا أخذنا هذه الدول بصفتها صاحبة اقتصاد نفطي واقتصاد متنوع وسياسات حكومية، فإن ذلك سيعطي قراءة مختلفة عن مستقبل النمو في الخليج.

الاقتصادات الخليجية في ضوء توقعات “البنك الدولي”

بموازاة استطلاع “رويترز”، كان “البنك الدولي” قد توقّع في تقرير صدر الشهر الماضي، أن تواصل اقتصادات دول “مجلس التعاون الخليجي” نموها في عام 2023 على رغم تداعيات رفع الفائدة الأميركية، إذ ترتبط العملات الخليجية بالدولار الأميركي، باستثناء الكويت التي تعتمد على سلة من العملات بعدما أكد أنه وعلى رغم تراجع أسعار النفط، إلا أن هذا النمو سيكون أبطأ، إذ توقع البنك أن تسجل دول “مجلس التعاون الخليجي” نموا بنسبة 3.2 بالمئة في عام 2023 و3.1 بالمئة في عام 2024 بعد نمو محقق بنحو 7.3 بالمئة في عام 2022.

أما حول توقعاته المنطقة ككل، قدّر “البنك الدولي” أن تنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 3.0 بالمئة في عام 2023 وبنسبة 3.1 بالمئة في عام 2024، أي أقل بكثير من معدل النمو البالغ 5.8 بالمئة في عام 2022.

فيما أشار البنك في تقريره، إلى الآثار على المدى البعيد لارتفاع الأسعار، وتابع أنه على رغم ضعف الطلب على النفط، إلا أنه من المتوقع أن تستمر الزيادة المرتفعة نسبيا في نمو الاقتصادات الخليجية يدعمها زيادة القدرة على إنتاج الهيدروكربون، ولا سيما بمساعدة تطوير حقول الغاز الطبيعي الجديدة في المنطقة.

كما توقع التقرير أن تشهد البلدان النامية المصدرة للنفط اتجاهات مماثلة لتلك الموجودة في دول “مجلس التعاون الخليجي” ولكن بمستويات أقل بحلول عام 2023، إذ إنه من المتوقع أن ينخفض النمو إلى 2.2 بالمئة بعد النمو عند 3.9 بالمئة في عام 2022، في حين يتصدر العراق المجموعة بتوقعات النمو لعام 2023 عند 2.8 بالمئة انخفاضا من 7.9 بالمئة في عام 2022، مدعوما بشكل جزئي بالنمو في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وكذلك بمساعدة التوسع المخطط له في الموازنة في عام 2023.  

كذلك رجّح البنك أن يظل معدل النمو في إيران منخفضا بسبب العقوبات الاقتصادية المكثفة، خصوصا مع انخفاض أسعار النفط، متوقعا أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنسبة 2.0 بالمئة في عام 2023، وهو ما يُعد تباطؤا عن النمو بنسبة 2.7 بالمئة في عام 2022، التي كانت مقيدة بسبب نقص المياه والكهرباء في البلاد إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي.

بناء على ذلك، فإن الحديث عن تباطؤ نمو الاقتصاد الخليجي يأتي في سياق الحديث عن المقارنة بين العام الحالي والماضي، وهو ما يعكس تباطؤا فعليا، وذلك بالنظر إلى العام الاستثنائي الماضي، بيد أن ذلك لا يعني فعليا تراجع في النمو الاقتصادي الخليجي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات