في الوقت الذي يبذل فيه التحالف العربي الذي تقوده السعودية، جهودا حثيثة لإيجاد حلّ نهائي للحرب في اليمن، والذي تجلّى في زيارة وفد سعودي إلى “الحوثيين” لبحث إمكانية ذلك، صعّدت الجماعة الموالية لإيران من لهجتها ضد التحالف العربي الذي اتهمته بالمراوغة، وتوعّدته بـ “الهروع إلى صنعاء خاضعا خانعا للسلام والاستسلام”.

الموقف “الحوثي” الصادر بعد التقارب السعودي مع “الحوثيين” الأخير، وفي ضوء الحديث عن إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد في اليمن التي يُفترض الإعلان عنها قريبا، عكس موقفا مغايرا، ما أثار تساؤلات عدة حول أسباب ذلك، وإذا ما كان يعكس مدى هشاشة المصالحة الإيرانية السعودية، بخاصة وأن موقف “الحوثيين” يرتبط مباشرة بمواقف طهران.

ذلك المستجد بالموقف “الحوثي” يأتي في سياق التعامل مع تحفّظات سعودية حول شروط عدة أصرّ عليها “الحوثيون” خلال المفاوضات التي جرت بين الوفدين السعودية و “الحوثي”، أثناء الزيارة التي قام بها وفد سعودي بقيادة سفير الرياض لدى اليمن محمد آل جابر في الثامن من نيسان/أبريل الجاري إلى صنعاء، حيث اجتمع هناك مع قيادة “الحوثيين” بحضور وفد عماني.

ما مطالب “الحوثيين”؟

الشروط تتعلق بدفع السلطة الشرعية لرواتب جميع الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة “الحوثيين” بما يشمل قواتهم، ووضع جدول زمني محدد لانسحاب قوات التحالف العربي، مع رفع جميع القيود على النقل البحري والجوي، للقبول بتهدئة مطوّلة يجري بموجبها بحث تسوية سياسية.

لكن في مقابل ذلك، وبحسب المعلومات الواردة عن الزيارة، طلب الجانب السعودي مهلة من الوقت لتقيم مطالب “الحوثيين”، وإمكانية النظر بها، بيد أنه لم يصدر شيء من السعودية حول ذلك حتى الآن، وهو ما قد يفسر عدم حماس الرياض للقبول بعدد من تلك الشروط، ما دفع بالجماعة الموالية لإيران للتصعيد من موقفها بمحاولة للضغط على السعودية.

اقرأ/ي أيضا: تحذيرات جزائرية من عودة الأصوليين.. ما الدلالة والمآلات؟

التصعيد، جاء من خلال وزير الدفاع في حكومة “الحوثيين” غير معترف بها دوليا محمد ناصر العاطفي، حيث قال إن “دول التحالف عندما خسرت وعجزت وفشلت في تحقيق أي إنجاز عسكري في جبهات القتال، وتوالت عليها الهزائم والانكسارات والانهيارات المعنوية والقتالية خلال ثماني سنوات، سارعت بطلب الهدنة لغرض المراوغة والمخادعة ولكسب الوقت لإعادة ترتيب أوضاعها وصفوفها”.

لذلك يلجأ التحالف خلال فترات الهدنة إلى إدارة سياسات وصناعة أزمات في الجوانب الإنسانية ضد الشعب اليمني المكلوم والمبتلى بمشروع استعماري عبثي، بحسب ما أوردته وسائل إعلام تابعة لـ “الحوثيين”، عن العاطفي أثناء حديثه لمقاتلين من الجماعة في الخطوط الأمامية بمحافظة الحديدة الساحلية.

القائد “الحوثي”، أشار أثناء ذلك، إلى أن “الشعب اليمني لم يعتدِ على أي دولة، وهو تواق إلى السلام العادل والمشرف والمنصف والندي، لافتا إلى أن القوة هي من ستصنع السلام، ودول التحالف لن ترتدع وترحل من اليمن إلا بالقوة، مستدركا؛ لدينا عدة وسائل وأساليب استراتيجية ومهمة تردع من ينهب ثروات الشعب اليمني ويقتله ويحاصره، ولن يطلبوا بعدها هدنة بل سنجعلهم يهرعون إلى صنعاء خانعين خاضعين للسلام والسلم والاستسلام”.

العاطفي أضاف، عليهم أن “يتعلموا من الدروس السابقة لأن بنادقنا ومدافعنا وصواريخنا ومسيّراتنا جاهزة”، مشيرا إلى أن “المعارك المقبِلة لن تكون داخل اليمن كما يتوهّمون، بل ستكون في مفاصل العمق البعيد لدول العدوان، والتي سيجعلها تدرك جيدا معنى الألم الكبير، في إشارة إلى امتلاك الحوثيين بنك أهداف داخل عمق دول التحالف”.

حول ذلك، أوضح المحلل السياسي اليمني، محمد الشجاع، أنه “بالنسبة للتصعيد الحوثي لم تكن هناك استجابة حقيقية في أي لحظة، باستثناء ما استجد من اللقاءات الأخيرة التي جاءت لتجمّل الوساطة الصينية لا أكثر، وكانت هناك تخوفات من عدم انعكاسها بشكل إيجابي على الملف اليمني”.

اليمن هامش إقليمي ودلي

بحسب الشجاع، هناك أمرين مهمّين في القضية اليمنية يجب استيعابهما، الأول هو أن الملف اليمني أصبح منذ فترة طويلة في الهامش وليس من الأولويات، بمعنى أن الجميع تخلى عن اليمن باستثناء التصريحات والإحاطات التي لا تُشبع جائعا.

زيارة الوفد السعودي إلى الحوثيين/ إنترنت + وكالات

الشجاع أضاف، أن هذا التجاهل يتحمله المجتمع الدولي والأمم المتحدة والإقليم، لأنهم لم يلزموا الطرف “الحوثي” بأي قرار بشكل مزمن، كما أن لديهم قضايا وصراعات أهم مثل أوكرانيا وغيرها من المصالح.

المحلل السياسي اليمني، أكمل بقوله، إن ميليشيا “الحوثي” لديها مشروع ولا يمكن التفريط فيه بعملية سياسية مطلقا، ما لم تكن الكفة لها بواقع 90 بالمئة على الأقل، “غير ذلك علينا أن ننسى أي تسوية سياسية ونحن نتعامل مع هذه العقلية”.

اقرأ/ي أيضا: أردوغان يواجه الانتخابات بالأحزاب الصغيرة.. دليل على تراجع شعبيته؟

كما أردف، بأن المصالحة كانت استجابة لتوجه جديد ومحاولة السير مع الضغوطات الدولية والهروب من الالتزامات الكبيرة؛ لأن اليمن أصبح دولة أو جغرافيا فاشلة تماما والفاتورة كانت باهظة. بلد ممزق منهار ومستقبل ملغوم وغامض، بالمقابل هناك دول لديها مشاريع ورؤى وتبحث عن ضمانات للسير فيها دون مشاكل ورسم صورة للمجتمع الدولي بأنها جاهزة لأي عملية سياسية.

الشجاع أوضح، أن “الكثير من الأطراف تدرك أن ما حدث كان هشّا. في يوم وليلة تحدث لقاءات. صحيح أن هناك تنسيقات سابقة لكن المشهد على الأرض غير ذلك تماما. تصعيد مستمر وتصريحات عسكرية وسياسية لا تعكس أي بوادر حسن نية، إضافة لما يعتمل في الداخل اليمني من تغيير لكل شيء من قبل الحوثيين”.

الشجاع أشار من وجهة نظره الشخصية، أنه بالرغم من كل ما حدث من كوارث طيلة 8 أعوام وتجاوزات بحق المواطنين والمؤسسات، إلا أن الحرب لم تبدأ بعد وهذه حقيقة مؤلمة، وكل المؤشرات تدل على ذلك.

بالمقابل، لم يصدر أي موقف من قبل التحالف العربي، أو الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بشأن تصريحات وزير دفاع “الحوثيين”، لكن تلك التهديدات أعادت إلى الأذهان حديث رئيس “مجلس القيادة الرئاسي” رشاد العليمي، حينما شكك بجدية “الحوثيين” للركون إلى السلام، قائلا؛ لقد خاض الأشقاء بإشارة إلى السعودية، جولات مكثفة في سبيل السلام الذي ننشده جميعا، غير أن الميليشيات تواصل التسويف، وعدم الاستجابة لتلك المبادرات، ومحاولة استثمارها لتحقيق أهداف سياسية وتعبوية، وحملات إعلامية مضللة.

وعود “الحوثيين” مظللة

العليمي أشار أيضا “حتى لا يبقى السلام رهينة للأهواء والمصالح، والخطابات الشعبوية والانتصارات الخادعة، فمن الواجب الالتحام بجبهة الوعي، والتمسك بأمل ووعد السلام الذي قطعناه في خطاب القسم، وسيكون علينا أن نواجه التضليل والأكاذيب بالحقيقة”.

ذلك يأتي في الوقت الذي عُرفت فيه الجهود الجارية لتحقيق السلام في اليمن زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية، كان من أبرز مظاهرها إتمام صفقة تبادل كبرى للأسرى بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية.

إذ إن تقارب السعوديين “والحوثيين” المطّرد جاء في ضوء تصاعد مساعٍ إقليمية ودولية لتجديد الهدنة، التي انتهت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بين الحكومة و”الحوثيين” على خلفية تجديدها مرتين خلال العام الماضي، ورفض الجماعة الموالية لإيران تجديدها ما لم تحقق شروطها.

الجدير بالذكر، أن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، صرح خلال إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، أن اليمن أمام فرصة تاريخية لتحقيق السلام، محذرا من إمكانية ضياعها في حال لم تُقدم أطراف الصراع على المزيد من التنازلات.

إلى ذلك، وعلى الرغم من أن التقارب السعودي الإيراني خلق دفعة قوية لإنهاء الحرب التي تسببت خلال السنوات الثماني الماضية بأسوأ أزمة إنسانية في اليمن والعالم، حسبما وصفتها “الأمم المتحدة”، وأسفرت عن سقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى اليمنيين من المدنيين وأطراف النزاع في جبهات القتال، إلا أن هناك شكوك كبيرة تدور حول تحقق ذلك، بخاصة فيما يتعلق بالتزام “الحوثيين”.

هذا ويعاني اليمن منذ نحو تسع سنوات من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وقوات “الحوثيين”، المدعومين من إيران والمسيطرين على عدة محافظات منذ 2014.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات