واحدة من أكثر الحالات شيوعا في سوريا، هي الاحتفاظ بالأدوات الجراحية بعد إجراء العمليات للمرضى والتي تمثل مشكلة مزمنة للجراحين والمستشفيات، فوفقا للمركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية البريطاني، فإن التقديرات تشير إلى أن الأدوات الجراحية تُترك داخل المرضى بين 0.3 إلى 1.0 لكل 1000 عملية عالميا، لكن الأغرب وهو ما حدث في دمشق، أن يعيش المريض مع هذه الأجسام لسنوات دون علمه.

صورة كشفت القصة

في مستشفى “المواساة” بدمشق، اكتشف الأطباء مقصا جراحيا “منسي” قبل 12 عاما داخل بطن مريضة يبلغ عمرها 32 عاما، بعد أن دخلت إلى مستشفى لشعورها بعدم ارتياح كبير في المعدة.

وفي تقرير نشره موقع “هاشتاغ” المحلي، اليوم الخميس، أوضح مصدر طبي لم يسمه، أن الطبيب أمر بإجراء أشعة الرنين المغناطيسي للمريضة، وعندما دخلت إلى الجهاز كانت تعاني من ألم مبرح، فطلب منها الأطباء نزع جميع المواد الحديدية وتغيير ملابسها من أجل أن تكمل الصورة.

وحسب المصدر، كانت المرأة تعاني من ألم مبرح عندما عادت، فاعتقد الأطباء أنها خائفة وطلبوا من زوجها مرافقتها.

ولكن المشكلة استمرت، وكلما اقتربت من جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، اشتد الألم، فطلب الأطباء إجراء تصوير بأشعة “إكس”، التي كشفت عن مقص جراحي نسي من عملية سابقة قبل 12 عاما، ولم يحدد المصدر أين أجرى المريض العملية السابقة أو اسم الطبيب.

ووفقا للمصدر، فقد طلب الأطباء بمستشفى المواساة إجراء أشعة مقطعية ” طبقي محوري” للمريضة في مستشفى آخر، بسبب تعرض ماسح الأشعة المقطعية بمستشفى “المواساة” للأضرار.

الخضوع لعملية جراحية على اختلاف أنواعها هو أمر مرهق، ولكن إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فسوف يتعافى المريض وسيكون قادرا على العودة إلى حياته بشكل طبيعي، ولكن لسوء الحظ، غالبا ما يغيب التعافي عندما يتصرف الجراحون بإهمال، فعندما يحدث هذا، فمن المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى إجراءات إضافية لإزالة الأخطاء المرتكبة على شاكلة نسيان معدات جراحية داخل جسم المريض، مما قد يؤدي إلى إطالة عملية التعافي بشكل كبير وزيادة الفواتير الطبية، وهو ما لا يفضله المواطن في سوريا بسبب الأزمة الاقتصادية.

كيف ينسى الأطباء معداتهم؟

اعتمادا على أبسط الإجراءات داخل غرفة العمليات، يمكن للجراح استخدام أكثر من 250 أداة وأدوات جراحية مختلفة خلال عملية واحدة، وإذا لم ينتبه الجراح أو الفني الجراحي المسؤول عن الاحتفاظ بسجل للأدوات، فمن السهل أن تفقد مسار المعدات.

الأجسام الجراحية المحتجزة أو ما تعرف طبيا “أر إس بي”، بحسب المختص الجراحي في مستشفى “الرحمة” بدرعا، الدكتور أحمد السعدي، هي أجسام غريبة تُترك داخل المريض بعد العملية، وقد تظهر عواقب الأجسام الغريبة بعد الجراحة بأشكال مختلفة بعد العملية مباشرة، بعد أشهر أو حتى سنوات من العمليات الجراحية.

ووفقا لحديث السعدي، لـ”الحل نت”، فإنه مع إجراء أكثر من 28 مليون عملية جراحية في جميع أنحاء البلاد خلال السنوات السابقة، قدر عدد الحالات التي تترك فيها أجسام غريبة أثناء إجراء العملية بحوالي 1500 حالة سنويا.

وأوضح السعدي، أن الجراحة تمثل تحديا، حيث يزداد خطر احتفاظ الجسم بأجسام جراحية خاصة في الحالات المعقدة مثل مرضى السمنة أو الصدمات التي تتطلب استخدام العديد من الأدوات والمقصات والإسفنج الجراحي، فأثناء الجراحة، يتم وضع أنظمة لتهيئة بيئة آمنة للمريض بينما يعمل الجراح بالإسفنج والأدوات؛ ومع ذلك، فهو ليس منيع على الخطأ البشري.

وأشار السعدي، إلى أنه عادة ما يحدث اكتشاف الأجسام الغريبة بعد الجراحة بسبب شكاوى غير محددة، بحيث يمكن أن تظهر الأدوات المنسية في شكل كتلة عادة في تجويف البطن ويتم تشخيصها خلال الفحص الإشعاعي الروتيني، وذلك إذا اشتكى المرضى في الفترة التي تلي العملية من الألم والتهابات متكررة وكتلة محسوسة، فإن هذا يشير إلى وجود أجسام جراحية محتفظ بها.

حصانة للأطباء السوريين

من الصعب أن تمر أي مهنة، ومنها الطب دون أخطاء أثناء ممارستها، ولكن في معرض الممارسة المهنية تنص القوانين على معايير في الخطأ تعتمد على العمل المثالي، وبناء على ذلك فإن القانون يعاقب على الأخطاء الطبية التي تؤدي إلى الوفاة، أو إلى تفاقم الحالة بما يتعرض معها المريض لإعاقة دائمة أو مؤقتة.

وبحسب قانون العقوبات، فإن الخطأ الطبي هو من الجرائم جنحوية الوصف، تنظر فيها محاكم بداية الجزاء، ونص قانون العقوبات في المادة 550 المتضمنة أنه، من تسبب بموت أحد نتيجة إهمال أو قلة احتراز أوعدم مراعاة القوانين، واستنادا إلى هذه المادة تندرج الأخطاء الطبية تحت بند القتل والإيذاء غير المقصود، كونه لا توجد نية جرمية لدى الشخص، ومثال ذلك جرائم حوادث السير والأخطاء الطبية لافتا إلى أن الطبيب مكلف بالعناية الطبية لأقصى درجات العناية ولكنه ليس ضامنا كافلا للنتيجة.

في تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية نشر أمس الأربعاء، أصدرت وزارة العدل السورية تعميما تضمن عدم اتخاذ أي إجراء بحق الطبيب ومنها توقيفه بالجرم الذي يتصل بالمهنة، إلا بعد الاستعانة بخبرة طبية جماعية اختصاصية لتحديد سبب الوفاة، أو الإيذاء المنسوب إلى الطبيب في معرض قيامه بعمله ليصار على ضوء الخبرة اتخاذ الإجراء القانوني المناسب.

التعميم طلب من جميع القضاة وخاصة قضاة النيابة والتحقيق، مراعاة النصوص الخاصة في قانون التنظيم النقابي لنقابة الأطباء والمتعلقة في أصول ملاحقة أعضاء نقابة الأطباء بجرم يتصل بالمهنة، سواء لجهة إبلاغ النقابة أم لجهة حضور ممثل النقابة التحقيقات.

التعميم أشار إلى أن هذه الإجراءات جاءت باعتبار أن مهنة الطب من المهن الإنسانية الاجتماعية، غايتها وقاية ومعالجة المرضى من الأمراض، كما أن توقيف الطبيب بسبب أخطاء منسوبة إليه نتيجة ممارسة المهنة له تأثير على سمعته، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي وكذلك أيضا من منطلق الحرص على سمعته الطبية السامية وممارستها.

الجدير ذكره، أن تطبيق القانون يختلف في الواقع عن التداول الإعلامي لهذا القانون، ففي السنوات الأخيرة وقعت العديد من الأخطاء الطبية خلال علاج المرضى في سوريا، منها ما أدى للوفاة، ومنها ما تسبب بإعاقة دائمة أو مؤقتة للمرضى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.