في الوقت الذي تقترب فيه الانتخابات التركية من موعد إجرائها المقرر في الرابع عشر من الشهر المقبل، وبظل احتدام المواجهة الانتخابية بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ومعارضيه، تبرز أسئلة للواجهة عن ما وراء ذهاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باتجاه التحالف مع الأحزاب الصغيرة، في خطوة أثارت الكثير من التكهنات حولها.

إذ تشهد تركيا تصاعدا في الحراك السياسي، في ظل توافق تحالف المعارضة الرئيسي على ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية، وهي خطوة  يعتقد المعارضون أن من شأنها التقليل من حظوظ الرئيس التركي في الفوز بولاية جديدة.

هذه الحالة بدأت منذ أن أعلن أردوغان تقديم موعد الانتخابات، حيث انشغلت القوى السياسية بالتفرغ لحشد الصفوف، بينما فتح التحالف الحكومي الباب أمام بعض الأحزاب الصغيرة للانضمام وتشكيل جبهة أقوى في الانتخابات، لاسيما بعد ما أعلنه الرئيس التركي، رئيس حزب “العدالة والتنمية”، الشهر الماضي، “سنكتب قصة نجاح جديدة ضمن تحالف الجمهور مع أصدقائنا في التحالف ومع من سينضم إلينا حديثا”، في إشارة إلى جهود حزبه لضم عدد من الأحزاب.

 حزب أردوغان يستقطب الأطراف

أثناء ذلك، لم يدخر حزب “العدالة والتنمية” جهدا في البدء بمفاوضات مع عدد من الأحزاب الصغيرة، مقدما لها عروضا بالانضمام إلى “تحالف الجمهور” وخوض الانتخابات القادمة معا، ومن أبرز تلك الأحزاب؛ “الرفاه من جديد” بزعامة فاتح أربكان، نجل نجم الدين أربكان مؤسس تيار الإسلام السياسي في تركيا.

اقرأ/ي أيضا: بين ليبيا وتونس والجزائر.. أزمة المياه تنفجر حربا؟

في المقابل، قرر حزب “الدعوة الحرة” أو ما يعرف بالتركية بـ”هدى بار”، وهو حزب كردي ذو ميول إسلامية وقومية، الانضمام إلى تحالف “الجمهور” الذي يتزعمه أردوغان، بالإضافة إلى أحزاب أخرى قررت الالتحاق بالتحالف الذي بدى واضحا أنه يستعد لانتخابات مصيرية، تهدد وجوده المستمر على هرم السلطة منذ عقدين.

على هذا النحو، باتت خارطة تحالف “الجمهور”، تضم ستة أحزاب، وهي؛ حزب “العدالة والتنمية”، وحزب “الحركة القومي” بزعامة دولت بهجلي، وحزب “الوحدة الكبرى” بزعامة مصطفى دستجي، وحزب “الرفاه من جديد” بزعامة فاتح أربكان وريث الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس حركة “النظرة الوطنية”، وحزب “هدى بار” الذي ينشط في مناطق جنوب شرق تركيا، ومؤخرا انضم حزب “اليسار الديمقراطي” إلى التحالف.

ظاهريا، يروّج “العدالة والتنمية” حول حشد هذه الأحزاب الصغيرة في تحالفه، إلى أن ذلك يعود لاعتبارات سياسية ولتوجهات الأحزاب السياسية، والشرائح الاجتماعية التي تمثلها، حيث تمثل هذه الأحزاب الصغيرة شرائح اجتماعية ذات أهمية خاصة إضافية، كما هو حال حزب “هدى بار”، الذي يضم كتلة انتخابية كردية محافظة، وهو ما ينطبق على حزب “الرفاه الجديد” بقيادة فاتح أربكان، الذي يمثل حركة “مللي غوروش”، وهي حركة سياسية اجتماعية، ولها تأثير على الشارع المحافظ والشارع الإسلامي في الداخل التركي وفي بلاد المهجر.

لكن المعطيات تكشف خفايا أكثر واقعية، لاسيما بالنظر إلى الأحزاب التي حشدها أردوغان في تحالفه، فمنها “هدى بار”، وهو الحزب الكردي الذي يمثل شريحة الأكراد المتدينين، وينادي بحق الأكراد في تركيا، في الوقت الذي يدعو فيها تحالف “الجمهور” إلى القومية التركية لا غير، ما يفضح شعور حزب “العدالة والتنمية” بالخسارة المحتملة التي إذا ما حدثت فمن المحتمل بقوة ألا يكون هناك حزب يسمى “العدالة والتنمية” بعدها، الأمر الذي يكشف تضارب مبادئ التي يرفعها الحزب وتحالفه، ومدى تهاونه بها فقط من أجل الاستمرار بالسلطة.

كل ذلك، يأتي بحسب مراقبين، آملا في محاكاة الشارع التركي من خلال ممثليهم وواجهاتهم السياسية، في الوقت الذي يتنامى فيه شعور الرئيس التركي من خطر خسارة الانتخابات، وهي التي تعني أن الأحزاب التي شكّل معها تحالفا ستنشق عنه في أسرع وقت، كما أنه إذا خسر فإن سائر المؤسسات الحكومية التي ربطها بالنظام الرئاسي ستكون تحت سيطرة الرئيس الجديد، وبالتالي سيقع وحزبه تحت سلطة المعارضة.

عزل الأحزاب المعارضة

حول ذلك، أوضح الأكاديمي والباحث السياسي حيدر الجوراني، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يمتلك تجربة طويلة في آليتي عزل أو احتواء، معارضي حزبه “العدالة والتنمية” في تركيا، لذلك من المحتمل هو محاولته عزل الأحزاب الأخرى انتخابيا والتي تضم تنوع فكري وقومي كالتحالف السداسي والذي يبدو تحالفا منفتحا على أيديولوجيات سياسية مختلفة. 

مواطنون يصوتون في الانتخابات التركية/ إنترنت + وكالات

الجوراني لفت في حديثه لموقع “الحل نت”، أن ما يجري من قبل الرئيس التركي وحزبه الحاكم من حيث التحالفات والاستعدادات للانتخابات، أن حزبه “العدالة والتنمية” يحاول احتواء أحزاب لها تقاربات فكرية وأيديولوجية، ومن جانب آخر يسعى أردوغان لدخول الانتخابات المقبلة بهوية سياسية تبدو أقرب للصورة النمطية المتعارف عليها كإسلام سياسي حاكم في تركيا. 

اقرأ/ي أيضا: الصراع في السودان.. حسابات الخسارة والنتائج الكارثية؟

بالتالي، وبغض النظر عن حظوظ الأحزاب التي تحالفت مع حزب أردوغان، إلا أنها على الأرجح وجدت نفسها أمام تيارات وأحزاب بعيدة عن توجهاتها الفكرية والسياسية بالرغم من أنها تشترك كمعارضة للحزب الحاكم، وفقا للجوراني، الذي أشار إلى أن هذا ما وظّفه أردوغان في إعادة بناء تحالفه الذي قد يسهّل له عملية التحشيد الانتخابي بنزعة شعبوية تنسجم مع توجهات الهوية السياسية لحزبه الحاكم.

أردوغان الموجود في السلطة منذ 2003 كرئيس وزراء ثم كرئيس للجمهورية، طالما كان يعتمد في نجاحه حتى الآن على قدرته على حشد ما يكفي من الناخبين، إن كانوا علمانيين أو متدينين، أو أتراكا أو أكرادا وقوميين وليبراليين، وساعده ذلك في نجاحه بالانتخابات السابقة، بالإضافة إلى الازدهار الاقتصادي القوي في العقد الأول من حكمه، قبل أن يتراجع بشكل كبير بعد ما لحق بمحاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016 والأزمة الاقتصادية التي تبعته، الأمر الذي أثّر على شعبيته بشكل كبير.

نتيجة لذلك، تمكنت المعارضة في العام 2019 بعدما جمعت قواها، من الفوز برئاسة بلدية كل من أنقرة واسطنبول، واضعة حدا لأسطورة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، والذي لا يقهر، في حين كشفت نتائج دراسة نشرت منتصف العام الماضي، عن تراجع حاد في دعم حزب “العدالة والتنمية”.

فبحسب الدراسة، التي استندت على مشاركة 2700 شخص في 27 ولاية، متضمنة أسئلة للمشاركين عن الحزب السياسي الذي سيصوتون له حال انعقاد انتخابات برلمانية، فقد حصل حزب “العدالة والتنمية” على دعم 29.8 بالمئة من الناخبين، بينما حصل حزب “الشعب الجمهوري” على 29.5 بالمئة، وحزب “الشعوب الديمقراطي الكردي” على 10.3 بالمئة.

حظوظ الانتخابات بالأرقام

يضاف إلى ذلك، حزب “الحركة القومية” الذي حصل على 6.9. بالمئة، وحزب “الخير” على 13.2 بالمئة من الأصوات، وحزب “الديمقراطية والتقدم” على 2.3 بالمئة، وحزب “الرفاه من جديد” على 2.3 بالمئة، وحزب “الانتصار” على 1.8 بالمئة، وحزب “السعادة” على 1 بالمئة، وحزب “المستقبل” على 0.2 بالمئة من الأصوات، فيما حصلت الأحزاب الأخرى 1.9 بالمئة من الأصوات.

أيضا خلال الدراسة، وعن الإجابة على سؤال المشاركين عن ما إذا كانوا سيصوّتون لمصلحة الرئيس رجب طيب أردوغان حال ترشحه للانتخابات الرئاسية، أوضح 55.6 بالمئة من المشاركين أنهم لن يصوتوا لمصلحته، في حين أكد 31.9 بالمئة من المشاركين أنهم سيصوتون لمصلحة أردوغان، بينما أفاد 10.4 بالمئة من المشاركين أنهم قد يصوتون أو لا يصوتون، وذكر 2.1 بالمئة من المشاركين أنهم سيقاطعون الانتخابات.

إلى ذلك، وعن سؤال المشاركين عما إذا كانوا سيصوتون لمصلحة أردوغان، أم مرشح المعارضة حال انعقاد انتخابات رئاسية، فقد صوت 52.5 بالمئة من المشاركين لمصلحة مرشح المعارض، وكذلك سئل المشاركون عن المرشح الذي سيصوتون له حال عقد جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، وعليه حصد رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كليجدار أوغلو، أصوات 43.5 بالمئة من المشاركين.

بينما حصل أردوغان على 35.1 بالمئة من الأصوات مقابل مرشح المعارضة، فيما أكد 49.4 بالمئة من المشاركين أنهم سيصوتون لمصلحة عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، في حال إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بينه وبين أردوغان، بيد أن أوغلو كان قد منع بحسب حكم صدر بحقه في كانون الأول/ديسمبر 2022، يقضي بسجنه سنتين ونصف السنة والمنع من العمل السياسي، على خلفية ظهور تلفزيوني تجاوز فيه على من وصفهم بمن أبطلوا انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول في 2019.

بناء على ما تقدم، فإن خطوات الرئيس التركي وحزبه الحاكم يشعرون بخشية فقدان السلطة، ما لم يتم العمل على تقديم نموذج انتخابي يحاكي رغبات وتطلعات الجماهير، وذلك في الوقت الذي تلقى فيه المعارضة استحسانا كبيرا، وتعمل جاهدة على وضع حدّ لخساراتها أمام أردوغان وحزبه، مستفيدة من الحالة الاقتصادية السيئة التي تعيشها البلاد، والتي انعكست بشكل مباشر على حظوظ الرئيس التركي وحزبه، بوصفهم الطرف المسؤول عن ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات