بحذر وترقّب، يتابع اللاجئون السوريون في تركيا الأجواء السياسية قبيل الانتخابات الرئاسية للبلاد في 14 أيار/مايو القادم، حيث تأتي الانتخابات في ظل استمرار ملف التقارب مع الحكومة السورية، ووعود أبرز أحزاب المعارضة بترحيل السوريين في حال صعدت إلى الحكم بأقرب وقت ممكن.

هذه الملفات سيكون لها بالتأكيد الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة على السوريين في تركيا، ما يطرح التساؤلات حول مدى هذه الانعكاسات في حال استمرار حزب “العدالة والتنمية” في الحكم، أو فوز أحزاب المعارضة ووصولها إلى سدة الرئاسة، فما هي أبرز انعكاسات نتائج الانتخابات على السوريين في تركيا.

السوريون في تركيا يواجهون غموضا بشأن مستقبلهم بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، خاصة في ظل تحوّل ملف السوريين إلى ورقة تستخدمها الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم، لحشد الشارع وكسب مزيد من الأصوات، حيث يخشى السوريون من إجبارهم على العودة إلى المناطق غير الآمنة، في ظل إطلاق الأحزاب المعارضة لوعود تتعلق بهذه القضية، واتجاه الحكومة التركية إلى إجراءات وقرارات تسمح للسلطات بترحيل السوريين لأبسط الأسباب.

قلق سوري من نتائج الانتخابات

القلق السوري يأتي بالدرجة الأولى من تهديدات المعارضة، حيث سبق لزعيم المعارضة التركية ورئيس حزب “الشعب الجمهوري” كمال كليتشدار أوغلو، أن وعد بترحيل السوريين إلى بلادهم خلال عامين، حال نجاحه في تولي الرئاسة، كذلك فإن نجاح الحزب الحاكم على الجانب المقابل في الانتخابات سيعني استمرار ملف التطبيع مع دمشق، الأمر الذي قد يشكّل أيضا خطرا على السوريين في تركيا.

قضية اللاجئين السوريين تحولت مؤخرا إلى محور نقاش سياسي بارز في تركيا، لذلك فإن الأحزاب المتصارعة على الحكم، تستخدم هذا الملف بأقصى درجة للاستفادة منه خلال مشوارها للوصول إلى الحكم، ذلك في وقت يواجه نحو 4 ملايين سوري مصير مجهول حول مستقبلهم في البلاد.

الحقوقي والمهتم بقضايا اللاجئين طه الغازي، رأى أن خطر نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا على السوريين لا يقتصر فقط على فوز أحزاب المعارضة، خاصة في ظل السياسات التي تتبعها الحكومة بترحيل السوريين بشكل قسري والتضييق عليهم عبر القرارات الإدارية، مشيرا إلى أن ملف التطبيع مع دمشق يبدو أنه سيستمر بصرف النظر عمن سيفوز في الانتخابات القادمة.

قد يهمك: ضياع “حزب الله” وخيارته.. مصير مأساوي للبنان بعد مكاسب الحزب السياسية

الغازي قال في حديث مع “الحل نت”، “في حال فوز الحزب الحاكم في الانتخابات، فإنه من المرجح بقاء الأمر كما هو عليه، واستمرار سياسات الحكومة التركية بما يتعلق بقراراتها التعسفية التي تصدر باستمرار عن رئاسة الهجرة التابعة للحكومة، وقد شملت مؤخرا قرارات إدارية عديدة وبرنامج التخفيف وقرار إغلاق بعض الأحياء أمام الأجانب”.

بالتالي فإن فوز حزب “العدالة والتنمية”، يمكن أن يكون له تأثيرات باستمرار سياسة الإعادة القسرية التي باتت تفرض على السوريين سواء كان بمبررات قانونية أو غير قانونية كما يحصل في العديد من المدن التركية، حيث وثقت المنظمات الحقوقية خلال السنوات القليلة الماضية ترحيل آلاف السوريين بشكل قسري إلى بلادهم بينهم عائلات تم ترحيلها بأكملها نحو سوريا.

حول ذلك أضاف الغازي، “سيستمر التضييق على السوريين من جانب الحكومة التركية كما اشار الرئيس التركي العام الماضي، عندما أعلن عن مشروع الحكومة بإعادة مليون لاجئ سوري موجودين في تركيا إلى الشمال السوري، كذلك تصريح وزير الدفاع بعد الزلزال أشار أنه عدد اللاجئين الذين عادوا طوعيا بات يناهز 52 ألف، علما أنه العودة ليست طوعية، المرحلة القادمة سيكون فيها استمرارية لترحيل اللاجئين وإصدار قرارات إدارية للتضييق عليهم”.

أما ملف التطبيع وعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، سيستمر بصرف النظر عن الجهة التي ستفوز في الانتخابات الرئاسية، حيث قرار التطبيع تم اتخاذه من قبل الدولة التركية بغض النظر عن صراع الأحزاب، خاصة بعد تأكيد وزير الخارجية التركي اجتماع وزراء الخارجية للدول الأربعة.

طه الغازي لـ”الحل نت”.

في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع التركي، فإن البيئة أصبحت خصبة لتحميل جزء من مسؤولية الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على اللاجئين السوريين، وبالتالي هرب الحكومة والجهات المعنية من المسؤولية، وإطلاق وعود تتعلق بإزالة السبب ما يعني ترحيل اللاجئين السوريين وغير السوريين من الأراضي التركية.

خيار أنسب من آخر؟

بحسب مختصين بالشأن التركي، فإنه لا يوجد خيار أفضل من آخر للسوريين بين الأحزاب المتصارعة على الحكم، فرغم إعلان أبرز أحزاب المعارضة إدراج ترحيل السوريين على رأس برنامجها الانتخابي، فإن الحزب الحاكم كذلك اتخذ سياسة التضييق على السوريين لإجبارهم على الرحيل، أو ترحيلهم قسرا عبر مراكز الترحيل التي أنشأها خلال السنوات الماضية.

لذلك فإن الرأي الشائع بأن فوز حزب “العدالة والتنمية” هو الخيار الأنسب والأفضل للسوريين في تركيا، قد لا يبدو صحيحا، تزامنا مع القرارات المختلفة التي اتخذتها الحكومة التركية للتضييق على السوريين في أراضيها، إضافة إلى أن مُضي أردوغان وحزبه قدما في العلاقات مع دمشق، قد يشكل خطرا على السوريين في تركيا أكثر من الترحيل، خاصة في ظل الحديث عن إمكانية عقد اتفاق أمني يسمح لدمشق بالمطالبة بالسوريين المطلوبين للأفرع الأمنية، وهنا نتحدث عن اتفاق قد يتم في خلال السنوات القادمة في حال تطورت العلاقات بين الجانبين.

هذا فضلا عن تأكيد محللين سياسيين مختصين في الشأن التركي، بأن تصريحات كمال كليتشدار أوغلو بترحيل السوريين إلى بلادهم بعد عامين من نجاحه في تولي الرئاسة ليست واقعية، حيث ترتبط عودة السوريين إلى بلادهم دوليا بتحقيق العديد من الشروط أبرزها الضمانات الأمنية، وتحقيق عملية انتقال سياسي وفق القرار الأممي 2254، وجميع ما سابق لا يتوفر حاليا في سوريا لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.

ماذا عن ملف التطبيع؟

من ملامح إصرار الحكومة التركية على المضي قُدما بهذا الملف، إعلان وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو الاثنين، أن الاجتماع الرباعي بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا وسوريا سيتم عقده في موسكو، مطلع الشهر المقبل أي قبل موعد الانتخابات، وذلك تمهيدا للقاء قادة الدول الأربع في مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

بعض المختصين في الشأن التركي، يرون أنه يجب على السوريين البقاء على مسافة واحدة من الأحزاب السياسية في تركيا، حيث أن الميل باتجاه أحد الأطراف قد يؤدي باستعداء الطرف الآخر، خاصة في ظل توسع المعارضة خلال السنوات القليلة الماضية، وتشكيلها ما يقارب نصف المجتمع التركي.

فالحكومة التركية لم تختلف بسياساتها مؤخرا عن الوعود التي قدمتها بعض أحزاب المعارضة حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وقد أعلن أردوغان في شهر أيار/مايو الماضي عن إعادة مليون لاجئ سوري، وصدرت قرارات من إدارة الهجرة بما يتعلق بهذه القضية، وتم إغلاق بعض الأحياء بوجه السوريين، وفرض بعض القيود الإدارية، علاوة على الكثير من القرارات التعسفية بحق السوريين لإجبارهم على العودة. 

جميع هذه القرارات صدرت من إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية وبتسهيل كامل من السلطة، وبالتالي ما تتحدث عنه المعارضة تتجه السلطة ذاتها لتنفيذه، كما تسعى منذ أشهر للمضي قدما في ملف التطبيع مع الرئيس السوري، وقد طلبت مساعدة الجانب الروسي للتقدم في هذا الملف.

مما سبق فإنه لا يبدو أن هناك حزبا سيكون الخيار الأفضل من الآخر بالنسبة للسوريين المقيمين في تركيا، فالمعارضة هي الأخرى منقسمة في ملف اللاجئين السوريين، وهناك العديد من أحزاب المعارضة التي لا تدعم بشدة عمليات الترحيل القسري للسوريين، كذلك هناك شخصيات من المتحالفين مع أردوغان يدعمون سياسات تؤدي إلى عودة السوريين لبلادهم، ما يعني عدم وجود تغيير جذري بمصير اللاجئين بناء على الانتخابات القادمة حسب المعطيات الحالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات