في أيار/مايو من عام 2000، انسحبت القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، وانتهى الوجود الإسرائيلي الذي بُني على أساسه تأسيس “حزب الله”، حيث يعود ظهوره الأول إلى ثمانينيات القرن الماضي كحركة مقاومة إسلامية تابعة لإيران ضد إسرائيل، وتطورت منذ ذلك الوقت إلى قوة سياسية وعسكرية قوية داخل لبنان.

مع انتهاء الوجود الإسرائيلي كان لا بد لـ”حزب الله” البحث عن أسباب لاستمرار وجوده في لبنان، فأصبح يتدخل في سياسة البلاد وينفّذ الأجندة الإيرانية، كما عمل على الانفراد فيما يُعرف بـ”ساحة المقاومة” واستبعد حركات المقاومة الوطنية، وتجاهل جميع المطالب المتعلقة بسحب سلاح مجموعات الحزب وتسليمه للدولة اللبنانية.

تصرفات “حزب الله” كانت على مدار العقود الماضية، موضع الكثير من الجدل والنقد، سواء داخل لبنان أو على الصعيد الدولي، خاصة في ظل ابتعاده عن الأهداف التي أُعلن عنها خلال تأسيسه، وتمسّكه بالسلاح وتدخله بالسياسة اللبنانية وسعيه المستمر للوصول إلى هرم السلطة في البلاد، الأمر الذي أدى بالبعض إلى وصفه بـ”منظمة إرهابية ضالعة في أعمال عنف وإرهاب”، بينما بقي يروّج بأنه “حركة مقاومة مشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي”.

معارضة “حزب الله”

معارضة “حزب الله”، جاءت من مجموعات مختلفة في لبنان، منهم من لديهم معتقدات سياسية وعقائدية مختلفة بالتالي الاختلاف هنا على الأجندات الدينية والأيديولوجية، ومنهم من يرى أن نشاطات الحزب أضرت كثيرا بلبنان ودورها كدولة على الصعيد الإقليمي لا سيما الأنشطة العسكرية، كتدخّله في الحرب السورية وتحركه وفقا للأجندات الإيرانية، ما أثار مخاوف حتى داخل قاعدته الشيعية التي بدأت تخشى من تداعيات سياسة الحزب الخطيرة داخليا.

هذه النشاطات يعني أن الحزب ابتعد بشكل كبير عن الهدف الأساسي له وهو “مجابهة إسرائيل”، ولم يتبقى من هذا الهدف سوى الخطابات والشعارات الرنانة، فركّز الحزب على السلطة منذ دخوله “البرلمان” في تسعينيات القرن الماضية، حتى أنه مؤخرا أعلن دعم ترشيح حليفه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في لبنان، الأمر الذي قد يكون له تداعيات سلبية على لبنان داخليا، ما يعني أن “حزب الله” بسبب تدخلاته أضاع خياراته، وانتقل الحزب من حركة مقاومة ثورية إلى مرحلة الدولة التي تنفي المقاومة.

قد يهمك: الفصل الجديد في العلاقات بين الرياض ودمشق.. ملامح النجاح والفشل

الباحث السياسي عفيف أسامة، رأى أن “حزب الله” جعل من العديد من القضايا ذرائع لاستمرار في حمل السلاح، بهدف السيطرة على لبنان وجعله ورقة بيد النظام الإيراني، عبر “البرلمان” و”الحكومة”، وفرض قراراته بالقوة على الكيان اللبناني، مشيرا إلى أن العديد من المحطات أثبتت أن الحزب لا علاقة له بمقاومة الاحتلال أبرزها التدخل بقوة لمساندة حكومة دمشق في مواجهة معارضيها.

ملامح تحول الحزب لميليشيا

أسامة قال في حديث مع “الحل نت”، “حزب الله تجاهل جميع مطالب سحب السلاح من مجموعاته بعد خروج إسرائيل، وأصر على التدخل في الحياة السياسية في لبنان، وكانت حجة مزارع شبعا هي الأبرز التي تقع على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان، ورفضت حكومة دمشق ترسيم الحدود مع لبنان لإبقاء هذه الذريعة بيد حزب الله للحفاظ على سلاحه الذي سيتحول إلى سلاح ميليشياتي وبعدها دخل الحزب في السياسة اللبنانية عبر البرلمان والحكومة اللبنانية حيث بدأ يفرض قراراته على الكيان اللبناني بالسياسة تارة وبالسلاح الإيراني تارة أخرى”.

من أبرز ملامح تحول “حزب الله” إلى ميليشيا تستخدم السلاح للتدخل في السلطة، كانت عمليات الاغتيال التي حصلت بعد فوز القوى المعارضة للحزب، بالأكثرية النيابية، حيث تلتها عمليات اغتيال ممنهجة لمعارضي “حزب الله” وسلاحه في لبنان من شخصيات سياسية وإعلامية.

في السابع من أيار/مايو عام 2007 ، طالبت حكومة “الـ 14 من آذار”، بنزع شبكة اتصالات خاصة بـ”حزب الله”، فشنّ الأخيرة حملة عسكرية سيطر خلالها على العاصمة اللبنانية بيروت، وأقفل القنوات التلفزيونية المعارضة له، الحدث الذي وصفه أسامة بـ”وقوع بيروت تحت الاحتلال الإيراني بوكالة حزب الله”.

منذ ذلك الوقت أصبح سلاح “حزب الله” مشرعنا بطريقة أو بأخرى، وكأنه تحول إلى أمر واقع، وتم فرض ما سميت بـ”الديمقراطية التوافقية”، وبها أصبح “حزب الله” يستطيع تعطيل أي قرار لا يناسبه قد يصدر عن الحكومة اللبنانية وهنا بات “حزب الله” اللاعب الأبرز بالسياسة في لبنان، ومن خلفه إيران.

منذ ذلك الوقت ركز “حزب الله” على التدخل في الحياة السياسية بلبنان، وأصبح يتحدث باسم لبنان في إطار تعليقه على أي حدث إقليمي أو دولي، أما داخليا فنظرا لتمتعه بجناح عسكري وقوة، فإنه يفرض إرادته السياسية على باقي الأطراف، وهنا أضاف الباحث السياسي، “وهكذا نجحت إيران بالسيطرة على لبنان عبر حزب الله وجعل هذه الدولة مجرد ورقة ضغط في المفاوضات الإيرانية الأميركية، عبر التهديد بالحرب على إسرائيل وإشعال جبهة الجنوب اللبناني الملاصق للشمال الاسرائيلي والشاهد في كل ما سلف قول قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآاني، في ذكرى مقتل سلفه قاسم سليماني، بأن حزب الله سيوجه الضربة الاخيرة والقاضية لإسرائيل”.

بالتالي فإن ما وصل إليه “حزب الله” بتحوله إلى ذراع إيران الأول في المنطقة، يفسر هذا الإصرار من قبل قيادة الحزب على التدخل في المشهد السياسي اللبناني، فضلا عن وجود قواته العسكرية في منافذها الجوية والبرية والبحرية، بالطبع فإن ذلك يقدم العديد من الخدمات لإيران.

وللعلم فإن “حزب الله” كان في تلك الفترة يتمتع بسمعة جيدة على الصعيد العربي، وذلك بسبب شعارات المقاومة التي يتبناها، وكان له تأييد شعبي كما رفض واسع في لبنان، كذلك في الدول العربية استمر “حزب الله” لسنوات رمزا لمقاومة القوات الإسرائيلية والاحتلال، لكن الزمن كان كافيا لكشف أوراق الحزب أمام الشعوب العربية التي غيّرت في معظمها نظرته للحزب، خاصة خلال السنوات العشر الماضية.

تدخله في سوريا واليمن

ولعل أبرز ما ساهم في ذلك، تدخل الحزب في الأحداث السورية إلى جانب حكومة دمشق، بعدما بدأت الاحتجاجات في سوريا ضد النظام الحاكم في ربيع 2011، وتدخله في أحداث اليمن دعما لـ “الحوثيين”، وبعد تدخل ميليشيا “حزب الله” إلى جانب القوات السورية كميليشيا تابعة لإيران، أصبح حديث الشعوب العربية مختلف عن “حزب الله” ودوره في المنطقة.

كذلك فإن التدخل العسكري للحزب في سوريا، كان له من التبعات السلبية على لبنان حكومة وشعبا، خاصة وأن الحزب يمثل بطريقة أو بأخرى لبنان، وأصبح موجود في سوريا لمساندة حكومة تواجه معارضيها، وقد ارتفعت الأصوات في لبنان من حينها مطالبة على الأقل بحياد لبنان.

كذلك فإن سياسة “حزب الله” جعلت من الدعم العربي يتراجع في لبنان، في وقت لا تقوى فيه حكومة لبنان على إيقاف الحزب أو نزع سلاحه، ورغم خسارة الحزب للأكثرية النيابية العام الماضي، لم يطرأ هذا التأثير على المشهد السياسي في لبنان، حيث بقي “حزب الله” صاحب الكلمة العليا مع حلفائه بسبب سطوة السلاح.

على الرغم من هذه المعارضة الشديدة لـ”حزب الله” في لبنان، إلا أنه وحتى يومنا هذا يمتلك حاضنة شعبية واسعة في البلاد، وهناك عدة عوامل برأي أسامة ساهمت باستمرار هذه الشعبية أبرزها النهج الأيديولوجي الديني الذي يتبعه الحزب فهو يمين شيعي متشدد، وقد استغل النظام السائد على أسس الطائفية في لبنان لجمع حاضنته الشعبية.

هل يتخلص لبنان من “حزب الله”؟

هنا زاد أسامة قائلا، “في لبنان كل مجموعة دينية تحمي نفسها من الأخرى عبر التشدد في المواقف. استطاعت هذه الميليشيا التسويق لخياراتها كل على حدى، ففي المسألة السورية دمجت بين الدّين والعواطف فكانت الحجة في البداية دينية عندما قال حزب الله أنه تدخل لحماية المقامات الدينية الشيعية في سوريا، ومن ثم بعد بروز داعش وتمدده في سوريا خدمة للنظام كانت الحجة انه يحمي لبنان من داعش الذي لولاه ولولا تضحياته لكانت داعش وصلت إلى كافة الأراضي اللبنانية”.

وفي المسألة اليمنية أوهم الحزب جمهوره بأنه يتدخل انتصارا للأطفال الجوعى لاعبا على العاطفة، وتجلى ذلك بظهور رئيس كتلة “حزب الله” النيابية باكيا على المنبر لأجل ما سماه المظلومين في اليمن، متناسيا ما فعلته ميليشياته من قتل وتشريد بحق الشعب السوري بالنتيجة الحاضنة الشعبية داعمة بشكل دائم لأنها مأسورة عاطفيا ودينيا، بحسب أسامة.

“حزب الله” تحول مؤخرا إلى عبئ ثقيل على لبنان، البلد الصغير المنهار اقتصاديا، لكن معارضي الحزب باتوا يعلمون أنه يستقوي بسلاحه، لذلك فإن الساسة اللبنانيون يحتاجون ربما للتّوحد في رؤيتهم إزاء هذه الميليشيات، خاصة وأن “حزب الله” لديه حلفاء سياسيون في لبنان وهم متوحدون على رؤية واحد لبقاء سلطة الأمر الواقع في البلاد.

عن أفضل الطرق لمواجهة هذه الميليشيات في البلاد، قال أسامة “كي يستفيد معارضو هذه الميليشيا في لبنان لمواجهتها والعودة إلى منطق الدولة، عليهم توحيد الرؤية والتوحّد وإلا رغم كل العثرات التي وقع بها حزب الله، قد يفرض رئيس يحمي سلاحه كما حصل مع وصول الرئيس اللبناني ميشال عون، إلى سدة الرئاسة، بالتالي تمديد الأزمة ست سنوات إضافية واستفادة الميليشيا الإيرانية في لبنان من الوضع الحالي”.

ونتيجة لاعتماد “حزب الله” على التوجه الديني لإبقاء حاضنته الشعبية، فإنه يتجه باستمرار إلى إحكام القبضة على الساحة الشيعية في لبنان، فالورقة الطائفية هي الورقة الأبرز التي بيده، وهنا نلاحظ عند كل مرحلة تتصاعد فيه الانتقادات إزاء الحزب، يخرج مسؤولوه ويحوّلون هذه الانتقادات لمخاوف يوجّهونها لأبناء الطائفة الشيعية، وذلك لزيادة مخاوفهم وجعل مصيرهم مرتبط بهذه الميليشيا.

لا يبدو أن لبنان جاهز حاليا للتخلص من هذا العبء الثقيل المسمى “حزب الله”، لكنه من المؤكد أن الحزب أصبح بعيدا جدا عن الأهداف التي أطلقها عند تأسيسه من شعارات مرتبطة بمقاومة إسرائيل، فتحول إلى أداة إيرانية مسلحة، تتحرك بأوامر من طهران لتنفيذ مصالحها الإقليمية، بصرف النظر عن مصلحة لبنان واللبنانيين، فيما يبدو أن إبعاد الحزب عن المشهد السياسي في لبنان، بحاجة أولا إلى تضافر جهود السياسيين للعمل ربما خطوة بخطوة نحو هذا الهدف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.