منذ تأسيس “حزب الله” اللبناني في ثمانينيات القرن الماضي، أكدت قيادة الحزب في أدبياتها التزامها بنظرية ولاية الفقيه التي وضع أساسها آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1971، كجزء من مبادئ الحزب وأيديولوجيته، لكن التحالفات التي بناها “الحزب” منذ تأسيسه طرحت تساؤلات عديدة حول التزام قيادة “الحزب” في المبادئ التي أعلنت عنها ومدى تقاطع هذه المبادئ مع مبادئ حلفائها.

لـ “حزب الله” تاريخ طويل في تشكيل تحالفات وشراكات مع حكومات وجماعات يرى أنها تتماشى مع أهدافه، بما في ذلك الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بمقاومة إسرائيل في الأراضي اللبنانية ومعارضة النفوذ الغربي في المنطقة، وعلى مدار العقود الماضية كانت الحكومة السورية من أبرز حلفاء “الحزب”، رغم اختلاف الجانبين في الأيديولوجيا والمبادئ، إلا أن المصالح الاستراتيجية جمعتهما لعشرات السنوات.

نجاح “حزب الله” في اقتحام الحياة السياسية في لبنان، وتحالفه مع القيادة السورية، طرحت العديد من التساؤلات حول اتجاه “حزب الله” إلى وضع أهدافه الاستراتيجية كأولوية له بعيدا عن الأيدولوجية والمبادئ التي تأسس عليها، ذلك ترافق مع تعرضه لاتهامات باستخدام عواطف جماهيره الشيعية لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، التي تخدم كذلك الداعم الأكبر له منذ تأسيسه وهو الجانب الإيراني.

“حزب الله” واستغلال الطائفية

“حزب الله” سخر الوضع الداخلي بلبنان، واستفاد من الاختلافات الطائفية في البلد، ليتمكن من قيادة “شيعة لبنان” بحجة مقاومة إسرائيل، ويكون لاعبا بارزا على الصعيد الإقليمي في المنطقة لعشرات السنوات، فأصبح بذلك أيضا اللاعب شبه الأوحد عند شيعة لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية مطلع تسعينيات القرن الماضي.

قيادة “الحزب” سخرت المبادئ التي أعلنت عنها منذ التأسيس لتجميع شيعة لبنان حولها، وتستخدم هؤلاء الناس فيما بعد، لخدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، كذلك فقد سخّر “الحزب” حياة مناصريه إلى أبعد من ذلك حتى وصل به الأمر إلى جعل مناصريه يخدمون مصالح حلفائه، الذين يشتركون معه بنفس الأهداف الاستراتيجية والإقليمية.

الباحث السياسي عفيف أسامة، رأى أن “حزب الله” اللبناني، بنى علاقاته وتحالفاته الداخلية والخارجية، تبعا لمصالحه الاستراتيجية بعيدا عن أية مبادئ أساسية في “الحزب” أو الأيديولوجية التي أغرى بها أنصاره داخليا، حيث أنه حزب عقائدي وتم تأسيسه على هذا الأساس، مشيرا إلى أن ولاء “الحزب” الكبير لحلفائه أفقده في عديد من المراحل شعبيته داخليا وعربيا، لا سيما فيما يتعلق بمساندته للقيادة السورية تحقيقا للمصالح المشتركة مع إيران فيما يتعلق بالوضع الإقليمي في الشرق الأوسط.

قد يهمك: ضياع “حزب الله” وخيارته.. مصير مأساوي للبنان بعد مكاسب الحزب السياسية

أسامة قال في حديث مع “الحل نت”، “حزب الله بنى تحالفاته من خلال النظر لأهدافه الإقليمية، وقد استفاد من الأوضاع الداخلية اللبنانية لخدمة مصالحه في الإقليم، وأصبح اللاعب شبه الأوحد عند شيعة لبنان، بعدما كانت حركة أمل تدير الساحة الشيعية طوال فترة الحرب الأهلية في لبنان”.

كذلك فإن الممارسات الميليشياوية لمجموعة حركة “أمل” بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ساعدت الحزب على تقديم نفسه كبديل ضمن الساحة الشيعية كجماعة ملتزمة دينيا، ونجح في انتقال جزء كبير من شيعة لبنان، من المرجعية الشيعية في العراق التي تمثلها حركة “أمل” إلى المرجعية الشيعية في إيران عبر “حزب الله”، فضلا عن الدعم العسكري اللا محدود والمتزايد الذي حظي به “حزب الله” من إيران، هذا كله ألقى بظلاله على التحالفات الخارجية لاسيما اللاعب الأبرز في السياسة اللبنانية لعقود وهو الجانب السوري.

لدى “حزب الله” دور أساسي في الشرق الأوسط في تأسيس ما يسمى بـ”الهلال الشيعي”، وحول ذلك أوضح أسامة أن “العقيدة في ذلك هي الأساس، ومن هنا رأينا تحالف الحزب مع الحوثيين ومع ما يسمى بالمعارضة الشيعية في البحرين، ومن ثم كل ما يمكن أن يخدم هذا المشروع كتقاربه مع حماس تحت حجة مقاومة الاحتلال، والنظام السوري كحليف استراتيجي حتى لو مؤقت في سبيل الوصول لهدفه، وداخليا كان بحاجة لغطاء مسيحي فقام بما يسمى اتفاق مار مخايل وأخذ الغطاء المسيحي لوجوده وسلاحه من التيار العوني مقابل إيصال ميشال عون لسدة الرئاسة”.

لكن “حزب الله” لم يكن ليجعل مبادئ عقيدته والأيديولوجيا أولوية له، فكانت الأهداف الاستراتيجية وأهداف داعميه هي الأولوية الأولى في علاقته مع الحكومات والجماعات المختلفة في الشرق الأوسط.

العلاقة بين الحزب وحليفته دمشق

العلاقة بين “حزب الله” ودمشق، بنُيت على أساس تقاطع المصالح الاستراتيجية، لا سيما فيما يتعلق بإبعاد النفوذ الغربي عن المنطقة، ولذلك فإن هذه العلاقة مرت بمطبات عديدة خلال العقود الماضية، بسبب تباعد المصالح في بعض المراحل الزمنية، خاصة وأن الجانبين يختلفان كثيرا في المبادئ والأيديولوجيا.

منذ توقيع “اتفاق الطائف” عام 1989، والذي رسخ الدور السوري في لبنان، أصبح تحالف دمشق و”حزب الله” بمثابة أمر واقع، وهنا استشهد أسامة بما جرى قبل الاتفاق “عندما شكل  الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد غطاء لرجال دين إيرانيين بمواجهة نظام الشاه، لدرجة إعطاء عدد منهم جوازات سفر سورية، وهذا ليس مستغرب طبعا لأن الأسد الأب أتى من خلفية علوية تتماهى مع الخلفية الشيعية في المنطقة من مبدأ أن كلاهما أقليات، وهنا بدأ التقارب إلى أن نجحت الثورة الاسلامية بالانقلاب على نظام الشاه”.

العلاقات بين دمشق و”حزب الله” مرت بمطبات عديدة، بسبب الخلاف الفكري والعقائدي، وتصاعدت حدة هذه الخلافات كلما تجاوز أحد طرفي الميزان الخطوط الحمراء الخاصة به، فمثلا عندما بدأ “حزب الله” عملياته العسكرية في لبنان على نمط السياسة الثورية الإيرانية التي تمثلت بعمليات إرهابية استهدفت غربيين عبر خطفهم، مثل ذلك المطب الأول في العلاقة بين “حزب الله” والحكومة السورية حيث أصبحت عمليات “حزب الله” تحرج دمشق دوليا وبات “الحزب” الرقم الأول في لبنان على حساب الحليف التقليدي لسوريا حركة “أمل” الشيعية.

كذلك في عام 1987 عمدت القوات السورية، إلى قتل عناصر من “حزب الله” في واقعة “ثكنة فتح الله” الشهيرة، “وبعدها استعرت حرب الشوارع بين حزب الله ومن خلفه إيران وحركة أمل ومن خلفها النظام السوري، إلى أن حدث اتفاق سوري إيراني في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1990، أسفر عن انتهاء القتال بين الفصائل الشيعية وتسليم دمشق للواقع الجديد الذي فرضته إيران عبر حزب الله، بعدها ساهم النظام السوري بإطلاق الرهائن الغربيين المختطفين من قبل حزب الله، وبذلك قدمت دمشق أوراق اعتماد جديدة للمجتمع الدولي تزامن ذلك مع اتفاق الطائف الذي ثبت الدور السوري في لبنان وهكذا رسمت الخطوط الحمر بين الطرفين السوري والايراني”. بحسب ما أوضح أسامه في حديثه.

تأثير تحالفه مع دمشق

لاحقا دفع “حزب الله” ثمن هذا التحالف البعيد عن مبادئه وأيديولوجيته، لا سيما عندما دخلت الحكومة السورية في مواجهة مع معارضيها منذ آذار/مارس 2011، فقد أدت مساندة “الحزب” للقوات السورية، إلى خسارة “حزب الله” لشعبيته العربية، الناتجة عن شعارات مقاومة الاحتلال الإسرائيلية، كما بدأت أصوات شيعية تنتقد سياسة الحزب فيما يتعلق بخدمة الحلفاء.

حول ذلك أضاف الباحث السياسي، “للهروب من هذا المأزق تقوقع الحزب وتمترس خلف ساحته الشيعية، التي باتت مصدر شرعيته الوحيد فتجاوز حزب الله خسائره البشرية الكثيرة في سوريا عاطفيا عبر التموضع الطائفي، وماديا عبر زيادة التقديمات لعناصره وعوائلهم”.

لكن من ناحية أخرى ظهرت في الساحة الشيعية أصوات معارضة تعامل معها “حزب الله” بالقوة، وهنا نستذكر اغتيال الناشط الشيعي لقمان سليم، بالتالي “حزب الله” لازال ممسكا بساحته ونتائج الانتخابات النيابية 2022 أكبر دليل على ذلك، لكن في حال توقف النظام الإيراني عن دعم “حزب الله” أو سقوطه أو حدوث حرب طاحنة بين الحزب وإسرائيل تكون نتائجها ليست لصالح الحزب عندها سيبدأ بالاندثار وهذا كله رهن التغيرات الاقليمية التي قد تحدث.

“مساندة حزب الله للحكومة السورية، لا علاقة لها أبدا بالاشتراك في المبادئ والأسس العقائدية، فبقاء الحكم في سوريا كما هو، يخدم مصالح حزب الله الاستراتيجية في المنطقة، خاصة وأن الحزب يستخدم الأراضي السورية ساحة لتهريب السلاح والتجارات غير المشروعة كتجارة المخدرات، مقابل مساندة القوات السورية، ومع الوقت ستتصاعد المناكفات بين النظام السوري وحزب الله بسبب تمدد ميليشيات الحزب أكثر من اللازم”.

عفيف أسامة لـ”الحل نت”.

من الواضح أن “حزب الله” لم يكن مهتما بمبادئه الأيديولوجية، التي يستخدمها فقط لحشد ولاء الفئة الشيعية في لبنان، ومن ثم يستخدم هذه الموارد البشرية، لخدمة الحلفاء في المنطقة تحقيقا للمصالح الاستراتيجية، ومصالح داعمه الأبرز في طهران، هذا فضلا عن همّه الأول في حماية سلاحه ولعب دور سياسي وقيادي فعّال في المعادلة اللبنانية، لاستخدام القرار اللبناني وتمرير المصالح الإقليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات