على مدار السنوات القليلة الماضية، كان ملف اللاجئين السوريين في تركيا الورقة الأبرز في يد الأحزاب السياسية المتصارعة على السلطة، حيث أخذت شخصيات من المعارضة التركية تعد بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، سعيا منها لكسب أصوات المواطنين الأتراك الرافضين للوجود السوري في البلاد.

في هذه الأثناء كانت وسائل الإعلام التابعة للحزب الحاكم، كثيرا ما تنشر تصريحات بعض شخصيات المعارضة لتخويف السوريين من مغبة استلام أحزاب المعارضة للسلطة، شاركتها في ذلك معظم وسائل الإعلام السورية العاملة في تركيا، التي تبنت وجهة نظره، حتى تكوّنت فكرة عند معظم السوريين بأن قدوم المعارضة التركية إلى الحكم سيعود بالضرر الكبير عليهم ويهدد وجودهم في البلاد.

لكن في المقابل فإن الحكومة التركية اتجهت خلال السنوات الأخيرة، إلى تنفيذ معظم الوعود التي أطلقتها شخصيات في المعارضة فيما يخص ملف اللاجئين السوريين، فأخذت تصدر القرارات للتضييق عليهم، وتخلق الحجج لترحيل الآلاف منهم بشكل دوري، في وقت بدأت بعض أحزاب المعارضة تعلن أن برنامجها الانتخابي لن يتضمن إجراءات لاضطهاد اللاجئين أو إعادتهم قسرا، فهل عمدت السلطة التركية إلى جانب مؤسسات المعارضة على نقل معلومات مغلوطة عن المعارضة التركية للشارع السوري.

حزب معارض بصف اللاجئين

حزب “اليسار الأخضر” التركي المعارض، أعلن مؤخرا عن برنامجه الانتخابي تحت شعار “نحن هنا، معا للتغير”، وهو حزب سيدخل الانتخابات القادمة في قائمة موحدة مع حزب الشعوب الديمقراطية، وقد قدم في برنامجه الانتخابي رؤيته حول ملف اللاجئين السوريين في تركيا وسياسة الهجرة ومراكز الترحيل، وأكد أن برنامجه يتضمن مناهضة خطاب الكراهية والتمييز العنصري ضد اللاجئين والدفاع عن الحق في الحياة لكل من يعيش في تركيا، وذلك في ظل مبادئ المساواة والتعايش المشترك.

الحقوقي والمهتم بقضايا اللاجئين طه الغازي، أوضح أن الصورة النمطية عن أحزاب المعارضة التركية بأن جميعها مناهض للوجود السوري في تركيا ويسعى لإنهاء هذا الوجود، هي صورة مغلوطة ساهمت بنقلها مؤسسات المعارضة السورية وبعض وسائل الإعلام السورية العاملة في تركيا، مشيرا إلى أن الحزب الحاكم في تركيا هو من أبرز الجهات التي تاجرت بملف اللاجئين السوريين على المستوى المحلي والدولي.

الغازي قال في حديث مع “الحل نت”، “المعارضة التركية هي عبارة عن تحالفين، الأول هو ما يُعرف باسم تحالف الطاولة السداسية الذي يضم حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب المستقبل، ومؤخرا أعلن رئيس حزب المستقبل في البرنامج الانتخابي أنه ضد إعادة اللاجئين السوريين بشكل قسري، إلا إذا توفرت الشروط الملائمة، والشروط الملائمة بالنسبة للحزب تعتمد على القرار الأممي 2254 أي تحقيق عملية انتقال سياسي وهذا غير متوفر حاليا في سوريا”.

قد يهمك: شراكات مزيفة.. التحالفات البراغماتية لـ“حزب الله” مصلحة وليست أيديولوجيا

في تحالف الطاولة السداسية، ما زال حزب “المستقبل” كذلك هو الحزب الوحيد الرافض لعمليات التواصل مع الحكومة السورية والتطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد، ونحن هنا نتحدث عن حزب موجود في أكبر تجمع لأحزاب المعارضة التركية، وقد تسبب هذا الحزب بخلافات كبيرة بين المتحالفين نتيجة موقفه من التطبيع مع دمشق.

كذلك أوضح الغازي مواقف أحزاب هذا التحالف من القضية السورية، قائلا “حزب المستقبل مؤيد لقضايا اللاجئين السوريين في تركيا مع دمجهم بالمجتمع التركي وضد فكرة إعادتهم بشكل قسري طالما النظام السوري موجود وضد تطبيع العلاقات مع دمشق، حزب ديفا بارتي أيضا هو مع قضايا اللاجئين بما يتوافق مع القرارات الدولية، بما يتعلق بإعادتهم طرح الحزب أن هذا يتوقف على تحقيق البيئة الآمنة والشروط الآمنة، حتى تصريح كمال كليجدار أوغلو بأنه سيعيد اللاجئين السوريين أرفقها بعبارة الطبل والزمر وتعني باللغة العامية التركية بالأفراح، يعني لن يكون هناك إجبار”.

ترويج لأفكار مغلوطة

الترويج لفكرة أن أحزاب المعارضة جميعها ضد اللاجئين السوريين، وبأنها “بعبع” يخيف اللاجئ السوري، هي فكرة مغلوطة تولدت من طريقة تعاطي معظم وسائل الإعلام السورية المعارضة، مع أخبار السياسة الداخلية التركية، والصراعات السياسية في تركيا، فضلا عن دعم السلطة التركية لهذا التوجه.

البعض من هذه الوسائل الإعلامية والكوادر الصحفية السورية ابتعدت عن الحيادية في ميدان الخبر ونقله، وغدت أداة جندت نفسها لصالح السلطة، وباتت تقدم الخبر وفق رؤية مقيدة ومن زاوية معينة .

طع الغازي لـ”الحل نت”.

لو تتبعنا بعضاً من وسائل الإعلام السورية أو العربية في تركيا، لرأينا مدى الهوة بين سياسة التحرير لدى تلك الوسائل وبين سواها من وسائل الإعلام التركية، و ذلك في كل ما يتعلق بالانتخابات القادمة، فالبرغم من الشقاق السياسي بين تحالفي الحكومة و المعارضة إلا أنهم لم ينتهجوا سياسة التخوين و العمالة والارتهان للخارج في سجالاتهم الإعلامية، و هو ما كان جلياً في طريقة تعاطي بعض وسائل الإعلام السورية والعربية مع جهات في المعارضة التركية .

عن ذلك أضاف الغازي، “معظم وسائل الإعلام ومؤسسات المعارضة التركية، كانت بشكل أو بآخر أداة بيد السلطة التركية، وسعت بشكل دائم إلى تشويه النقيض السياسي للحكومة التركية دون الاعتماد أو بناء أفكارها ومقوماتها الإيديولوجية على أساس منطقي. كان من المفترض اليوم بمؤسسات المعارضة التركية أنها تفتح قنوات تواصل مع الأطراف التركية والأحزاب، لأن ملف اللاجئين السوريين هو قضية إنسانية غير متعلقة بحزب أو بحكومة أو بتيار سياسي، بل هي قضية المجتمع التركي بأكمله، وبالتالي فإن اللاجئين يجب أن يكونوا على مسافة واحدة من جميع الأطراف السياسية التركية”.

لا بد من الإشارة بهذا الصدد إلى أن فئة من الشارع التركي الرافضة لوجود اللاجئين السوريين في تركيا، يتم بناء رفضها على نقطة أساسية وهي ربط اللاجئين السوريين بـ”حزب العدالة والتنمية”، حيث أن سياسة الحزب الحاكم في استخدام ورقة اللاجئين، أفضت إلى أن يكون اللاجئين السوريين محسوبين على حزب السلطة.

برأي الغازي فإن وسائل الإعلام السورية في تركيا، تدخلت في الصراع السياسي التركي، واستخفت في طريقة تعاطيها مع شخصيات المعارضة، بما فيها “استخفاف لعقل المتابع”، إضافة إلى تصوير الشخصيات البارزة في المعارضة على أنها شخصيات “حمقاء لا تجيد السياسة”، فضلا عن وجود لهجة التخوين إزاء أحزاب المعارضة التركية، وهذا بالطبع لم يلقى أي اعتراض من قبل السلطة.

دور وسائل الإعلام السورية

عن ذلك أضاف الحقوقي، “بعض وسائل الإعلام السورية أصبحت تتهم أحزاب المعارضة بالخيانة والعمالة، وهذا الأمر  حتى بين الأحزاب المتصارعة سياسيا غير موجود، مؤسسات المعارضة السورية ما زالت تحت وطأة الحزب الواحد والقائد الخالد حتى الآن”.

كذلك فإن الحكومة التركية، ساهمت إلى حد كبير في تشويه صورة المعارضة التركية أمام اللاجئين السوريين، وهي أحد أبرز الأطراف التي تاجرت بملف اللاجئين السوريين، لا سيما على الساحة الإقليمية والدولية وفي مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، فأصبح ملف اللاجئين أحد أبرز الأوراق بيد السلطة التركية.

لذلك فإن الحكومة التركية سعت وما تزال عبر قنوات من خلال منظمات المعارضة، إلى تشويه صورة المعارضة وتخويف اللاجئ السوري من وجود المعارضة، علما أن كثيرا من أحزاب المعارضة هي أقرب لقضايا اللاجئين من الحكومة، بحسب ما يؤكد الغازي.

كذلك فإن الحكومة التركية لم تختلف بسياساتها مؤخرا عن الوعود التي قدمتها بعض أحزاب المعارضة حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهنا أردف الغازي قائلا، ” أردوغان أعلن في شهر أيار الماضي عن إعادة مليون لاجئ سوري، وصدرت قرارات من إدارة الهجرة بما يتعلق بهذه القضية، وتم إغلاق بعض الأحياء بوجه السوريين، وفرض بعض القيود الإدارية، علاوة على الكثير من القرارات التعسفية بحق السوريين لإجبارهم على العودة. جميع هذه القرارات صدرت من إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية وبتسهيل كامل من السلطة”.

حديث بعض أحزاب المعارضة وتقديم وعود للشارع التركي بشأن التواصل مع الحكومة السورية، اتجهت الحكومة التركية الحالية إلى تنفيذ هذا الملف، وتسعى منذ أشهر للمضي قدما في ملف التطبيع مع الرئيس السوري، وقد طلبت مساعدة الجانب الروسي للتقدم في هذا الملف.

لا يبدو أن استلام المعارضة التركية للحكم، سيكون خيار بهذا السوء الذي يصوره البعض بالنسبة للاجئين السوريين، خاصة مع تبدل سياسات حزب “العدالة والتنمية” ومتاجرته بملف اللاجئين والتضييق عليهم باستمرار، لكن الأسوأ بحسب مختصين، هو جرّ السوريين لاستعداء المعارضة التي تمثل ما يصل إلى نصف الشعب التركي، حيث حققت المعارضة 48 بالمئة من أصوات الناخبين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات