بينما كان الجزائريون منشغلين بحلول عيد الفطر، استغل قائد الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، ذلك لإطلاق تحذيرات حول عودة من وصفهم بالأصوليين والمتطرفين، وبروز ما اعتبرها مظاهر التشدد، من دون أن يحدد هذه الأطراف، بيد أن خطابه الذي قدمه لم يقتصر على ذلك فحسب، بل امتد ليثير تكهنات عديدة، بخاصة فيما يتعلق بالأطراف المعنية بذلك.

حيث حذر رئيس أركان الجيش الجزائري شنقريحة، من محاولات بائسة تستهدف أمن واستقرار الوطن، والمتمثلة في عودة نشاطات بعض الأصوليين، الذين يتبنون خطابا دينيا متطرفا مماثلا لما عاشته الجزائر سنوات التسعينيات، وذلك في الوقت الذي تخوض فيه الجزائر معركة التغيير، مؤكدا أن الدولة الجزائرية لن تسمح بأي حال من الأحوال بعودة المغامرين الذين كادوا أن يدفعوا بالبلاد إلى الهاوية، وأن يتسببوا في انهيار أركان الدولة الوطنية.

لكن خطاب شنقريحة خلال زيارته إلى قيادة قوات الدفاع الجوي، بشأن تسجيل عودة بعض الصور لنشاطات بعض الأصوليين، رأه البعض محاولة العودة مجددا من قبل السلطة إلى استخدام وتوظيف “أزمة التسعينيات”، كما استغرب البعض إثارة مثل هذه القضايا في هذا الوقت تحديدا خصوصا وأنها لا تشكل حالة طاغية في الوقت الحالي.

تأكيدات عسكرية

كما أكد رئيس أركان الجيش الجزائري، أن الجزائر التي تخوض اليوم معركة التغيير بتضافر جهود أبنائها ووحدة صف شعبها، تجد نفسها، مرة أخرى، أمام محاولات بائسة تستهدف أمن واستقرار الوطن، في تحذير صريح من محاولات بعض الوجوه في التيار المتطرف للعودة مجددا إلى الساحة الوطنية سواء عبر منشورات أو مقاطع مصورة تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضا: بعد حلّ “مجلس الأمة” للمرة الثالثة.. هل يفقد الكويتيون الثقة بالنظام؟

فيما اتهمهم باستغلال تعلق الجزائريين بدينهم الحنيف لتحقيق أغراض سياسوية مشبوهة، تندرج من دون شك في إطار مشاريع تخريبية وأجندات أجنبية معادية، مشيرا إلى أن توقيت عودة من يصفهم بالأصوليين والخطاب المتطرف مريب، قائلا، نحن على يقين تام أن هذا الخروج إلى العلن، بعدما كان يجري في السر وفي فضاءات مغلقة، إنما جاء بإيعاز من دوائر التخريب المعادية، التي عوّدتنا على مثل هذه التحركات المريبة كلما لاحظوا أن الجزائر قد استرجعت دورها”.

تصريحات قائد الجيش الجزائري، فتحت الباب أمام تساؤلات عدة، بما فيها من هذه الأطراف التي استهدفها بتصريحاته، وما إذا كان المقصود بها مجموعات سياسية تتبع تنظيم “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المحظورة من قبل السلطة، والمنحلّة منذ آذار/مارس 1992، حيث يمكن أن تكون السلطات الجزائرية قد رصدت لها نشاطات جديدة، أو إذا ما كانت تتعلق ببعض النشطاء السياسيين من الإسلاميين بعينهم، ممن تُنسب إليهم الخطابات المتشددة، مثل الرجل الثاني لـ “جبهة الإنقاذ” علي بلحاج.

خصوصا وأن بلحاج يصرّ منذ خروجه من السجن عام 2005، على توجيه خطابات متشددة ضد السلطات، من داخل حلقات في المساجد أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان في الثاني من نيسان/أبريل الحالي قد ألقى خطابا مثيرا أمام حشد من مناضلي “الإنقاذ”، الذين هتفوا بشعارات الجبهة في تسعينيات القرن الماضي.

تفسيرا لذلك، يقول مهدي رشدي المهتم بالشأن السياسي، إن تحذيرات قائد الجيش جاءت مفاجئة، إذ إن الوضع العام لا يرتقِ للحالة التي تحدّث عنها، والتي وصفها بالتهديد الكبير الذي يتطلب تكاتف اجتماعي وحكومي لكبحه، بل قد يخلق حالة من القلق داخل المجتمع الجزائري وحتى ضمن عمل المؤسسات الأمنية، وهو ما يتطلب إعادة النظر بالموضوع.

انعكاسات الخطاب العسكري

رشدي وفي حديث لموقع “الحل نت”، بيّن أن تلك التحذيرات لا يوجد لها أثر على أرض الميدان، ولذلك لعلها تندرج في خانة الرسائل التي تحاول أحيانا السلطات تمريرها إلى المجتمعات وخصومها بأنها على أهبة الاستعداد، وأنها تراقب بشكل جيد تحركات وخطوات تلك الأطراف، وهي واعية تماما لكل ما يمكن التخطيط له من قبلهم، وهو ما يمكن أن يبعث حالة الخوف أو إعادة الحسابات لدى تلك الأطراف فيما يتعلق بما كانت تخطط له.

الجيش الجزائري/ إنترنت + وكالات

بيد أن، ذلك ليس الوجه الواحد الذي تحمله تحذيرات قائد الجيش، بحسب المهتم بالشأن السياسي، والذي لفت إلى الجنبة الأخرى التي يمكن أن تحملها مثل هذه الخطابات، بأن تحفز الأطراف الأخرى للعمل بشأن تنفيذ مخططاتها في تحدٍّ واضح لذلك الخطاب الذي يمكن أن يُفهم بأنه تحدّ ووعيد، مشيرا إلى أنه خصوصا إذا ما كان الوضع مثل الجزائر التي سبق ومرّت في تجربة قاسية تركت أثارا وجذور عميقة.

اقرأ/ي أيضا: بين ليبيا وتونس والجزائر.. أزمة المياه تنفجر حربا؟

يشار إلى أن “أزمة التسعينيات”، جاءت بعد أن نظمت أول انتخابات للمجالس البلدية الولائية، في مرحلة التعددية والانفتاح السياسي سنة 1990، وأفرزت نتائجها عن فوز ساحق لـ “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” على حساب عدة أحزاب، منه الحزب التاريخي “الأفلان”، وتحصل “الفيس” على أكثر من 950 مجلس بلدي من أصل 1539 بلدية و32 مجلس ولائي من أصل 48 مجلس ولائي.

بعد صدور نتائج الانتخابات المحلية، أجرت الحكومة تعديلات على قانون الانتخابات، ونظمت بعدها انتخابات تشريعية في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، وفازت في الجولة الأولى من الانتخابات، “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” بـ 188 مقعدا بنسبة تمثل 82 بالمئة من مقاعد “البرلمان” قبل إن يصدر قرار رئاسي بحله في 4 كانون الأول/يناير 1992.

في أعقاب ذلك، ونتيجة فوز “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” دفع قادة الجيش الرئيس الشاذلي بن جديد، إلى الاستقالة، وفي عشية ذلك، صدر قرار من “المجلس الأعلى للأمن”، يقضي بوقف المسار الانتخابي إلى حين استتباب الأمن وعودة الاستقرار وتوفر ظروف الممارسة الديمقراطية، وإلغاء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، ثم قرر أعضاء من الحكومة تشكيل “المجلس الأعلى” للبلاد بشكل غير دستوري، وعُيّن على رأسه محمد بوضياف، بصلاحيات رئيس.

تحذيرات استباقية

ذلك تسبب بحالة احتقان كبيرة، ودخلت الجزائر في نفق مظلم وتسارعت الأحداث بدخول البلاد في مرحلة عنف واقتتال داخلي، دامت لأكثر من عقد، ودفعت من خلالها الجزائر الآلاف من الضحايا، إلى غاية نهاية التسعينات، حتى بدأت الأوضاع تعرف استقرارا مع انتخاب الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وعاد بعدها السلم والأمن بعد تطبيق ميثاق السلم والمصالحة، والذي أطلق بموجبه سراح المعتقلين ممن حملوا السلاح، لكنهم لم يرتكبوا جرائم قتل أو اغتصاب.

في مقابل ذلك، وتلك الإشارات التي وجّهها قائد الجيش الجزائري إلى من وصفهم بـ “الأصوليين العائدين إلى الساحة”، واحتمالية انزلاق الأوضاع بالجزائر إلى ما لا يُحمد عقباه بعودة أولئك المتشددين، فإن تخمينات أخرى ذهبت، بحسب قياديين في أحزاب وتيارات إسلامية، نقلت عنهم صحيفة “العربي الجديد”، إلى الأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن يكون المقصود من حديث شنقريحة؛ هي بعض الأنشطة التي برزت في الفترة الأخيرة من قبل جمعيات وهيئات من التيار الإسلامي وشكّلت إزعاجا للسلطات.

هذه الأنشطة تخص تخريج دفعات لحافظي القرآن، وحملات أخرى لتحجيب الفتيات والطالبات في الجامعة، قادها تنظيم طلابي محسوب على حركة “مجتمع السلم” (الاتحاد الطلابي الحر)، وهي دعوات أعادت إلى الأذهان خطابا شهيرا أدلى به قائد أركان الجيش الأسبق الراحل محمد العماري عام 2000، عندما أعلن الانتصار على الإرهاب في الجزائر، إذ قال “انتصرنا على الإرهاب، لكن الأصولية مازالت متغلغلة”.

في حين كان قائد الجيش شنقريحة، قد دعا في السياق نفسه، إلى جهد جماعي مشترك لمحاربة التطرف، وإفشال كافة هذه المشاريع التخريبية، ونبذ كل مسببات الفرقة وإفشال كل المحاولات اليائسة، التي تستهدف أمن واستقرار الوطن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة