في خطوة جاءت لتنهي التوتر السياسي الذي تعيشه الكويت منذ مدة ليست بالقليلة، أعلن ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء الاثنين الماضي، حل “مجلس الأمة 2020” استنادا إلى المادة 107 من الدستور، والذي كانت المحكمة الدستورية العليا في البلاد أعادته بحكم قضائي، إثر قرارها بحل مجلس الأمة لعام 2022.

القصة حول “مجلس الأمة 2020″، بدأت منذ أن أصدرت المحكمة الدستورية في 19 آذار/مارس الماضي، حكما يقضي بإبطال انتخابات “مجلس الأمة” التي جرت في 29 أيلول/سبتمبر الماضي، بسبب بطلان مرسوم حلّ البرلمان السابق، وبطلان الدعوة إلى الانتخابات، وبعودة مجلس 2020 المنحل.

الحكم منذ لحظاته الأولى فاجأ الشارع الكويتي الذي عقد آماله في الانتخابات الأخيرة، بخاصة بعد فشل الانتخابات التي ما قبلها في إعادة الاستقرار للعملية السياسية الكويتية، حيث تفاءل الكويتيون بانتهاء الأزمة السياسية التي تعيشها بلادهم عقب خطاب أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي ألقاه نيابة عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 22 حزيران/يونيو الماضي.

أزمات متوالية في الكويت

خطاب أمير البلاد أعلن إنهاء فصول الأزمة السياسية الممتدة بين “مجلس الأمة” والحكومة، وبدء فصل جديد في العلاقات بينهما، بحل “مجلس الأمة”، وتكليف رئيس جديد للحكومة، والدعوة إلى انتخابات عامة، وتأكيده على إجرائها بعد إعداد الترتيبات القانونية اللازمة لها.

في الأثناء، أثار قرار المحكمة الدستورية ردود فعل متباينة، وبرز من خلال ذلك موقف رئيس “مجلس 2020” العائد مرزوق الغانم ومؤيديه، الذين دعوا إلى التعامل مع عودة “مجلس الأمة” المنحل على أنه أمر واقع، وإلى إقرار جملة من القوانين باتجاه إصلاح إجراءات العملية الانتخابية قبل العودة إلى صناديق الاقتراع، أهمها قانون إنشاء المفوضية العليا للانتخابات.

اقرأ/ي أيضا: الصراع في السودان.. حسابات الخسارة والنتائج الكارثية؟

في حين برزت مواقف المعارضة التي أطاحت برئيس الحكومة السابق الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وقادت إلى حل “مجلس الأمة”، بزعامة النائب محمد المطير، الرافض لعودة “مجلس 2020″، والتعامل معه أو مع رئيسه الغانم.

في خضم ذلك، بدأ التوتر يتصاعد تدريجيا، واتخذ المعارضون عدة خطوات تصعيدية بهذا الشأن، آخرها عقدهم مؤتمرا صحافيا، يوم السبت الماضي، بعد إعلان تشكيل الحكومة الكويتية الجديدة برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، وجددوا من خلاله تأكيدهم رفض استمرار الوضع القائم.

نتيجة لذلك، أعلن أمير الكويت، الاستجابة لمطالب المعارضة، وإعلان حل “مجلس الأمة” مجددا، كما دعا في تأكيد نقله عنه ولي العهد الكويتي، إلى انتخابات عامة في الأشهر القادمة، وأوضح الشيخ مشعل الأحمد في كلمة نيابة عن أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان، أن سبب حلّ “مجلس الأمة 2020” هو الانتصار للإرادة الشعبية مما يتطلب معه ضرورة العودة إليها في انتخابات جديدة.

ولي العهد الكويتي تحدث عن إصلاحات سياسية وقانونية مستحقة لنقل الدولة إلى مرحلة من الانضباط والمرجعية القانونية، منعا للخلاف ودرءا للتعسف في استعمال السلطة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وضمانا لحيادية السلطة القضائية بتعزيز نظام الحوكمة في تكوينها واختصاصاتها.

هل يفقد الكويتيون ثقتهم بالنظام السياسي؟

ولي العهد الكويتي أكد أن، الخروج من تداعيات المشهد السياسي الحالي، يتطلب منا الرجوع إلى الدستور باعتباره المرجعية ووثيقة الحكم، والالتفاف حول الشعب وتنفيذ رغباته، فقد آلينا على أنفسنا احترام إرادة الشعب وتعزيز الحكم وصون هيبة الدولة، والالتفاف حول قيادة أمير البلاد وعدم تجاوز سلطاته الدستورية، قائلا “نأمل من الحكومة الجديدة أن تكون على قدر المسؤولية في تحمل الأمانة والمسؤولية”.

مجلس الأمة الكويتي/ إنترنت + وكالات

بناء على ذلك، وفي حال جرت انتخابات جديدة في الكويت خلال الأشهر القادمة، فإنها تعتبر الانتخابات الثالثة التي تُعقد في عهد حاكم البلاد الشيخ نواف الأحمد، منذ تقلّده منصب الأمير في أواخر أيلول/سبتمبر 2020، الأمر الذي فتح الباب على مدى انعكاس ذلك على ثقة المواطنين بالعملية السياسية، وإذا مرحلة سياسية جديدة بتاريخ البلاد.

اقرأ/ي أيضا: بين ليبيا وتونس والجزائر.. أزمة المياه تنفجر حربا؟

حول ذلك، قال المحلل السياسي الكويتي عايد المانع، إن حل “مجلس الأمة” تم لأسباب دستورية وليس لأسباب سياسية، وقد حل في 2020 بناء على رغبة عدد كبير من النواب، على خلاف ما بين عدد من النواب ورئيس المجلس من جهة، وخلاف بين المجلس والحكومة، لذا تدخل الأمير لحلّ الأزمة عبر حلّ المجلس وفق المادة 107 من الدستور.

كما أضاف، أنه بعد ذلك وعقب انتخابات 2022، تم إبطال المجلس من قبل المحكمة الدستورية وليس حلّه، والإبطال يعني أن العضوية لم تكن، وبالتالي عاد مجلس 2020 أيضا بأمر من المحكمة الدستورية.

المانع وفي حديث مع موقع “الحل نت”، أشار إلى أن هناك توجها لعدم قبول المجلس، الذي أثبتت انتخابات 2022 أنه غير مقبول، على حد تعبيره.

من جهته، يرى المهتم بالشأن السياسي أحمد الموزاني، أن هناك مآخذ كثيرة فيما يتعلق بالعمل السياسي الخليجي، لاسيما فيما يتعلق بالحريات السياسية ومساحات العمل السياسي، لاسيما وأنه في ظل ما يشهده العالم من تحولات سياسية ومحافظة المنطقة على نظام راسخ.

الكويت والأنظمة الخليجية

بالتالي، فإن هذا يؤشر على مدى تماسك الأنظمة الخليجية، ما يعني أنه ليس من السهل تأثرها ببعض الاضطرابات السياسية التي تحدث داخليا، مبينا أن هناك إجماع دولي وإقليمي وداخلي على استقرار الأنظمة الخليجية.

الموازني، لفت إلى أن ما يحدث بالكويت مؤشر على احترام عال للعمل السياسي بشكل عام، بما فيه نشاط المعارضة ومطالبها، مبيّنا أن، اتساع دور المعارضة ومدى تأثيرها إلى حد إجبار الدولة على حل “مجلس الأمة” يؤكد أن هناك تجديد للعملية السياسية في الكويت، بيد أن هذا التجديد يبقى في حدوده ولا يتجاوز مرحلة الإضرار بالنظام بشكل عام.

يشار إلى أن، الكويت وهي احدى الدول الأعضاء بـ “مجلس التعاون الخليجي”، تعاني من خلافات بين الحكومة و”مجلس الأمة” المنتخب منذ فترة طويلة مما أعاق تنفيذ إصلاحات مالية، حيث تم حل “مجلس الأمة” العام الماضي، في محاولة لإنهاء الخلاف وأجريت انتخابات مبكرة في أيلول /سبتمبر وشهدت تحقيق المعارضة مكاسب، لكن المحكمة الدستورية في ألغت في آذار/مارس نتائج الانتخابات وأعادت المجلس السابق.

هذا وتحظر الكويت الأحزاب السياسية لكنها تعطي مجلسها التشريعي نفوذا أكبر من ذلك الذي تحظى به المجالس المماثلة في دول الخليج الأخرى، كما أن الاستقرار السياسي في البلاد كان يقوم عادة على التعاون بين الحكومة و”مجلس الأمة”.

الكويت تمتلك ميزانيات مالية وخارجية قوية لكن التشاحن الداخلي والجمود السياسي أعاقا الاستثمار والإصلاحات التي تهدف إلى تقليل اعتمادها الشديد على إيرادات النفط، وكان رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الصباح، وهو نجل أمير البلاد، قد قدم في كانون الثاني/يناير استقالة حكومته بسبب خلاف مع “مجلس الأمة” المنتخب العام الماضي، لكن أعيد تعيينه رئيسا للوزراء في آذار/مارس وأُعلنت حكومة جديدة في الشهر الجاري.

جدير بالذكر، أنه لطالما عاشت الكويت أجواء مشابهة تبدأ بالاستقرار عند تكليف رئيس جديد للحكومة، مثلما حدث عند تكليف الشيخ جابر المبارك عام 2012، ثم الشيخ صباح الخالد عام 2019، قبل أن تدبّ خلافات عميقة تسبّبت برحيلهما من الحكم، وذلك بسبب الاختلاف الجذري في الرؤى السياسية عند الطرفين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات