ميليشيا جماعة “الحوثي” الذراع الإيرانية في اليمن، لا تنفك عن ممارسة أنشطتها الإرهابية قبالة السواحل اليمنية، بغية عرقلة وتهديد الملاحة المحلية والدولية. كذلك، يكثف “الحوثيون” من أنشطتهم المتصلة بالأمن البحري في محاولة لتحويل حالة التهديد الدائم التي يمارسونها تجاه الملاحة البحرية الدولية إلى ورقة ابتزاز ومشروع يستمد مشروعيته من أي عملية أو تسوية سياسية للأزمة اليمنية يرعاها المجتمع الدولي والإقليمي.

كذلك، ذكرت مصادر مطّلعة قبل يومين أن جماعة “الحوثي” نشرت منظومة بحرية متطورة لمراقبة حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وجاءت هذه التحركات، بحسب تقارير صحفية، بعد تجهيز زوارق بحرية بنظام اتصالات ورصد حديث، وإعداد كميات كبيرة من الألغام البحرية التي وصلت جماعة إلى “الحوثي” عبر التهريب البحري خلال فترة الهدنة السابقة.

بعض المسؤولين اليمنيين حذروا مؤخرا من تهديد ميليشيات “الحوثي” لممر الشحن الدولي في البحر الأحمر، من خلال نشر وزرع ألغام بحرية لتهديد البضائع والسفن التجارية وناقلات النفط، الأمر الذي يعيق كل جهود إفراغ أو صيانة خزان النفط العائم “صافر” وما يحمله من تهديدات كارثية بيئية كبيرة في حال حدوث أي تسريب نفطي.

لذلك لابد من طرح بعض التساؤلات هنا، حول دوافع جماعة “الحوثي” للقيام بكل هذه الأنشطة وتحديدا في هذا الوقت، وكيف وإلى أي مدى تشكّل جماعة “الحوثي” خطرا على الملاحة المحلية والدولية، وأخيرا تساؤلات حول خطورة أنشطة “الحوثيين” فيما يتعلق بالصيد والحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لسكان المنطقة.

إثارة وتأجيج للملفات الإقليمية

وليد القديمي، وكيل أول محافظ الحديدة باليمن، حذر من تهديد ميليشيات “الحوثي” الإرهابية للممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر، من خلال نشر الألغام  البحرية وزراعتها لتهديد سفن الشحن والتجارية وحاملات النفط، مشيرا إلى أن الميليشيات تعرقل كافة جهود إفراغ أو صيانة خزان النفط العائم “صافر” ما يهدد بكارثة بيئية كبيرة في حال حدوث أي تسريب نفطي.

القديمي قال في تصريحات لـ”الاتحاد” الإماراتية، إن ميليشيات “الحوثي” تشكل خطورة على الأمن البحري المحلي والعالمي، وتؤثر في أنشطة الصيد والاقتصاد والحياة الاجتماعية التي يمارسها سكان السواحل الغربية، بالإضافة إلى تلويث البيئة البحرية، الذي يسفر عن تداعيات خطيرة.

بحسب منظور القديمي، فإن الألغام البحرية التي تزرعها ميليشيات “الحوثي” تؤثر في حركة السفن التي تُبحر قَبالة سواحل اليمن وخدمات مرورها الموجودة على السواحل.

هذا ويمكن اعتبار توتير إيران للملاحة الدولية من خلال هجماتها المتكررة بواسطة وكيلها المحلي؛ “الحوثي” باليمن عملية من عمليات إدارة الفوضى بالمنطقة، حيث إن طهران التي سبقت وهاجمت ناقلة نفط بريطانية بواسطة طائرة مسيّرة إيرانية، في خليج عُمان، تعمدت إلى تصعيد الهجمات الأمنية لتهديد الممرات الدولية والتأثير السلبي على مصادر نقل الطاقة بما يؤثر على المصالح الغربية وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، حسبما يوضح الباحث السياسي والمهتم بشؤون التطرف والإرهاب، كريم شفيق.

الباحث شفيق يقول أيضا إنه يمكن اعتبار “الحرس الثوري” الإيراني والقوى الميليشياوية التابعة له بالمنطقة تستهدف عبر مجموعة من المؤشرات عسكرة مياه الخليج، حتى يفاقم الأزمات الإقليمية. سيما وأن هذه التحركات تتزامن مع الحديث عن الهدنة والجهود الدولية والأممية الساعية لإعلان أولى خطوات السلام.

قد يهمك: التقارب التركي السوري.. كيف يوظفه “داعش” لاستهداف مصادر الطاقة؟

مصادر مطلعة، بيّنت لصحيفة “الإمارات اليوم”، أن الجماعة “الحوثية” بدأت مرحلة متقدمة في الإعداد لمعركة بحرية في السواحل الغربية، تستهدف الملاحة وجميع العمليات البحرية في البحر الأحمر و”باب المندب”، مؤكدة قيام قوات صنعاء بنشر منظومة “رادارات بحرية”، على طول الشريط الساحلي في الحديدة وحجّة، لمراقبة جميع التحركات التي تجري في مياه البحر الأحمر، مشيرة إلى أن التقنية الجديدة حصلت عليها من دولة إقليمية في المنطقة.

المصادر ذاتها أشارت إلى أن جماعة “الحوثي” تتخذ من حديثها حول وجود مشاورات وتوافق بشأن إبرام اتفاق تهدئة جديد في اليمن، للتغطية على تحركاتها في جبهات القتال، بما فيها الإعداد لمعركة بحرية واسعة تنفيذا لتهديدات قياداتها.

استحواذ وهيمنة

حول أزمة خزان النفط العائم “صافر”، أكد وكيل محافظة الحديدة أن الميليشيات “الحوثية” ترفض وتماطل بالسماح للفريق الأممي المعني بصيانة الخزان العائم من التوجه إليه للقيام بعمليات صيانة أو تفريغه في ناقلة أخرى، مشيرا إلى أن “صافر” يحوي كميات ضخمة من النفط وهو ما يهدد بحدوث كارثة بيئية كبيرة ستضرب اليمن والدول القريبة في حال حدوث أي تسريب نفطي، ويتسبب في خسائر وتعطيل آلاف الصيادين.

القديمي في هذا الصدد طالب الدول الصديقة لليمن بالتدخل والمساندة بالإضافة إلى جهود المبعوثَين الأممي والأميركي للضغط على ميليشيات “الحوثي” ليتم تفريغ السفينة.

في هذا الإطار أكدت “الأمم المتحدة”، على أنها مع مطلع العام الحالي بصدد تفريغ خزان “صافر” النفطي العائم قَبالة سواحل الحديدة، غربي اليمن، وقال المنسق الأممي في اليمن ديفيد غريسلي، أن “العمل الميداني لتفريغ الخزان صافر سيبدأ في الربع الأول من العام 2023، وسيستغرق 4 أشهر”.

تعقيبا على ذلك، يقول شفيق، إن هذه الاستهدافات المتكررة من قِبل إيران تأتي في ظل سردياتها السياسية بخصوص تسميتها الخليج بـ”الفارسي” وبالتالي تعمد إلى فرض هيمنتها على مضيق “هرمز” الذي هو بوابة رئيسية ومركزية لفرض قبضها على الخليج العربي. وعليه، وفق تقدير شفيق، فإن تهديد الممرات الدولية استكمال للدور السابق لتضع ذراعها على المضيق الآخر وهو “باب المندب” وتكون بذلك قد اكملت الاستراتيجية الأمنية لها بغلق كافة طرق نقل النفط والطاقة.

لذلك، تلجأ طهران عبر ميليشياتها “الحوثي” إلى هذه الاستراتيجية لفرض نفسها كطرف له وزن وثقل في العديد من الملفات الإقليمية، وفرض شروطها والتلاعب على عدة حبال، من أجل تحقيق أكبر نفوذ لها في المنطقة، وكذلك استخدام هذه الورقة للابتزاز في العديد من التفاهمات والمحادثات الإقليمية والدولية، لا سيما الاتفاق النووي، وفق تعبيره.

وفق مراقبين، فإن جماعة “الحوثي” لم تخفِ خططها للسيطرة على الممرات المائية بما يهدد الملاحة الدولية في “باب المندب” والبحر الأحمر، كما لم تخفِ قدراتها في هذا الصدد، سواء باستهداف سفن شحن أو ناقلات نفط ولجوئها إلى هذا الابتزاز المهدد للتجارة الدولية والتي تعتبرها من ضمن أوراقها لفرض إرادتها وأجندتها في اليمن.

هذا وترسو سفينة “صافر” التي توصف بأنها “قنبلة موقوتة”، ولم يُجرَ لها أي صيانة منذ عام 2014، على بُعد 7 كيلومترات قَبالة ميناء رأس عيسى في مدينة الحديدة، الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، وتحمل أكثر من 1.1 مليون برميل من النفط الخام، وتستخدمها الميليشيات الإرهابية ورقة لابتزاز المجتمع الدولي لتحقيق بعض المكاسب.

شريك إلزامي لحماية الملاحة الدولية؟

في سياق متّصل، أعلنت جماعة “الحوثي” عن التحضير لما أسمته “مؤتمر الأمن البحري” الذي قالت إنه سينطلق الأسبوع المقبل بمشاركة عدد من الجهات والشخصيات وأنه “يحمل عددا من الرسائل بأن اليمن فقط هو المعني بحماية شواطئه ومياهه الإقليمية وأنه شريك في أمن الممرات الدولية”.

كما ونقلت النسخة “الحوثية” من صحيفة “26 سبتمبر” الناطقة باسم وزارة الدفاع في حكومة “الحوثيين” غير المعترف بها دوليا عن محمد القادري، قائد لواء الدفاع الساحلي لدى “الحوثيين” قوله بأن المؤتمر يكتسب أهمية كبيرة كونه “ينعقد في وقت يشهد اليمن تصعيدا غير مسبوق وتواجدا أجنبيا بالقرب من مياهه الإقليمية وأطماعا غربية وصهيونية على جزره وموقعه الجغرافي”.

قد يهمك: “منتدى‭ ‬السلم‭ ‬الإفريقي“.. الآفاق والتحديات في مواجهة الحركات الإرهابية

في هذا الإطار، يقول شفيق إن أهداف “الحوثي” ومن ورائه إيران، هو استغلال التحولات الجارية في العملية السياسية اليمنية، وبالتالي فرض واقع آخر بما يناسب أطماعه في ساحل البحر الأحمر، وذلك عبر “سياسة الابتزاز”، في حالة مشابهة لتلك التي مارسها في السابق.

كذلك، تحركات وأنشطة “الحوثي” في البحر الأحمر وممر الملاحة الدولي في مضيق “باب المندب”، يدلل إلى رغبتهم في جعل أنفسهم طرفا أو شريك إلزامي في الحكومة اليمنية، بالتوازي مع استعراضات للقوة وتصريحات تلوح بتهديدات لاستهداف الممر الملاحي الدولي بالصواريخ والقوارب المفخخة والطائرات المسيّرة والألغام البحرية، كما فعلت في السابق، وفق تقديره.

استغلال للجهود الأممية

وكيل أول محافظ الحديدة، قال إن الشعب اليمني يعاني بسبب ميليشيات “الحوثي” وممارساتها الإرهابية، من القتل والاعتقال والتهديد وممارسة العنف ضد الجميع، مطالبا “الأمم المتحدة” والدول الداعمة الراعية للسلام في اليمن بسرعة تنفيذ بنود اتفاق “استوكهولم”، لصرف رواتب الموظفين عبر إيرادات موانئ الحديدة، وتوزيع مواد الإغاثة التي تصل عبر “الأمم المتحدة” والمنظمات الدولية وترك زمام المبادرة للجيش اليمني للسيطرة بشكل كامل على المحافظة.

هذا وتعتبر موانئ الحديدة التي ضمنها اتفاق “استوكهولم” للجماعة في 2018 نقاط انطلاق للتهديدات “الحوثية” اليوم.

ميليشيات “الحوثي”، تنهب المساعدات الدولية المقدمة للشعب اليمني، حيث أوقف برنامج الغذاء العالمي صرف المساعدات النقدية في مناطق سيطرة هذه الميليشيات أكثر من مرة، نظرا لوجود عدة شكاوى تَقدّم بها المستفيدون تفيد بنهب الميليشيات لهذه المساعدات.

فيما يشدد نشطاء حقوقيون على ضرورة إيصال المساعدات بشكل عادل لمن يعانون من أوضاع إنسانية صعبة في اليمن، وعدم السماح لميليشيا “الحوثي” بالاستحواذ على هذه المساعدات والاستفادة منها، لما لها من تداعيات وانعكاسات سلبية على اليمنيين.

بحسب مراقبين، فإن ما يفعله “الحوثيون” اليوم يعتبر خطر كارثي على الصيد والثروة السمكية عامة في الساحل اليمني، بسبب الكميات الكبيرة من النفط التي تحتويها سفينة “صافر” العائمة، والتي يمكن أن تتسرب في أي وقت إلى مياه البحر، وكذلك له انعكاسات سلبية جمة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكان المنطقة، وبالتالي لابد من تحرك دولي لوضع حلول لهذه المعضلة أولا، ومن ثم البحث في الملفات والقضايا الأخرى الموجودة في المنطقة.

إجمالا، تواصل ميليشيا “الحوثي” نشاطها وتحركاتها العسكرية والأمنية في البحر الأحمر من خلال تطوير أسلحة إيرانية لاستهداف حركة الملاحة الدولية في الممر المائي ضمن سياسة تسير بالتوازي مع استخدام الطائرات المسيّرة إيرانية الصنع في تعطيل موارد الطاقة في المنطقة، على اعتبارا أن هذا التكتيك يُعتبر بمثابة قوة رادعة أو ورقة ضغط قوية يمكّنهم من مواجهة الحكومة الشرعية اليمنية و”التحالف العربي” والمجتمع الدولي، وفق وجهة نظر “الحوثي.

كما يمكن القول بأن تحركات الجماعة توحي بأنها تريد فرض نفسها طرفا رئيسيا في البحر الأحمر و”باب المندب” وتحديدا في المياه اليمنية قَبالة ساحل الحديدة، وإن كانت هذه التحركات تأخذ طابع عدائي ولها أهداف حساسة وهامة لإيران، لا سيما وأن هذه المنطقة بالتحديد من أهم جبهات ميليشيات إيران وذراعها في اليمن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.