ربما سيشكل ما يسمى تجمع “دار عرى” علامة فارقة في تطور الأحداث بالسويداء، فلأول مرة في المحافظة الجنوبية، يتم التحضير لإطلاق تجمّع يضم غالبية القوى الفاعلة على الأرض، من مرجعيات دينية واجتماعية ومدنية وسياسية، وفصائل مسلحة، بدعم سياسي ومادي من قوى إقليمية، قد تسعى لإضافة قوى من محافظتي درعا والقنيطرة إلى التجمع، للوصول إلى نوع من اللامركزية في الجنوب السوري، وذلك بحسب ما أفادت مصادر متعددة لـ”الحل نت”.

فعلى أي أساس يقوم تجمع “دار عرى”؟ وما الأهداف التي يسعى إليها؟ ومن حلفاؤه الأساسيون؟

كيف نشأ تجمع “دار عرى”؟

المعلومات التي حصل عليها “الحل نت”، من المنظمين لتجمع “دار عرى”، تقول إن “الفكرة انبثقت منذ شهرين، على وقع التصعيد الأردني، وتصريحات الملك عبد الله الثاني، بشأن تهريب المخدرات إلى المملكة من الجنوب السوري، ومحاولة تشكيل حلف “ناتو” عربي بدعم من الإمارات والسعودية ومصر، وبموافقة الولايات المتحدة الأميركية”.

وأضافت المصادر، أن “أفكار الملك الأردني قوبلت بالرفض في السويداء، بعد محاولته فتح قنوات اتصال مع القوى الفاعلة فيها. ثم دخلت الإمارات العربية المتحدة إلى الخط، التي تواصلت مع حكومة دمشق، ونسّقت معها لإطلاق تجمع في السويداء، مسنود بقوة عسكرية تستطيع بسط الأمن، وتتحالف مع جميع مكونات المحافظة، بعد الحراك الشعبي الذي شهدته في السادس والعشرين من تموز/يوليو الماضي. والهدف الأساسي، هو وقف الفوضى التي وصلت لمراحل خطيرة، بعد القضاء على مجموعات الأمن العسكري، وتحطيم عصابة راجي فلحوط“.

المصادر تؤكد، أنه “بعد تصاعد حوادث الثأر، بين الأطراف المتصارعة في السويداء، لدرجة قتل الأسرى ورميهم في الساحات، والتمثيل بجثثهم، سارعت قوى محلية متعددة لعقد اجتماع شامل لضبط الأمور، ووقع اختيارها على بلدة “دار عرى”، مقر إمارة آل الأطرش، وعميدهم الحالي لؤي الأطرش، الذي يمتاز بأنه شخصية توافقية، وبإمكانه أن يجمع غالبية القوى حوله، لمنع الاقتتال الأهلي”.

وحصل “الحل نت”، على مسودة بيان عمل تجمع “دار عرى”. الذي ذكر، أن “التجمع لا يستثني أحدا، وليس له أي عداء مع أحد، إلا الخارجين عن الصف والمجرمين والفاسدين”.

وتركز جدول عمل التجمع، الذي يحدد ملامح المرحلة المقبلة، على عدة نقاط، أبرزها: “مساندة الضابطة العدلية والقضاء في تنفيذ القانون العادل، عبر عمل مؤسساتي صحيح؛ وبسط الأمن والأمان؛ والعمل على تفكيك شبكات الفساد، وتقديم الفاسدين للقضاء؛ ودعوة كل المواطنين للتجمع؛ وأخيرا فإن القرار الموحد للمحافظة، هو هدف التجمع، الذي يستند إلى القوة والحق والعدالة”. ويختتم البيان بعبارة “لكم ما لنا وعليكم ما علينا”.

توحيد الفصائل وموقف “رجال الكرامة”

لكن كيف تعامل القائمون على تجمع “دار عرى” مع فكرة توحيد الفصائل المسلحة؟ وما رد فعل “حركة رجال الكرامة”، الفصيل الأكبر في السويداء، على ذلك؟ سؤالان أجاب عنهما أحد المقربين من الأطرش، بالقول إن “المنظمين تواصلوا مع قيادة الحركة، التي تجاوبت بسرعة، وكانت إيجابية، لأن في الموضوع خيرا للسويداء”، حسب تعبيره.

وأشار المصدر، في إفادته لـ”الحل نت”، أن “مصالح أهالي السويداء تتمثل بالأمن والقضاء على العصابات، ووقف الفساد المستشري وتجفيف منابع المخدرات، وليس هناك خلاف بين تجمع “دار عرى” وحركة “رجال الكرامة”، أو أي مكون آخر. ولا أحد يقصي أحدا”.

تجمع “دار عرى” وفكرة اللامركزية

ولكن هل يسعى تجمع “دار عرى” إلى إقامة حكم لا مركزي في السويداء، مستقل عن إدارة حكومة دمشق؟
المقرب من الأطرش، قال إن “فكرة اللامركزية موجودة في القانون 107، الصادر في العام 2011، والهادف لتطبيق لا مركزية السلطات، وتركيزها بيد فئات الشعب. وإن كانت هناك ملاحظات على القانون حتى بعد التعديلات عليه. وهدف التجمع دعم مجالس الوحدات الإدارية”.

 أما عن دور الفصائل المسلحة، التي تنبثق عن التجمع، فأكد أنها “ستقوم بتقوية الضابطة الشرطية المحلية ومساندتها، لكي تلعب دورها المتجمد منذ سنوات، عن قصد أو من غير قصد، والحد من تغوّل الأجهزة الأمنية، وحماية الحدود والطرق من العصابات، والقضاء على تجار المخدرات، مهما كانت الجهة التي تقف وراءهم. وكل هذه المهام تحتاج إلى جهد محلي، ولا يمكن حلها بقرارات مركزية”.

المحامي والناشط الحقوقي سليمان العلي، قال لـ”الحل نت” إن “التسريبات، التي انتشرت خلال الأيام الماضية، عن مشروع لاستقلال الجنوب السوري، ليست بجديدة. وفكرة الأقاليم، والفيدراليات، واللامركزية يتوافق عليها غالبية السوريين، كونها تبتعد عن مصطلح التقسيم”.

ما دور الأردن والإمارات وإسرائيل؟

من الأسئلة الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي بالسويداء: ما دور الدول الإقليمية، مثل الأردن والإمارات وإسرائيل، في دعم مشروع اللامركزية، الذي قد يسعى إليه تجمع “دار عرى”؟

 المحامي سليمان العلي، يرى أن “التوافق الدولي على مشروع الجنوب اللامركزي، من القنيطرة إلى بادية السويداء، يأتي بموافقة إسرائيل، التي تريد إبعاد “حزب الله”، وإيران عن حدودها، على الرغم من أنها داعم غير مباشر لسلطة دمشق. فيما ستكون الإمارات الممول للمشروع، وتشكّل الأردن فصائل عسكرية منظمة على حدودها، مكونة من السوريين، وتنتشر من وادي اليرموك في محافظة درعا، وحتى حدود منطقة التنف”.

ويكشف المحامي عن معلومات مسرّبة، تفيد بـ”وجود تسعة آلاف متطوع للانخراط في تلك الفصائل”. إلا أنه يختم حديثه بالقول: “هذا المشروع يعتمد على القوة والمال فقط، ولذلك فلن يكتب له برأيي النجاح”.

مراقبون آخرون من المحافظة يحذرون من أن يدخل تجمع “دار عرى” بمواجهة مع قطاعات من السكان الرافضين له، ومع فصائل كبيرة في المحافظة، مثل ميليشيا “الدفاع الوطني”، أو فصيل “شيخ الكرامة”، بقيادة ليث البلعوس، ابن الشيخ وحيد البلعوس، أو حتى حركة “رجال الكرامة”، التي ما تزال تسيطر على الوضع الميداني في المحافظة. ولذلك فإن مشروع التجمع قد يساهم بمزيد من الفوضى، بدلا من انهائها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.