أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل رسمي والتي ستقام في تاريخ 14 أيار/مايو القادم، في وقت تستعد فيه كافة الأطراف لدخول معركة انتخابية تختلف عن كل سابقاتها. وإذا ما نظرنا إلى الأوضاع الداخلية في البلاد نجدها غير مستقرة، فعلى مستوى الاقتصاد عاشت تركيا أربعة أزمات اقتصادية متتالية، الأولى كانت ناتجة عن أحداث الانقلاب عام 2016، والثانية في عام 2018 بعد تهديد الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات على تركيا، والثالثة في عام 2020 في خضم جائحة كورونا، والرابعة في عام 2022 بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، والآن يدخل الاقتصاد التركي في أزمة أخرى ناتجة عن تداعيات الزلزال الذي ضرب 11 مدينة في جنوب شرق البلاد في 6 شباط/فبراير الماضي، والذي أدى إلى تعرض الانتخابات لتعقيدات أكثر، حيث دمرت الكارثة أجزاء واسعة من المدن وأثرت على ما يقرب من 10 ملايين فرد بشكل مباشر، وسيكون لتداعيات الزلزال انعكاس كبير على نتائج الانتخابات.

بالمقابل تعمل المعارضة التركية التي استطاعت لم شتاتها حول طاولة سداسية على محاولة كسب الانتخابات القادمة، واستغلال التراجع الاقتصادي وغيره من الأزمات التي تمر بها تركيا والحزب الحاكم، وانطلاقا من ذلك تركز سطور هذه المادة على انعكاسات الملف الاقتصادي على الانتخابات القادمة من خلال مناقشة الوعود الاقتصادية التي أعلنت عنها المعارضة والتحالف الحاكم، إضافة للإجراءات التي أعلن عن تنفيذها الرئيس الحالي أردوغان في الفترة التي تسبق الانتخابات. 

معالجة قضية التضخم

خلال العام الفائت ارتفعت نسب التضخم في البلاد إلى مستويات قياسية، ووصلت الذروة في شهر أكتوبر 2022 عند حد 85.5 بالمئة، فيما سجلت معدلات التضخم 64.27 بالمئة على أساس سنوي في كانون الأول/ديسمبر 2022، مما يعني ارتفاع أسعار السلع في الأسواق، وكذلك الأمر بالنسبة لأسعار الواردات مثل النفط والغاز، فضلا عن ارتفاع أسعار الإيجارات والعقارات ومقومات الحياة اليومية من خبز وماء وكهرباء. 

يعتبر التضخم أهم عامل مؤثر على مزاج الناخب التركي، وهو أحد أبرز الملفات التي يتم إثارتها باستمرار من طرف المعارضة ضد الحزب الحاكم، الذي يسعى لوضع تدابير لخفض التضخم من خلال اتخاذ إجراءات، أهمها: تخفيض حجم الأموال في الأسواق من خلال تقييد البنك المركزي لإجراءات سحب الليرة من البنوك، ويعمل البنك المركزي أيضا بشكل مستمر على ضخ الدولار في الأسواق وسحب الليرة، كما ساهمت البنوك الخاصة أيضا في تخفيض حجم الأموال من خلال رفع قيمة سعر الفائدة، بمعنى أن السعر الحقيقي للإقراض في الوقت الحالي في البنوك الخاصة هو 28 بالمئة وليس 8.5 بالمئة كما هو معلن بين البنك المركزي والبنوك الأخرى، كما تمكن الرئيس أردوغان من كسب إيداعات لصالح البنك المركزي من قطر والسعودية والإمارات، كل ذلك ساهم بشكل فعال في الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة التركية وحمايتها من الانهيار، وفي انخفاض مستوى التضخم السنوي من 54.5 في شهر آذار/مارس إلى 50.5 في شهر نيسان/أبريل.  

يجب التنويه هنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أن انخفاض قيمة الليرة هو من صالح التجار والصناعيين وقطاع السياحة في تركيا، لأن ذلك يخفض من قيمة تصنيع المنتجات التركية ويؤدي إلى ارتفاع الطلب عليها في الأسواق الدولية، كذلك أيضا يشجع على السياحة بسبب انخفاض التكلفة بالنسبة للسياح، وهي مصدر هام للنقد الأجنبي، كل هذه الأسباب قد تدفع فئة الصناعيين والتجار وقطاع الخدمات لأن تكون إلى جانب أردوغان، كل وفق مصالحه.  

البرامج الانتخابية

البرامج الانتخابية التي يروج لها المرشحين تلعب دورا بارزا في إقناع الناخب وتوجيهه، لاسيما الناخبين المترددين والذين تبلغ نسبتهم بحسب العديد من الخبراء ما يقارب 15 بالمئة من مجموع الناخبين. وبما أن الملف الاقتصادي مهم ويمس المواطن بشكل مباشر لابد أن يوليه المرشحين أهمية خاصة. وفي هذا القسم من المادة نناقش أهم الوعود والإجراءات الاقتصادية التي جاءت في برامج الحزب الحاكم والمعارضة التركية. 

البرنامج الاقتصادي للمعارضة، لم يحمل الكثير حول الملف الإقتصادي، فقد جاء في مجموعة المبادئ التي اتفق عليها رؤساء الطاولة السداسية فيما يخص اقتصاد البلاد؛ العمل على خفض التضخم، ومضاعفة نصيب الفرد من الدخل القومي على الدولار الأميركي إلى 200 بالمئة في غضون 5 سنوات، وإلغاء مشروع قناة إسطنبول، وإلغاء جميع المناقصات والعقود المتعلقة بمشاريع المدن الطبية التي لم تنجز بعد، كما وعد مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو في حال فوزه سيدخل إلى البلاد 300 مليار دولار أميركي على شكل استثمارات مباشرة من الدول الأوروبية لاسيما من بريطانيا.

بينما لم تتطرق المعارضة إلى الآليات التي ستعمل عليها لتنفيذ وعودها، كما لم تطرح اي مشروع اقتصادي متكامل قد يقنع الناخب التركي بشكل قوي، والأهم من ذلك كله فإن المعارضة في الوقت الحالي وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية؛ لا تمتلك السلطة التي تسمح لها بإصدار بعض الإجراءات كالتي يصدرها الحزب الحاكم الحالي (حزب العدالة والتنمية)، بينما قد يكون من أبرز ما تعول عليه المعارضة في الملف الاقتصادي هو تسليط الضوء على الوضع الاقتصادي المتراجع في البلاد كعامل أساسي في تراجع شعبية أردوغان والحزب الحاكم.

أما برنامج التحالف الحاكم، فيتميز بالخبرة في إدارة الانتخابات والملف الاقتصادي بحكم سنين حكمه السابقة، وفوق كل ذلك يمتلك في الوقت الحالي الصلاحية لإصدار العديد من الإجراءات التي تمنح الناخب بعض الفوائد، مثل طرح مشروع بناء مساكن “TOKİ” للشباب الذين لا يملكون منازل، كما دشن الرئيس أردوغان محطة “أكويو” للطاقة النووية السلمية لإنتاج 35 مليار واط من الكهرباء، ووعد الرئيس ببناء محطة نووية أخرى في مدينة سينوب على البحر الأسود، وقد أعلن عن مجانية استهلاك الغاز المنزلي لمدة عام بعد بدء إنتاج الغاز في حقل سكاريا.

وقد جاء في البرنامج الانتخابي للتحالف الحاكم؛ العمل على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية لتركيا مع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الإقليمية المختلفة، ومنح قروض للشباب من دون فوائد ولمدة سنتين، والوعد بتسليم البيوت لمتضرري الزلزال بعد سنة، كما أعلن عن توقيف مشروع قناة إسطنبول من أجل إعطاء الأولوية لإعادة إعمار مناطق الزلزال، كما تم الوعد بتخفيض التضخم من خلال اتباع نفس النهج الاقتصادي الذي يقوم على تخفيض الفائدة مقابل زيادة الصادرات وإيرادات السياحة.

ومع أن المعارضة تعول كثيرا على عامل الوضع الاقتصادي كعامل أساسي في تراجع شعبية أردوغان والحزب الحاكم، إلا أنه لا يتوقع أن يكون لهذا العامل دورا كبيرا في ترجيح كفة المعارضة لأن الناخب التركي قد يكون غير راض عن سياسات أردوغان الاقتصادية، ولكنه أيضا قد لا يثق بسياسات ووعود المعارضة، خصوصا وأنها لم تقدم ما يشي بقدرتها فعليا على تجاوز الأزمة الاقتصادية، لا سيما وأنها خارج السلطة منذ سنوات. يضاف إلى ذلك بأن الوضع الاقتصادي الحالي لتركيا وبالرغم من صعوبته، كان من الممكن أن يكون أسوء مما عليه الآن لولا وجود البنية الأساسية للاقتصاد من مراكز الإنتاج على اختلاف أنواعها. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات