موسم جني فطر “الكمأة”، أو “الجمة” كما يسميها سكان الجزيرة والفرات، عادة ما يكون في فصل الربيع وتحديدا في شهري شباط/فبراير وآذار/مارس من كل عام، حيث يرتبط ظهور هذا النوع من الفطر بالأمطار الغزيرة والبرق والرعد، ولذلك يعرّفها البعض بـ “بنت الرعد”، وعادة في بداية الموسم تكون الأسعار مرتفعة جدا إلى أن تنخفض بنسب لا بأس بها في نهايته، إلا أنه خلال العام الجاري لم تنخفض الأسعار، بل ظلت مرتفعة.

رغم أن موسم “الكمأة” في سوريا لهذا العام شارف على الانتهاء، إلا أن سعر الكيلوغرام من “الكمأة” في الأسواق خلال الفترة الماضية تجاوز الـ 100 ألف ليرة سورية، الأمر الذي حرّمه على موائد السوريين نهائيا، ووضعه في خانة الصادرات إلى دول الخليج العربي.

الكمأة أطيب من اللحوم!

“الكمأة” تعتبر باهظة الثمن، وتنتشر بكثرة في المحافظات الشرقية السورية، وخاصة دير الزور، وتشتهر بمذاقها الطيب وهي تضاهي اللحوم بأنواعها، وخلال السنوات الأخيرة، اتخذت من تجارة هذا المنتج منحى اقتصاديا مهما لبعض السوريين الذين يعيشون في مناطق الجزيرة، فهي تشكل مصدر دخل موسمي لآلاف الأسر التي تمتهن البحث عنها، رغم خطورتها، نظرا لوجود خلايا نائمة لتنظيم “داعش” الإرهابي في البادية السورية، فضلا عن ألغام مزروعة هناك من مخلفات الحرب على التنظيم الإرهابي.

الكمأة في سوريا- “أ ف ب”

ضمن السياق ذاته، أكد عضو “لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه” محمد العقاد لموقع “أثر برس” المحلي، مؤخرا، أن موسم هذا العام ممتاز، إذ كان يصل إلى سوق دمشق بين 75 – 100 طن يوميا في ذروة الموسم. كما أوضح العقاد أنه كان يتم تصدير “الكمأة” وبشكل يومي إلى دول الخليج إذ تنطلق 10 برادات إلى الكويت والسعودية محملة بنحو 7 طن.

العقاد تابع في حديثه بالقول أن تسعير “الكمأة” يعتمد على العرض والطلب ويختلف حسب النوع والجودة حيث تراوح سعر الكيلو بين 25-75 ألف ليرة سورية، مشيرا إلى أن “الكمأة” البيضاء هي الأكثر طلبا في السوق الخليجي أما في الأسواق السورية فـ”الكمأة” السورية هي الأكثر طلبا.

في بداية الموسم كان قد وصل سعر كيلو “الكمأة” في الأسواق إلى نحو 120 ألف ليرة، في حين ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية، في السابق أن بعض متعهدي “الكمأة” يرغّبون المواطنين بأجرة الساعة لجمع “الكمأة” وهي نحو 2500 ليرة، في حين يبيعون الكيلو بنحو 80 ألف ليرة.

قد يهمك: “الكيلو براتب الموظف”.. ارتفاع أسعار اللحوم مجدداً في سوريا

أحد الباعة في مدينة السلمية قال إن سعر كيلو الكمأة يتراوح بين 90 – 100 ألف ليرة وقد يصل إلى 120 ألف ليرة وذلك بحسب حجمها ولونها. مشيرين إلى أن البنّية أغلى من البيضاء، وهي مرغوبة أكثر للمطاعم والفنادق بحماة والمحافظات الأخرى وخصوصا دمشق بحسب ما نقلته الصحيفة المحلية.

تذهب بعض التقديرات إلى أن مواسم “الكمأة” في السنوات الأخيرة، أضافت نحو نصف مليار دولار سنويا إلى الصادرات السورية.

مصدر رزق محفوف بالمخاطر!

في المقابل، تُعدّ “الكمأة” من الثمار الموسمية التي تشهد عملية قطافها إقبالا من قبل سكان المنطقة الشرقية الذين يسعون لبيع ما يحصلون عليه من هذه الثمار في الأسواق بمبالغ تضاف لمصادر دخلهم المحدودة، وعلى اعتبارها مصدر دخلٍ يسد بعض احتياجاتهم وسط تدهور الأوضاع المعيشية في عموم البلاد.

لكن منذ عام 2018، باتت عملية البحث عن “الكمأة” محفوفةً بالمخاطر، إذ شهدت العديد من مناطق جَنيها في دير الزور والرقة والسويداء والريف الشرقي من حلب وحماة، انفجار العديد من الألغام وذخائر مخلّفات الحرب، التي أودت بحياة العشرات من جني “الكمأة”.

خلال العام الجاري صاحب رحلات القطاف الجماعية من قبل سكان البادية السورية سقوط ضحايا بشرية بسبب مخلفات تنظيم “داعش” من الألغام والعبوات الناسفة، حيث فَقد مئات المدنيين أرواحهم هناك بين شهري شباط/فبراير ونيسان/أبريل الماضيين في أثناء بحثهم عن “الكمأة”، وعلى الرغم من تسجيل العديد من هذه الحوادث، لكن يبدو أن الكثير من الناس الفقراء ما يزالون يسلكون هذه المغامرة حتى الآن.

لكن نظرا للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، اتجه العديد من الأهالي للعمل في جني هذا المنتج الغالي الثمن، ولا سيما أن سعر الكيلوغرام الواحد بات يساوي قيمة الراتب الذي يتقاضاه الموظف الحكومي، بجانب أن موسم “الكمأة” هذا العام كان الأفضل والأكثر سخاء قياسا بالأعوام السابقة.

إحصائية سابقة نشرها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الشهر الماضي، تشير إلى أنه وثق مقتل واستشهاد 177 من جامعي “الكمأة”، بينهم 30 من قوات الجيش السوري و147 من المدنيين بينهم طفلين و5 سيدات. وجاء في الإحصائية أن العشرات من عمّال “الكمأة” أصيبوا أيضا، إثر انفجار ألغام من مخلفات الحرب وهجمات لعناصر تنظيم “داعش”، استهدفتهم أثناء عملهم في البحث عن المنتج.

الجدير ذكره أن الباحثين عن “الكمأة” يعتمدون على التخييم في مناطق نائية ومفتوحة لمدة تسمح لهم بتمشيط كامل المنطقة التي يتواجدون فيها وبدائرة قد يصل قطرها إلى 10 كم، ثم يتم الانتقال إلى منطقة أخرى للبحث عن الثمار التي يُستدل على وجودها من خلال تشقق الطبقة السطحية للأرض، أو تحليق بعض الحشرات حولها، ويتراوح الوزن الطبيعي للثمرة الواحدة بين 50 – 300 غرام، في حين أن بعض الثمار قد تصل إلى أكثر من ذلك.

“كمأة الدراويش”.. البديل

من جانب آخر، على إثر غلاء “الكمأة”، تداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صورا لنبات “الطرطوث”، الذي يُعد من أنواع الفطريات، مشيرة إلى أن سكان المنطقة الشرقية من سوريا بدؤوا جمعه بالتزامن قرب انتهاء موسم “الكمأة”، وفق تقرير آخر لموقع “أثر برس“، نُشر مؤخرا.

الموقع المحلي تواصل مع عدد من سكان ريف دير الزور الشرقي، وأكدوا أن هذا النوع من الفطور ينتشر في مناطق البادية، ويُعد من النباتات الطفيلية التي تنمو بالاستفادة من شجيرات أخرى، وهو ذو قيمة غذائية عالية تفوق فطر “الكمأة“، إلا أن قطافه لا يُعد عملية تجارية نظرا لقلة كمياته مقارنة بـ “الكمأة”، كما أن موسم قطافه يبدأ مع فصل الربيع.

هذا ويُعرف “الطرطوث” أيضا باسم “العرجون” وله أكثر من 50 نوعا أهمها الأبيض، ويتراوح طول النبتة بين 5 – 15 سم، وينمو في سوريا بعد نزول أمطار الموسم في مناطق الجزيرة وحوض الفرات، ويظهر في الأغلب في شهر آذار/مارس.

كما ويشتهر باسم “كمأة الدراويش”، والبعض يعتبره بديلا عن “الكمأة”، نظرا لانخفاض سعره مقارنة بالثاني الذي يساوي نحو راتب الموظف الحكومي. ووفق الأطباء الشعبيين، فإنهم يصفون “الطرطوث” كعلاج لتقليل الوزن والتخلص من السمنة المفرطة بالجسم، وكمقوٍ في حالات قصور العملية الجنسية، ولا يُباع “الطرطوث”، إلا بكميات قليلة في أسواق المنطقة الشرقية، ولا يزيد سعر الكيلو الواحد عن 25 ألف ليرة سورية، وقد يُباع بـ “القطعة” ولا يزيد سعرها عن 2000 ليرة سورية، ويُعد من الأطباق التي تحضّر بالطهي سلقا أو مقليا مع السمن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات