في شباط/ فبراير 2022 كان العدوان الروسي على أوكرانيا قد بدء، وهو العدوان الذي لم يلبث وأن ألقى بآثاره سريعا على الإقتصاد العالمي والذي تضررت منه كثيرا مصر حيث عانى الجنيه المصري على مراحل متدرجة من تخفيض لقيمته أمام الدولار، بعد أشهر قليلة وفي نيسان/أبريل 2022 دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال “حفل إفطار الأسرة المصرية” القوى السياسية والأحزاب بما فيها المعارضة دون استثناء إلى حوار وطني شامل يتناسب مع ما سماه “بناء الجمهورية الجديدة” في مصر.

دعوة على إثرها عاد أبرز أقطاب المعارضة إلى المشهد السياسي في مصر من جديد، سواء من المنفى الإختياري مثل المهندس ممدوح حمزة بعد رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول، أو من الإختفاء وراء الصمت الإجباري داخل الوطن مثل حمدين صباحي رئيس “حزب الكرامة” السابق والمرشح الرئاسي أمام السيسي في سباق إنتخابات 2014، والصحفي خالد داوود المعارض الذي خرج من المعتقل ليلم شتات المعارضة إلى طاولات الحوار الوطني المرتقب.

يوم الأربعاء الماضي انطلقت الجلسة الإفتتاحية للحوار الوطني أخيرا بعد سنة من التجهيز والترتيب، وتحت وعود المنسق العام للحوار الوطني الصحفي ضياء رشوان بأنه “لا خطوط حمراء” في الحوار بدء العد التنازلي لإختبار جدية الحوار الذي ظل على مدار سنة كاملة محاطا بالشكوك في مدى جديته وما يعبر عنه.

مناورة أم إصلاح؟

التجربة التاريخية لنظام الحكم الجمهوري في مصر تحفل بالكثير من الشواهد على ما يحدث عند تأزم الوضع الإقتصادي، فدائمًا يتم محاولة إصلاح هذا الموقف بتخفيف القبضة الأمنية على المناخ السياسي وتوسعة هامش الممارسة السياسية بحرية، لذلك، لم يكن من المُستغرب أن تلاحق الإتهامات دعوى الحوار الوطني بأنها مجرد مناورة سياسية من السلطة لتنفيس الغضب الكامن في المجتمع تجاه الأزمة الإقتصادية وازديادها سوءا.

أحد المشاركين من قيادات الحركة المدنية في الحوار الوطني لم يرغب في ذكر اسمه يعبر عن حالة التشكك تلك في تصريح لموقع مدى مصر حيث يرى ان الحوار هو مبادرة من أحد الأجهزة المقربة من الرئيس من أجل تجميل طفيف للمشهد السياسي لتمهيد الطريق لانتخابات رئاسية مقبلة يكون للرئيس فيها دور البطولة، يشاركه في جزء صغير منها مجموعة من المنافسين.

بينما جاءت كلمة عمرو موسى “الرئيس السابق لجامعة الدول العربية” وأحد الأعضاء الخمسين الذين أعادوا الصياغة الدستورية للبلاد عام 2014، والتي أعقبت الكلمة الإفتتاحية المسجلة للرئيس السيسي مباشرة، لتُفجر العديد من القضايا التي لم يعتاد المواطنون سماعها على قنوات الإعلام المصري في عهد الرئيس السيسي، فموسى قد انتقد بحدة الحكومة المصرية وحملها مسئولية الإنفاق غير الحكيم على مشروعات لا تفيد المصلحة العامة وتتجاهل فقه الأولويات، وانتقد موسى القبضة الأمنية التي طالت كل المجالات في مصر سياسيا وإقتصاديا، وحملها مسئولية الشلل الإقتصادي الذي تعاني مصر منه الآن، وهو ما جعل تلك الكلمة تعني لدى البعض أن نظام السيسي قد يكون جادا في إعطاءه الفرصة للنقد لمحاولة إصلاح مشكلات النظام على مدار ثماني سنوات.

أحمد عابدين الباحث في الشئون السياسية والمدرس بقسم العلاقات الدولية بـ “المدرسة العليا للصحافة والعلاقات الدولية في باريس” يقول “للحل نت”، “لا أرى جدوى حقيقية للحوار الوطني رغم إيماني بأهمية الحوار في حد ذاته، لكن ما يحدث لا يمت لكلمة الحوار بصلة، واعتقد أيضا أنها ليست عملية تنفيس سياسي ولكن جزء من محاولات النظام الدائمة لتدجين كل القوى الفاعلة في الشأن العام المصري وإدخالها في عباءته والاستحواذ على كل شيء بما في ذلك ما يسمى “معارضة”.

 مآلات الحوار

ثلاثة محاور أساسية يهتم الحوار الوطني بمناقشتها هي السياسة والإقتصاد والمجتمع، وتنقسم تلك المحاور إلى 113 قضية يهدف الحوار إلى نقاشها كما قالت أميرة صابر عضوة “مجلس أمناء الحوار الوطني” في حوار لـ”سي إن إن” وكل هذا يتضمنه 19 ملفا أنشئ لكل منها لجنة نوعية خاصة لضمان التوصل لتوصيات تشريعية وتنفيذية تؤثر على الحياة السياسية في مصر، ومن المفترض أن تلك التوصيات تُلزم الحكومة بتنفيذها.

ما يحدث لا يمت لكلمة الحوار بصلة، واعتقد أيضا أنها ليست عملية تنفيس سياسي ولكن جزء من محاولات النظام الدائمة لتدجين كل القوى الفاعلة في الشأن العام المصري وإدخالها في عباءته والاستحواذ على كل شيء بما في ذلك ما يسمى “معارضة”.

أحمد عابدين

من جانبه يضيف عابدين “للحل نت” أن، “الحوار سينتهي ببعض البيانات الصحفية والإجراءات الشكلية التي لن تغير شيئا من واقع مصر السياسي والإقتصادي والاجتماعي، بل على العكس سيستغل النظام هذا المشهد في تعميق سياساته الفاشلة”.

إنتخابات 2024 ومؤشر الجدية

سلطة الإشراف القضائي على العملية الإنتخابية في مصر سواء كانت نيابية أو رئاسية هي الفيصل في نجاح وقانونية تلك الإنتخابات، وبرغم ذلك لا يُعصم القضاء في مصر من اتهامات التزوير بسبب التداخل الكبير بين القضاء والسياسة والذي كان حاضرا بذروته في انتخابات العام 2005 والعام 2012 حيث واجهت المحكمة الدستورية العليا اتهامات وتشكيك كثيرين.

قضية الإشراف القضائي على الإنتخابات تحتل جزء كبير على طاولة الحوار الوطني، فذلك الإشراف على الانتخابات ينتهي العام المقبل وفقًا لما تنص عليه المادة 34 من قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو الأمر الذي دعا الرئيس السيسي أن يدعو المشاركين إلى مناقشة مقترح مقدم من مجلس أمناء الحوار الوطني لإجراء تعديل تشريعي على الانتخابات ليسمح بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات الرئاسية عام 2024.

لا يتوقف الجدل الذي تثيره هذه الإنتخابات عند هذا الحد، فبالتوازي مع توقيت الحوار الوطني، كان من المقرر عودة المعارض النائب السابق أحمد طنطاوي إلى مصر من منفاه في لبنان وقد أعلن نفسه كمرشح محتمل في الإنتخابات الرئاسية القادمة، إلا أنه فوجئ بإلقاء القبض على عمه وخاله بعدإختفائهما لمدة يومين وتقديمها كمتهمين أمام نيابة أمن الدولة بتهمة الإنضمام لجماعات إرهابية محظورة، وهذا ما دعا إلى التشكيك في خطوة الحوار الوطني حيث أن السلطة لا زالت تلاحق معارضيها بنفس الأساليب. يرى عابدين في حديثه “للحل نت” أن، “اعتقال أقارب الطنطاوي وآخرين من المقربين منه هي رسالة لمن ذهب للحوار ومن لم يذهب، مفادها أن هناك من باب من اثنين، اما الانصياع التام وعليه سيتم دعوتك في أماكن فخمة وصور منمقة ولقطات للتباهي أمام دوائرك، أو المعتقل لك ولكل دوائرك”.

وتبقى الحقيقة مرهونة بما ستكون عليه مجريات الأمور، بدءا بالإلتزام بتنفيذ بتوصيات الحوار الوطني للإصلاح، وانتهاءا بانتخابات العام 2024.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات