بينما تمر المغرب بأسوأ أزمة جفاف انعكست بشكل مباشر على الأمن الغذائي للبلاد، حيث ارتفعت الأسعار واضطرت إلى تقليص إنتاج الحبوب بنسبة 70 بالمئة، الأمر الذي شكّل مصدر قلق كبير للحكومة التي بات المواطنون يحمّلونها مسؤولية عدم إيجاد حلول ناجعة لذلك، لجأت المغرب إلى تطوير وإنتاج بذور مطورة، تساعد على زيادة إنتاج الحبوب.

فعلاوة على أزمة الجفاف التي تعاني منها المغرب، بلغت أسعار الخضراوات والفواكه في الأسابيع القليلة الماضية مستويات قياسية، مما أسهم في زيادة معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، حيث سجّل معدل التضخم في الربع الأول من العام الحالي 9.4 بالمئة، مقابل 4 بالمئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

المغرب تواجه منذ 70 عاما أزمات جفاف متعددة، وعرفت البلاد خلال هذه الفترة الماضية 20 موسم جفاف، فيما تواجه البلاد منذ عام 2001 تحدي تدبير الموارد المائية بسبب انخفاض منسوب الأمطار والارتفاع المتواصل في درجات الحرارة والإفراط في استغلال المياه الجوفية، وذلك في الوقت الذي تُصنّف فيه المغرب ضمن البلدان المهددة بإجهاد مائي حاد بحلول سنة 2040، في حين يُعد القطاع الزراعي أكثر قطاع مستهلك للمياه بمعدل طلب يبلغ 87.3 بالمئة.

ضغوطات شعبية تواجه الحكومة المغربية

في ظل هذه الحالة، خرج مواطنون مغربيون في التاسع من الشهر الماضي، للتظاهر احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية بدعوة من ائتلاف أحزاب يسارية، وجاءت هذه المظاهرات في وقت يضرب التضخم والجفاف البلاد، الأمر الذي عرض الحكومة لانتقادات النقابات والمعارضة البرلمانية ووسائل الإعلام المحلية.

بناء على ذلك، وفي سلسلة محاولات الحكومة المغربية مواجهة هذه التحديات، باشرت البلاد في إنتاج بذور مطوّرة، تساعد على زيادة إنتاج الحبوب بنسبة 30 بالمئة، مقارنة مع البذور العادية، وتسعى الجهات المعنية بالزراعة في المغرب، من خلال ذلك للتغلب على النقص الحاد في إنتاج البلاد من الحبوب بسبب الجفاف.

مدير “المعهد الوطني للبحث الزراعي” في المغرب، فوزي البقاوي قال؛ لقد طوّرنا أنواعا من القمح والشعير لتكون أكثر قدرة على التكيف مع كل الظروف، مؤكدا أنه في سنوات الجفاف هذه سنحصد محصولا من هذه الأصناف أفضل بنسبة 30 بالمئة من الأنواع الأخرى.

ذلك جاء بالتزامن مع تزايد الجهود العلمية لتحسين الإنتاج، بالتعاون مع “المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة”، التي توجت بافتتاح “بنك الجينات” لحماية التنوع البيولوجي في المجال الزراعي.

ممثل “المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة”، أحمد عامري قال؛ إن التعاون مع المغرب يركز على تحسين علم الوراثة للحفاظ على الموارد، مشيرا إلى أنه بعد مغادرتهم لسوريا عام 2012 قد استقبلتهم المملكة، حيث تم إنشاء “بنك الجينات”.

وسط هذا المشهد، وإذا ما كانت تقنية تطوير البذور فعّالة بمواجهة كل تلك التحديات، فضلا عن إذا ما كانت ستخفف الأعباء على الحكومة المغربية، يقول المختص بالشأن المغربي عبدالمنعم الكزان، إن الحكومة المغربية قامت برفع الميزانية بعد اجتماع ترأسه العاهل المغربي بالرفع من مخصصات تدبير أزمة الجفاف بتكلفة إجمالية بلغت 143 مليار درهم، بعد أن كانت في حدود 115، مما يؤكد الأهمية التي تحتلها إشكالية الجفاف لدى الدولة المغربية.

استراتيجية متعددة الأوجه

الكزان، أشار في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أنه في البداية لا بدّ من الإشارة إلى أن المملكة، اعتمدت في سياستها المائية على إنشاء السدود لضمان تحقيق الأمن المائي منذ أواسط الستينيات من القرن الماضي، لتصبح الآن من أكبر الدول في شمال إفريقيا من حيث السدود الكبرى، إضافة إلى السدود الصغرى والمتوسطة، ما مكّنها من تجاوز مرحلة الجفاف في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تمتلك المملكة 149 سدا كبيرا ما يمكّن من تخزين 19 مليون متر مكعب من الماء سنويا.

المغرب يطور بذور تساعد على زيادرة إنتاج الحبوب بنسبة 30 بالمئة/ إنترنت + وكالات

علاوة على ذلك، بحسب المختص بالشأن المغربي، قد لجأت المملكة في العام الماضي إلى تشيد 15 سدا كبيرا بكلفة 21 مليارا و460 مليون درهم، أي ما يعادل 2.07 مليار دولار، لكن التحولات المناخية خلال العقود الأربعة الأخيرة، تسببت في الجفاف مجددا، إذ إن معدل هطول الأمطار للموسم الحالي هذه السنة في المغرب هو الأدنى منذ 41 عاما.

الأمر الذي حتّم على مملكة المغرب دعم سياسة السدود باستراتيجيات أخرى، لتلجأ الحكومة لتخصيص في مشروع قانون الموازنة لسنة 2023، ما يناهز 10.6 مليار درهم، أي نحو 996 مليون دولار، لتدبير إشكالية أزمة المياه، بالتالي أن المملكة المغربية اعتمدت استراتيجية متعددة الأوجه حسب المجال الجغرافي المستهدف، وكذلك حسب البنية الديموغرافية على غرار التقطير وتحلية ماء البحر، بحسب الكزان.

الكزان أشار إلى أنه، بالإضافة إلى تلك الاستراتيجيات، عملت الحكومة على التحول إلى الطاقات المتجددة لمكافحة التغيرات المناخية، وإنشاء محطة تحلية مياه هي أحد أكبر المحطات في إفريقيا والبحر المتوسط، الواقعة في محافظة أشتوكة آيت غرب البلاد، حيث تبلغ سعتها في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب، منها 150 ألف متر مكعب مياه صالحة للشرب.

لكن بالرغم من كل تلك المجهودات ووعي مملكة المغرب بالمسألة المائية باعتبارها أولوية، بحسب الكزان، فقد لفت إلى أنه لم يتم حتى الآن تحقيق الأمن المائي والغذائي، ما دفع بموازاة ذلك المملكة إلى العمل على تطوير مجموعة من المنتجات الفلاحية المطورة، ومن بينها الحبوب التي يعمل عليها، وذلك باعتباره تهجين واختيار ما بين سلالات الحبوب، من أجل التوصل إلى السلالة التي لها جودة عالية، أملا مختلفا عن التعديل الوراثي، مبينا أن هذا الأمر يتطلب سنوات من التطوير والانتقاء والهندسة الزراعية، بغية تعزيز التنافسية الانتاجية والتكيف مع التغير المناخي والتدبير المستدام للموارد الطبيعية.

المختص بالشأن المغربي، لفت إلى ذلك ساعد في إنتاج أصناف القمح الصلب الجديدة بزيادة قد تصل إلى 50 بالمئة على مستوى الإنتاجية، وفي ظروف مناخية أقل وفرة للمياه، مستفيدا من اعتماد تهجين مجموعة من الأصناف على المستوى الدولي أو على مستوى البحر المتوسط، مشددا في الوقت ذاته على أن بالرغم من ذلك، لكن مع استمرار الطلب الخارجي، واستمرار التحولات البيئية واستمرار مجموعة من النزاعات العالمية، قد تكون هذه المجهودات عديمة الجدوى من دون إجراءات مصاحبة.

خطوات تعزيزية

من هذه الإجراءات المصاحبة على سبيل المثال، دمج بعض المناطق البورية وتحويلها إلى مناطق قابلة للسقي التكميلي، للتمكّن من الاستفادة من هطول الأمطار، ومواكبة الفلاحين ودعمهم بحبوب ذات جودة عالية، بحسب الكزان، الذي أشار إلى أنه بالإضافة لذلك، التحكم في سلاسل الاستيراد والتصدير الغذائي بشكل معقول، والعمل على توفر ى طاقات تخزين كبيرة، فضلا عن توفير مياه السقي، والعمل على التحول على مستوى نمط الاستهلاك، والرفع من قيمة البحث العلمي في المجال الفلاحي.

المغرب مهددة بالإجهاد المائي بحلول عام 2027/ إنترنت + وكالات

يشار إلى أنه، من بين الزراعات ذات القدرة على مقاومة التغيرات المناخية التي تدعمها المملكة، هي أشجار الخروب والزيتون والأرغان والصبار واللوز، بجانب تطوير واستعمال أصناف نباتية محسنة جينيا مقاومة للجفاف، خصوصا التي تتعلق بالحبوب والأعلاف.

حيث أطلقت وزارة الفلاحة والصيد البحري الأشهر الماضية، مشاريع لتوسيع غرس أشجار الخروب في عدد من مناطق المغرب، ويسعى مخطط “الجيل الأخضر 2020-2030” الذي تشرف عليه الوزارة، إلى زراعة مساحة تقارب 100 ألف هكتار بأشجار الخروب لرفع الإنتاج الوطني.

فيما بلغت المساحات المزروعة بالصبار 170 ألف هكتار، والمزروعة بأشجار اللوز 171 ألف هكتار، في حين تتجاوز المساحة المغروسة بأشجار الزيتون مليون هكتار، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه المغرب تراجعا مقلقا في حصة الفرد السنوية من المياه، إذ بلغت أقل من 650 مترا مكعبا سنويا مقابل 2500 عام 1960، ومن المتوقع أن تقل الكمية عن 500 متر مكعب بحلول 2030، حسب تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب.

جدير بالذكر، أن من آثار الجفاف والتغير المناخي، والاستعمال غير المسؤول للمياه، هو جفاف أنهر المملكة بشكل خطير في الربع الأخير من العام الماضي، حيث جفت مياه نهر ملوية، وهو أحد أكبر أنهار مملكة المغرب، إلى حدّ بات عاجزا عن بلوغ مصبه في البحر الأبيض المتوسط، وكذلك جفت مياه حوض سبو بمنطقة الغرب؛ أكبر الأحواض المائية بالمملكة، ووادي درعة في جنوب البلاد.

بالتالي فإن من تداعيات الانخفاض المهول لمنسوب مياه الأحواض المائية، إثر شح التساقطات الثلجية والأمطار خلال السنوات الأخيرة والاستغلال الجائر للمياه السطحية والجوفية في أنشطة الري والزراعة بشكل مكثف وغير عقلاني، باتت الثروة السمكية التي تعيش وسط هذه المنظومات البيئية المائية المغربية مهددة بالانقراض، ومنها أصناف نادرة تستوطن مياه الأوساط القارية، خصوصا في أنهار وبحيرات أعالي جبال الأطلس المتوسط بالمغرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات