في العديد من البلدان، يُعد رفع أسعار الفائدة أداة شائعة للسياسة النقدية تُستخدم لمكافحة الأزمات الاقتصادية. ومع ذلك في سوريا، وبحسب تصريحات مثيرة للجدل فإن أسعار الفائدة معلقة حاليا، ولا يتم استخدام هذه الأداة لمعالجة عدم الاستقرار الاقتصادي.

بينما تعتمد العديد من الدول حاليا على أسعار الفائدة كأداة للسيطرة على السياسات الاقتصادية بعد سياسة “الفيدرالي الأميركي” منذ آذار/مارس الفائت، إلا أن البنوك السورية اتخذت إجراءات مغايرة للبنوك الدولية، ما يطرح سؤالا، ما السر وراء إيقاف أسعار الفائدة في البنوك السورية.

فاعلية الفائدة في الاقتصاد السوري

مدى حساسية الجهاز المصرفي لقرارات البنوك المركزية، وحجم اعتماد المستهلكين والمستثمرين على الجهاز المصرفي لتمويل إنفاقهم، وماهية الأدوات النقدية المساعدة لأداة سعر الفائدة المستخدمة من قبل البنوك المركزية، هي من ضمن العوامل التي أُهملت مؤخرا في البنوك السورية.

البنك المركزي السوري في دمشق - إنترنت
البنك المركزي السوري في دمشق – إنترنت

الأستاذ في “المعهد الوطني للإدارة العامة”، أيهم أسد، كشف في حديثه لصحيفة “الوطن” المحلية، أمس الخميس، أن أداة أسعار الفائدة تكاد تكون شبه معطّلة في الاقتصاد السوري، وذلك بسبب ضعف عدة عوامل، وخاصة في ظل ظروف عدم الاستقرار الاقتصادي الراهن.

علاوة على ذلك، فإن معدلات الفائدة الحقيقية في الاقتصاد السوري بحسب أسد سالبة، إذ إن معدل الفائدة الحقيقي هو عبارة عن معدل الفائدة الاسمي مخصوما منه معدل التضخم السائد، وذلك بسبب التضخم الكبير الذي يعاني منه، الأمر الذي يعدم أثر أداة سعر الفائدة في الاقتصاد.

في هذا السياق، بيّن أسد أن البنوك المركزية في كل دول العالم، هي بنوك تقود الدفاع عن قيمة النقد ولا تُقاد، وهذا معناه ببساطة أنها لا تتبع سعر صرف العملة الوطنية في السوق السوداء، بل يجب أن تسيطر على هذا السعر، وتُتبِع السوق السوداء لسياساتها، وألا تسمح لهذه السوق ولقلة من المضاربين بالتحكم بقيمة النقد والاقتصاد.

تطبيق ذلك يجب أن يكون عبر فرض حزمة كبيرة من أدوات السياسة النقدية التي تستهدف السيطرة على قيمة النقد، والأهم من ذلك أن البنوك المركزية في الاقتصادات كافة، هي من تُرسل الإشارات الاقتصادية والنقدية الأولى والتي تحذر من التغيرات الاقتصادية سواء الإيجابية أو السلبية.

السوريون يخسرون في ودائعهم البنكية؟

منذ عام 2021، السلطات النقدية والمالية داخل الحكومة السورية، اتخذت إجراء يشابه شكلا ما قامت به الدولة المصرية، حينما رفعت سعر الفائدة، وخفّضت قيمة الجنيه المصري، في نفس اليوم، بهدف لجم التضخم.

التبريرات التي ساقها “بنك سوريا المركزي” بقرار رفع سعر الفائدة، وتخفيض قيمة صرف الليرة السورية ركزت بصورة أساسية، على هدف الحد من الضغوط التضخمية. لكن إسقاط الحالة المصرية على الحالة السورية وفقا لخبراء اقتصاديين أمر لا ينمّ عن أية حكمة، لدى صانع القرار الاقتصادي السوري، فضلا عن أن عملية التنفيذ لم تكن حتى مسترشدة بالنموذج المصري من حيث المضمون.

السلطات النقدية السورية رفعت سعر الفائدة على الودائع، من 7 إلى 11 بالمئة، أي بنسبة 4 بالمئة بينما في مصر، رفع المركزي سعر الفائدة، بنسبة 1 بالمئة فقط.

بسبب هذه القرارات فإن المواطن الذي يودّع 100 مليون ليرة سورية على مدار سنة، مراهناً على فائدة الـ 11 بالمئة، سيخسر من القيمة الحقيقية لنقوده بكل تأكيد، حيث إذا اعتمدنا أرقام العام 2023 فإن الليرة خسرت من قيمتها، خلال سنة 50 بالمئة،  أي في المحصلة، وبعد طرح مربح الفائدة، سيخسر  المودّع 48 بالمئة من القيمة الحقيقية لأمواله.

اقتصاديون سوريون يرون أن رفع سعر الفائدة المصرفية ضرورة شكلية كي لا تهرب ما تبقى من إيداعات، أو تقييم سعر الفائدة وفق نسب التضخم كل ستة أشهر، لتحافظ المصارف على الإيداعات، لكن في الواقع فإن تنفيذ الزيادة والفائدة الحقيقة لا يطبّق بناء على انخفاض الليرة السورية بشكل يومي.

سيولة بلا فائدة

في نيسان/أبريل 2022، أوصى “بنك سوريا المركزي” بضرورة وضع سعر فائدة واقعي يعكس ظروف الاقتصاد السوري ويساعد على إعادة هيكلة السيولة لدى المصارف بتشجيع الادخار وتوظيف التسهيلات الائتمانية نحو الاستثمارات المجدية، التي تدعم زيادة التشغيل والإنتاج.

رفع الفوائد في ذلك الوقت برأي الخبراء لن يكون له صدى إيجابي جيد على اعتبار أن هناك تراجعا في القوة الشرائية لليرة السورية، إضافة إلى تراجع في قدرة الدخل على الاستهلاك، وهذا يعني أن هذين المعوّقين سيقفان دون زيادة الادخارات في المصارف، وهذا ما حدث فعلا في الوقت الحالي.

البنك المركزي السوري في دمشق - إنترنت
البنك المركزي السوري في دمشق – إنترنت

فمهما كان سعر الفائدة مرتفعا في الوقت الراهن، فلن يجذب الودائع، لأن معدل التضخم الجامح الذي يشهده الاقتصاد السوري حاليا أسرع من ارتفاع سعر الفائدة مما يجعل أي سعر حالي أو في المستقبل المنظور غير مجدٍ عمليا، ويضاف إلى ذلك، سياسة تجفيف السيولة وتقييد حركة السحب وحركة الحوالات، ولذلك جمّدت حاليا الفوائد داخل البنوك السورية.

بشكل عام، هناك عدة عوامل تساهم في تعليق أسعار الفائدة في البنوك السورية، حيث يلعب ضعف الاقتصاد السوري، وارتفاع معدل التضخم، والمخاوف من تفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي دورا في ذلك. وفي حين أن رفع أسعار الفائدة هو أداة شائعة تستخدمها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، فقد لا تكون فعّالة في جميع السياقات، وفي حالة سوريا فهي ليست خيارا قابلا للتطبيق في الوقت الحالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات