يبدو أن المصارف السورية خلال السنوات السابقة، كانت تصوب أعينها على المصارف اللبنانية وما حل بها من أزمة مالية أوصلت بعضها في نهاية الطريق إلى الإغلاق، وأخرى إلى إعلان الإفلاس وعدم قدرتها على دفع الأموال للمودعين.

ونتيجة لذلك، عزفت المصارف السورية، عن دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وكذلك أهمية استثمار الأموال في مشاريع التنمية الاقتصادية، لأن الفرص في الاقتصاد السوري عديدة، بحسب مسؤولين سابقين في الحكومة السورية، بسبب قلة الإنتاج وتعطش السوق.

الاقتصاد الوطني غير مشجع

هناك العديد من السلع التي يمكن تصنيعها محليا، بدلا من استيرادها للاقتصاد السوري، سواء في الزراعة أو تربية المواشي والدواجن أو في الصناعة، لتوفير النقد الأجنبي وتشغيل الطاقات المحلية، كما ترى وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، لكن عدم وجود إستراتيجية شاملة وسياسة اقتصادية لمعالجة جوانب مختلفة من المسألة الاقتصادية بشكل متكامل، هو أحد أهم أسباب تراكم السيولة النقدية في المصارف.

حديث عاصي، جاء تعليقا لما أثارته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الخميس، عن وجود 3 تريليونات ليرة داخل المصارف السورية، ومثل هذه المبالغ لا يفيد الاقتصاد السوري الذي يحتاج بشدة إلى استثمارات حقيقية أكثر للإنتاج، وحجم المبلغ يعطي للقارئ غير المتخصص انطباعا معاكسا للحقيقة، بأن وجود مثل هذه المبالغ لا يفيده.

كما أشارت الصحيفة، إلى أن المصارف فضلت تكديس الأموال بدل استثمارها، في حين أن الاقتصاد السوري الذي هو بأمس الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات الحقيقية للإنتاج.

ومن جهتها، لفتت الوزيرة السابقة، إلى أن عدم وجود استراتيجية شاملة وسياسة اقتصادية لمعالجة مختلف جوانب القضية الاقتصادية بشكل متكامل، يعد من أهم أسباب تراكم النقد في البنوك دون توظيفه في الاقتصاد الوطني، لأن ذلك سيؤدي إلى إصدار قرارات اقتصادية تعالج وضعا معينا، بغض النظر عن أنها جزء أساسي من الحالة الاقتصادية العامة في البلد.

وسبب آخر كان وراء تراكم السيولة النقدية في المصارف، بحسب عاصي، هو فشل الحكومة في تبني برنامج واضح ومعلن لدعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وتزويدها بتسهيلات حقيقية من حيث إجراءات التأسيس والتمويل، فضلا عن تعرضها للضرائب والرسوم، وبالإضافة إلى صعوبة البيئة الخارجية التي تتواجد فيها المشاريع والتي تتميز بانخفاض الطلب بسبب ارتفاع معدلات التضخم، وما ينتج عنها من ضعف كبير في القوة الشرائية.

تراخٍ حكومي للنهوض بالاقتصاد

وعلاوة على ذلك، فإن من مهام المؤسسات الاقتصادية الحكومية في سوريا استثمار فائض السيولة، لا سيما في البنوك العامة، والتي لم تنفذها حتى الآن، وهذا بحسب عاصي، يرتبط ارتباطا وثيقا برؤيتها ونهجها في عملية التقدم الاقتصادي، سواء كان ذلك مرتبطا بزيادة الإنتاج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص عمل منتجة وذات مغزى للشباب، وخفض معدلات البطالة، وتحسين القوة الشرائية للأفراد، كما هو الحال في دول العالم.

وتابعت عاصي: “تهدف السياسات الاقتصادية للحكومة إلى زيادة كفاءة الاستثمار في الموارد المادية والبشرية للدولة، وبالتالي تشجيع المشاريع أو الشركات الناشئة، من خلال مجموعة واسعة من السياسات والقوانين، من أهمها توفير التمويل لهذه المشاريع من خلال تقديم الضمانات وبرامج دعم الفوائد، وتحمل المخاطر المرتبطة بذلك الإقراض”.

استثمار سيحرك العجلة المتوقفة

في حالة العمل على استثمار الثلاثة تريليونات ليرة سورية، طبقا لحديث مدير الأبحاث في المعهد الوطني للإدارة العامة، أيهم أسد، ولا سيما بالنسبة لضخامة المبلغ وحاجة الاقتصاد لتشغيله، ستكون قادرة على تمويل 60 ألف مشروع صغير ومتوسط، وبرأسمال 50 مليون ليرة لكل مشروع وبوتيرة 20 ألف مشروع في السنة، كما أن 60 ألف مشروع ستوظف بشكل مباشر 300 ألف شخص، باستثناء فرص العمل غير المباشرة.

وتابع أسد، أن “هذه المشاريع ستدعم ما لا يقل عن 60 ألف أسرة سورية، باعتبار أن متوسط ​​حجم الأسرة هو 5 أفراد، وبالتالي سيؤدي حتما إلى زيادة الإنتاج الوطني وتغطية السوق ببضائع جديدة، قد يكون بعضها سلعا استهلاكية شعبية تغطي مناطق محلية واسعة”.

ويشير أسد، إلى أن الجهاز المصرفي باسترداد تلك الأموال بفائدة إقراضها، وبالتالي تتعزز إيراداتها، ويمكن إعادة توظيفها في قروض مماثلة، كما ستنجح العمالة المحلية، وبالتالي تنخفض معدلات البطالة في الاقتصاد، وستنخفض معدلات الفقر، وستتحسن مداخيل العديد من الأفراد والأسر.

ومن الرسوم والضرائب المفروضة على هذه الأنشطة ستفيد وحدات الإدارة المحلية، مما يزيد من قدرتها على تمويل الخدمات المحلية، ووعلية ستتشكل حالة شراكة وطنية (عامة – خاصة – مدنية) في إدارة هذه الصناديق، وتعزز أدوار جميع الفاعلين فيها.

الجدير ذكره، أن المصارف السورية، نأت بنفسها عن الأزمة الاقتصادية في سوريا، حيث تفاقمت مع استمرار ارتفاع نسب التضخم في البلاد، فضلا عن انهيار العملة المحلية، الذي أطاح بقيمة رواتب الموظفين، ليعجز الراتب حتى عن تغطية أجور المواصلات للموظف إلى مقر وظيفته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.