بعد مرور أكثر من 20 عاما على عودة العلاقات العراقية الكويتية إلى طبيعتها، لايزال ملف ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين البلدين قائما دونما حل، وهو ما يفتح الباب لحدوث خلافات وتجاوزات، قد تصل إلى تفجر أزمة دبلوماسية، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق نهائي لحل جميع الملفات العالقة حول هذه القضية.

قضية ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق، عادت إلى الواجهة مؤخرا بعد مطالبات كويتية بحل الملفات العالقة بين البلدين حول تلك القضية، خاصة بعد الانتهاء من ملف تعويضات الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت عام 1990، إذ جاءت أبرز المطالبات الكويتية على لسان رئيس الحكومة أحمد نواف الأحمد الصباح، حين طالب في كلمته في مؤتمر “بغداد 2” الذي استضافه الأردن يوم 20 كانون الأول/ديسمبر 2022، بإغلاق كل الملفات العالقة بين البلدين، خاصة ملف ترسيم الحدود البحرية بينهما.

الصباح اعتبر أن “استكمال ترسيم الحدود البحرية بعد العلامة 162، سيكون بداية للانتقال بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق جديدة تعكس ما يربط بين البلدين، ورغبة قيادتهما، حيث إن إغلاق جميع الملفات العالقة، يفوت الفرصة على من دأب على استغلال هذه الملفات في بث التلفيقات للنيل من هذه العلاقة وتعكير صفوها”، بحسب ما نقله موقع “الخليج أونلاين”.

مفاوضات جديدة

اللجنة الفنية الكويتية العراقية المشتركة، عقدت اجتماعها السادس في دولة الكويت، في 14 من الشهر الجاري، وقد ترأس الجانب الكويتي نائب وزير الخارجية السفير منصور العتيبي، في حين ترأس الجانب العراقي المستشار عثمان العبودي، حيث تضمن الاجتماع مواصلة الحوار المشترك في الجوانب الفنية والقانونية لترسيم الحدود البحرية لما بعد “العلامة 162″، وقد اتفق الطرفان على مواصلة الحوار البناء بين الجانبين في إطار تعزيز العلاقات الأخوية التي تربط بين البلدين الشقيقين.

مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق/ AFP
مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق/ AFP

سبق هذا الاجتماع، اجتماع مماثل عُقد في العاصمة العراقية بغداد، يوم 19 شباط/فبراير الماضي؛ وهو الاجتماع الخامس، في مسعى أيضا للتوصل إلى حل لقضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، من خلال الحوار بين الطرفين، والاستمرارية لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الكويتية “كونا”.

من جانبه يرى النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي المحلل السياسي، فيصل الدويسان، بأن المباحثات الأخيرة يمكن أن تُسهم في إتمام عملية ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق، حيث يوضح الدويسان خلال حديثه لـ”الحل نت” أنه  “لا شيء مستحيل في هذه المسألة الحساسة، سيما أن الكويت تشكو من التجاوز على حدودها البحرية، وكذلك العراق يعتقد أن ثمة تجاوزا كويتيا على حدوده، فإذا استطاع الجانبان الكويتي والعراقي الخروج من تأثير سطوة المتاجرة السياسية في هذه القضية الفنية، فالوصول إلى كامل الترسيم ممكن”، ويضيف هنا بأن “الطريق لترسيم الحدود البحرية لن يكون مفروشا بالورود” وفق تعبيره.

من جانبها أدت الأمم المتحدة دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدين بعد العام 1990، وقامت المنظمة الأممية بترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت عام 1993، لكنها لم تعمد إلى ترسيم الحدود البحرية بكاملها، وتركت هذه المهمة للدولتين، حيث توقف ترسيم الحدود البحرية بينهم عند النقطة المعروفة بـ”العلامة 162″، وهي آخر علامة رسمها مجلس الأمن الدولي وفق القرار “833” في 27 مايو 1993، وهي تقع في منتصف “خور عبد الله”.

الخور آنف الذكر، هو ممر مائي مشترك يقع في شمال الخليج العربي، بين جزيرتي “بوبيان” و”وربة”، وشبه “جزيرة الفاو” العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية، مشكلا “خور الزبير” الذي يقع عليه ميناء “أم قصر” العراقي، وتعد المنطقة الواقعة بعد “العلامة 162” البحرية نقطة خلاف كبيرة بين العراق والكويت، خاصة مع الخلاف العلني حول منطقة “فشت العيج”.

خلافات عالقة

في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2022، ظهر خلاف علني حول الحدود البحرية الكويتية العراقية، حين تقدمت الكويت بمذكرة للعراق، بشأن قيام 3 قطع بحرية عراقية بـ”تجاوز المياه الإقليمية لدولة الكويت”، وبعد يوم من التاريخ المذكور كشفت صحيفة كويتية أن القطع البحرية العراقية، غادرت المياه الإقليمية للبلاد بأوامر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لافتة إلى أن “التعاون الكويتي العراقي في جميع الجوانب لا تمسه أي شكوك أو عوائق”. بحسب ما نقله موقع “الخليج الجديد”.

في آب/أغسطس 2019، تقدم العراق بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ضد الكويت اعتراضا على قيامها بإنشاء منصة بحرية في “فشت العيج”، وهي مساحة من الأرض تقع بعد “العلامة 162″، إلا أن الكويت سارعت في حينها إلى الرد على شكوى العراق، قائلة إن “بناء منصة بحرية فوق منطقة فشت العيج الواقعة في المياه الإقليمية الكويتية هو حق كويتي”.

بينما ترى الكويت أن “فشت العيج” واقعة ضمن سيادتها، يؤكد العراق أن خطوة الكويت تُحدث تغييرا في الحدود البحرية، قبل التوصّل إلى اتفاق يفضي لترسيم الحدود كاملة، وهو ما يؤكّده مراقبون بأن “قضية فشت العيج ليست طبيعية، وإنما مصطنعة افتعلتها الكويت”.

في الجانب الفني ما بعد “العلامة 162″، حيث توقف الترسيم الأممي عام 1993 فيها وترك للبلدين حرية المفاوضات حول ما بعد هذه العلامة؛ يقول الدويسان، إن هذه العلامة تقع في منتصف “خور عبدالله”، وعادة يحدث التجاوز بعد هذه المنطقة. حيث يظن البحارة العراقيون أنهم في مياههم الإقليمية وليست المياه الإقليمية الكويتية، بسبب ضيق الخور وندرة المساحة البحرية العراقية، وعليه فإن البحث في الجانب الفني يعتمد في الأصل على فهم روح القوانين الدولية في هذا الشأن بعيدا عن العواطف، وفق وصفه.

أما على الجانب السياسي يرى الدويسان، بأن صراع الأحزاب السياسية في العراق لا يخلو من استخدام ورقة الترسيم، واتهام الحزب المشكل للحكومة، بأنه مقصر في حقوق العراق في هذا الشأن، ما يؤدي إلى تهيبج الرأي العام وهو أمر يجانب الحقيقة، ولكنها تبقى مسألة حساسة في الصراع السياسي.

خيارات متاحة

في حال فشلت المفاوضات بين العراق والكويت حول إتمام ترسيم الحدود البحرية، يرجح المحلل السياسي فيصل الدويسان، أن يلجأ للتحكيم الدولي، ويضيف بأن الأمر برمته فني بحت فإذا ما ترسمت الحدود وفقا للقانون الدولي في هذا الشأن فلا شك أن الأمر سيكون مرضيا للطرفين، وفق تعبيره.

كاسر الأمواج في ميناء الفاو الواقع على الخليج العربي (موقع وزارة النقل العراقية)
كاسر الأمواج في ميناء الفاو الواقع على الخليج العربي (موقع وزارة النقل العراقية)

أيضا، يمكن للكويت أن تستمر في المفاوضات الثنائية مع العراق في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية، بحسب الدويسان قد تتطلب هذه الخطوة إرادة سياسية قوية ومرونة من الجانبين للتوصل إلى تفاهمات وحلول مقبولة للطرفين، كما يمكن لها التعاون مع الدول الأخرى في المنطقة والمنظمات الإقليمية للتوصل إلى حلول بناءة ومشتركة لقضية الترسيم، وهذه الخطوة تتضمن العمل مع الجهات الدولية والإقليمية لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة.

أخيرا، يرى الدويسان بأن المشكلات العالقة بين الكويت والعراق ومن بينها الحدود وترسيمها، ستحل حينما تتوحد الإرادة السياسية لكليهما، حينها سيتم تذليل كل القضايا العالقة، وخاصة أن هناك مقررات دولية أقرت حقوق كل طرف، إلا أن الأمر يحتاج فقط إلى تثبيت مواقف رسمية وتعزيز تلك المواقف، بعيدا عن البيانات والمشكلات التي تفرضها الأطراف السياسية.

جميع الخيارات المطروحة، تهدف إلى تسوية النزاعات بشكل سلمي وفي إطار قانوني بين الكويت والعراق، إذ يجب أن يتم اتخاذ القرار المناسب وفقا للظروف والمصالح الوطنية لكلا الجانبين، وقد يستدعي ذلك الحكم السياسي والاقتصادي، لأن الوصول إلى حل نهائي لقضية ترسيم الحدود البحرية بينهما، ستنعكس آثاره إيجابا على كلا الجانبين لما يمتلكاه من موارد بحرية غنية، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات