بينما تدخل الهدنة المبرمة بين قوات الجيش السوداني و”الدعم السريع”، بوساطة سعودية أميركية، يومها الرابع، كشفت الولايات المتحدة الأميركية، اليوم الجمعة، عن تزويد جماعة “فاغنر” الروسية، قوات “الدعم السريع” التي يقودها الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميديتي”، بصواريخ أرض جو، الأمر الذي فتح الباب على تساؤلات عدة حول مصير الحرب في السودان وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على مجريات الأوضاع، وعن مصلحة روسيا بذلك.

وزارة الخزانة الأميركية، قالت إن مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة تزود قوات “الدعم السريع” بصواريخ أرض جو لمواجهة الجيش السوداني، مشيرة في بيان رسمي، إلى أن “فاغنر” تدخلت في بلدان إفريقية وزعزعت استقرارها، وارتكبت انتهاكات واسعة النطاق، واستولت على الموارد الطبيعية، معتبرة أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الفوضى في المنطقة.

بناء على ذلك، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على قائد “فاغنر” المصنفة كـ “منظمة إجرامية دولية”، في مالي إيفان ألكسندروفيتش ماسلوف، الذي اتهمته بأنه يرتب لقاءات بين مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين ومسؤولين حكوميين من عدة دول إفريقية.

تحذيرات أميركية من تدخلات “ُفاغنر”

بناء على ذلك، حذرت واشنطن مرارا من أنشطة “فاغنر” المزعزعة للاستقرار، في الوقت الذي شددت عقوباتها على المجموعة التي تقود العديد من الأنشطة العسكرية الروسية في عدد من مناطق العالم، والمتهمة بارتكاب جرائم كبرى ضد الإنسانية، وذلك في سياق مكافحة أنشطة الجماعة منذ أعقاب الغزو الروسي على أوكرانيا العام الماضي.

التأكيدات الأميركية حول دعم “فاغنر” لقوات “الدعم السريع” بالصواريخ، يأتي بعد أن حذرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الأسبوع الماضي، من أن “فاغنر” تسعى إلى نقل معدات عسكرية عبر دولة مالي الإفريقية.

إلى ذلك، تحرص “فاغنر” على إرساء وجودها في السودان، وذلك لما يوفره لها من مكاسب كبيرة من خلال عمليات تعدين الذهب، ووجود قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، حيث يمثلان هذان المحوران المصلحة الرئيسة لتدخل المجموعة المرتبطة بشكل وثيق بالحكومة الروسية، في الشأن السوداني، كما تهدف من خلال دعمها لقوات “الدعم السريع” المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إلى تشكيل مستقبل سياسي يمكن مصالحها الخاصة ويحافظ عليها.

ببساطة، إن نتيجة الصراع المستمر على السلطة في السودان، ستؤثر على مستقبل تلك المصلحتين الرئيستين لروسيا، ولذلك تسعى “فاغنر” بدعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، جاهدة إلى استدامة الصراع في السودان، حتى الوصول إلى مرحلة تشكيل نتيجة تخدم وتكرس مصلحتها.

وسط ذلك، حذر الباحث في الشأن السوداني والأكاديمي في جامعة “قطر”، محمد الأمين مصطفى، من هذا الدعم الذي تقدمه مجموعة “فاغنر”، إلى قوات “الدعم السريع”، مما يتطلب تدخل الجهات الدولية إلى منع هذا الدعم الذي سيؤدي بحسبه، إلى إطالة مدى الحرب، وزيادة معاناة السودانيين.

الأمين مصطفى، وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إن تزويد “فاغنر” لقوات “الدعم السريع” بالأسلحة والصواريخ، وعلى الرغم من أنه في المرحلة الحالية قد لا يضر روسيا من خلال فرض عقوبات دولية جديدة، ذلك لأنه حتى الآن لم تصدر قرارات تتعلق بالحرب في السودان، مثل حظر تزويد الطرفين بالسلاح، لكن هذا الدعم الروسي سيؤثر على مسار الحرب السودانية من خلال تمكين قوات “الدعم السريع” بأسلحة نوعية قد تؤدي الى خلق نوع من توازن الرعب.

إن هذا الدعم الذي تقدمه “فاغنر” إلى “الدعم السريع”، سيخلق حالة من التوازن، خصوصا إذا ما كان من ضمنه أسلحة حديثة مضادة للطيران، وفق الأمين مصطفى، الذي بين أن، قوات “الدعم السريع” لها قوة على الأرض، لكنها تفتقد إلى الغطاء الجوي، بالتالي أن معانتاه في الحرب حاليا تندرج تحت القصف الجوي من قبل الجيش السوداني، لذلك أن امتلاكها أسلحة نوعية، سيمكنها من تغير هذه المعادلة؛ أي تحييد سلاح الطيران.

مآلات دعم “فاغنر” لـ “الدعم السريع”

بناء على ذلك، إن الدعم الذي تقدمه “فاغنر” سيكون له تأثيرات كبيرة على مجريات الحرب، إذ سيطيل أمدها، بما يشكل أمرا في غاية الخطورة سيؤدي إلى تدويل الحرب، والانتقال بها إلى مآلات جديدة؛ منها وصول السودان إلى مرحلة التفتيت والتقسيم، وظهور المصالح الاجنبية بشكل مباشر، كما يقول الباحث والأكاديمي السوداني، ويشير إلى أن روسيا لها مصالح مع قوات “الدعم السريع”، فيما يتعلق بالذهب والكثير من الثروات السودانية التي يتم تهريبها.

تحذيرات من دعم جماعة “فاغنر” الروسية لقوات “الدعم السريع”/ (AFP)

إذن إن هذا التدخل المباشر من قبل “فاغنر” في الشأن السوداني، بحسب الأمين مصطفى، إذا نجح سيؤدي إلى تحولات نوعية في الحرب، ويزيد من معاناة الشعب السوداني، ما يتطلب الانتباه له، بخاصة وأن “فاغنر” أينما تدخلت تعمل على تعقيد الأوضاع، ذلك لأنها قوات نوعية ومسلحة بشكل نوعي، بالتالي سوف تؤدي إلى ازدياد الإحتراب في السودان ما قد يؤدي بالبلاد إلى حرب أهلية.

الأمين مصطفى، أشار إلى أن امتلاك قوات “الدعم السريع” لهذه الأسلحة من “فاغنر”، يعني أن الحرب ستكون طويلة المدى وفي غاية الخطورة، ما سيزيد من النزوح والهجرة والقتل، لافتا إلى أنه هذا الدعم سيزيد من تدمير المقدرات السوداني التي تضررت بشكل غير مسبوق حتى الآن، لذلك على الجهات الدولية التدخل لمنع تزويد الحرب بالوقود.

من جهته، أشار الخبير بالشأن السوداني عثمان مرغني، رئيس تحرير صحيفة “التيار” المحلية، إلى أنه منذ العام 2018، ظلت “فاغنر” تنشط في السودان حيث شاركت في تدريب قوات “الدعم السريع” ولم يكن لها حساسية داخل او خارج السودان.، بيد آنذاك لم تكن حساسيتها ذائعة داخل أو خارج السودان، لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وما ألقته من ظلالها عالميا، قد ارتفعت مواجهة الغرب للنفوذ الروسي في إفريقية والذي تمثل “فاغنر” أحد أهم تجلياته في القارة السمراء، بالإضافة لاستثماراتها في قطاع الذهب.

مرغني، وفي حديث لموقع “الحل نت”، أكد دعم “فاغنر” إلى “الدعم السريع” بالأسلحة، وتحديدا صواريخ الأرض جو، والتي تؤثر على أنشطة الطيران الحربي السوداني، لافتا إلى أن، ذلك يمثل تطورا خطيرا على مستويات عدة، أولها بدء تدويل الحرب في السودان ودخول أطراف خارجية تساعد على توسيع نطاقها جغرافيا ونوعيا.

بيد أن، ذلك قد يؤدي إلى خضوع قوات “الدعم السريع” لعقوبات أمريكية وفق القرار التنفيذي الأخير للرئيس بايدن والذي يمنح وزارة الخزانة الأمريكية سلطة تحديد شخصيات طبيعية واعتبارية لغرض تجميد أصولها وأموالها، وفق مرغنبي، الذي أشار إلى أن هذه العقوبات في حال تطبيقها ستشمل الإمبراطورية الاقتصادية التي تمتلكها قوات “الدعم السريع” داخل وخارج السودان، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل قد تشمل العقوبات أيضا بعض الدول والشخصيات غير السودانية التي قد يكون لها صلة بـ “الدعم السريع”.

يشار إلى أنه، في كانون الأول/ديسمبر 2017 بدأت مجموعة “فاغنر” بتقديم خدماتها السياسية والعسكرية للرئيس السوداني السابق عمر البشير، وقبل ذلك بشهر تفاوضت موسكو على سلسلة من الصفقات الاقتصادية والأمنية معه، وهي صفقات تضمنت على الأخص مجموعة من امتيازات تعدين الذهب لشركة “إم-إنفست”، وهي شركة روسية مرتبطة برئيس شركة “فاغنر” يفغيني بريغوجين.

مسار “فاغنر” في السودان

أنشطة فاغنر في السودان، استمرت حتى بعد الإطاحة بنظام البشير في نيسان/أبريل 2019، ونجحت المجموعة في التكيف بظل الحكومة الانتقالية الجديدة إلى أن دعمت الانقلاب العسكري قبل نهاية عام 2021، الذي أتى بحكومة أكثر اهتماما بمواصلة تعزيز العلاقات مع روسيا.

عناصر من جماعة “فاغنر”/ (AFP)

مؤخرا، كانت مصادر قد كشفت، عن تزايد نشاط حركة برية واسعة تقوم بها مجموعات “فاغنر” الروسية لنقل دعم لوجستي، في شكل وقود وذخيرة، إلى قوات حميدتي انطلاقا من مناطق في الجنوب الليبي باتجاه الحدود مع السودان.

هذا وأقام قائد قوات “الدعم السريع” حميدتي، علاقات مع روسيا، وقال دبلوماسيون غربيون في الخرطوم في عام 2022، إن “فاغنر” ضالعة في عمليات تعدين غير مشروعة للذهب في السودان وتنشر معلومات مضللة، بيد أن حميدتي، كان قد أدعى في وقت سابق بإنه نصح السودان بقطع العلاقات مع “فاغنر” بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها. 

تأسست مجموعة “فاغنر” في عام 2014، وشاركت في تأجيج صراعات مختلفة في الشرق الأوسط وإفريقيا، كأداة غير رسمية للسياسة الخارجية للكرملين الروسي، قبل أن تشارك في الحرب ضد أوكرانيا على الخطوط الأمامية.

جدير بالذكر، أنه منذ 15 نيسان/أبريل، أسفر النزاع بين الجيش وقوات “الدعم السريع” عن مقتل المئات ونزوح أكثر من مليون شخص داخليا، وفرار أكثر من 300 ألف شخص إلى الدول المجاورة، فيما أعلنت “نقابة أطباء السودان” الخميس الماضي، ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين إلى 865.

وسط هذا المشهد، فإن السودان باتت على شفا سيناريو قد يصعب الخروج منه، لاسيما إذا ما انتقل القتال بين الأهالي، الأمر الذي يتطلب تحركا دوليا عاجلا إلى وضع حد لهذا الدعم الروسي، الذي يبدو أنه في طريقه للانتقال بالحرب إلى مسارات جديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات