الاشتباك اللفظي الأخير بين مرتزقة “فاغنر” وقادة الجيش الروسي حظي باهتمام كبير بسبب تأثيره على العمليات العسكرية وانعكاساته المحتملة على القيادة الروسية. فوفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، يمثل هذا الصراع خلافا ملحوظا بين مالك شركة “فاغنر” والقيادة العسكرية الروسية العليا، وهو الأول من نوعه منذ الغزو الأوكراني قبل أكثر من عام. 

مؤسس مجموعة “فاغنر” المصنفة منظمة “إجرامية” دوليا، يفغيني بريغوجين، حذر من تعرض روسيا لـ”ثورة” إذا ما استمرت الجهود الحربية المتعثرة في أوكرانيا، إذ إن القوات الروسية غير مستعدة لمقاومة نظيرتها الموالية لأوكرانيا حتى عندما تدخل الأراضي الروسية، وهو ما حدث في سوريا سابقا.

هذا التصعيد في التوترات سلط الضوء على نكسات موسكو على الخطوط الأمامية والضغط الذي فرضته على نظام القوة الذي أسسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مدى العقدين الماضيين. بشكل عام، يقدم الوضع الراهن نظرة عامة على الديناميكيات المتطورة داخل المشهد العسكري والسياسي الروسي.

صراع “فاغنر” وقيادة “الكرملين”

الصراع بين زعيم مرتزقة “فاغنر” والجيش الروسي يختمر منذ فترة عندما بدأت المجموعة التي يدعمها “الكرملين” اقتحام منطقة باخموت شرقي أوكرانيا، ورفض الجيش الروسي إيصال الإمدادات العسكرية لها، ما أجبر زعيم المجموعة على الخروج بتسجيلات مصوره يشتم فيها قيادة الجيش الروسي.

عرض روسي للقتلى الذين سقطوا في أوكرانيا - إنترنت
عرض روسي للقتلى الذين سقطوا في أوكرانيا – إنترنت

في مقابلة مع المدون المؤيد لـ”الكرملين” كونستانتين دولغوف، والتي تم نشرها أمس الخميس، ادعى بريغوجين أن هناك غضبا شعبيا بشأن ما وصفه بحياة المتنفذين والقيادة العليا في الجيش الروسي خلال الحرب، وزعم أن هذا قد يؤدي إلى اقتحام “فيلاتهم” من قبل الشعب الروسي.

قائد “فاغنر” ذكر أن القوات الروسية غير مستعدة لمقاومة نظيرتها الموالية لأوكرانيا حتى عندما تدخل الأراضي الروسية، قائلا “أعتقد أن الأوكرانيين اليوم هم أحد أقوى الجيوش في العالم”.

يوم الثلاثاء الفائت، أقر زعيم المرتزقة الروس، بأن نحو 10 آلاف من بين 50 ألف سجين جندتهم “فاغنر” من السجون الروسية، قُتلوا في أوكرانيا على خط المواجهة في معركة باخموت الدامية، وهو ما أثبتته تقارير صحفية سابقة ونفتها القيادة الروسية.

ثورة جديدة وانقلاب داخل الجيش؟

خلال الأيام الأخيرة، عانت موسكو من دخول مجموعة من الروس المناهضين لبوتين منطقة بيلغورود في توغل أثار الغضب والارتباك حتى بين المحللين العسكريين البارزين في روسيا. 

مجموعة "فاغنر" في سوريا - إنترنت
مجموعة “فاغنر” في سوريا – إنترنت

في حديثه لـ “وول ستريت جورنال”، أضاف عباس غالياموف، كاتب خطابات بوتين السابق والمحلل السياسي، أن “هذا يعني أن بوتين أصبح ضعيفا لدرجة أن القوة الرأسية تتراجع”، مشيرا إلى أنه “في أوقات الحرب، يعد الحفاظ على جبهة موحدة المهمة الأساسية للدولة، وبوتين غير قادر على تحقيق ذلك”.

القطيعة بين أطراف النزاع في روسيا بدأت في شباط/فبراير عام 2018، عندما شنت قوات “فاغنر” هجوما على منطقة الحقول النفطية التي تديرها شركة “كونوكو” الأميركية بمحافظة دير الزور شرقي سوريا. 

بمجرد تعرض القوات الأميركية لقصف من مرتزقة “فاغنر”، وضع “البنتاغون” وزير الدفاع الروسي بصورة الوضع، وفي إفادة أمام “الكونغرس”، قال وزير الدفاع الأميركي آنذاك، جيم ماتيس، إن الروس نفوا علاقتهم بمجموعة “فاغنر” التي قصفت القوات الأميركية.

وحينها، أمر ماتيس القوات الأميركية بضرب “فاغنر”، وفي غضون ساعات، قُتل وأصيب المئات من المرتزقة الروس فيما ظلت موسكو صامتة، ووفقا لكتاب مذكرات صدرت مؤخرا لآكيريل رومانوفسكي، مراسل الحرب لوكالة الأنباء الفدرالية الروسي “ريا فان”، والذي تابع أنشطة “فاغنر” حول العالم، فقد وصف الحادثة بقوله “لقد تعرضنا للخيانة ببساطة”. 

بريغوجين، قال في عدة مقابلات منذ بداية مايو/أيار الجاري مهاجما القيادة الروسية، إن “لدينا في كل يوم أكوام من آلاف الجثث التي نضعها في توابيت ونرسلها إلى الوطن”. مضيفا أن الخسائر أكثر بخمس مرات من اللازم نظرا لنقص ذخيرة المدفعية.

معركة أوكرانيا تأخذ منحى آخر

بعد التصريحات الإعلامية لقائد مجموعة “فاغنر” والتي كشفت نقاط ضعف القيادة العسكرية الروسية، وضغطت على نظام بوتين القوي، بدأت المجموعة تسليم مواقعها في باخموت للقوات الروسية النظامية أمس الخميس، عقب خمسة أيام من إعلان سيطرته الكاملة على مدينة شرق أوكرانيا المنكوبة بعد أطول معركة في الحرب وأكثرها دموية.

جندي أوكراني في خندق على خط المواجهة بالقرب من باخموت - إنترنت
جندي أوكراني في خندق على خط المواجهة بالقرب من باخموت – إنترنت

هذا التسليم جاء بعد تهديد بريغوجين، بأن “كل شيء قد ينتهي بالثورة كما كان في عام 1917″، في إشارة إلى التمرد الذي أطاح في النهاية بسلالة رومانوف الاستبدادية من السلطة في روسيا، فضلا عن هجومه على التسلسل الهرمي للجيش الروسي، خارقا للقوانين الروسية التي صدرت في أوائل العام الماضي، بأن “تشويه سمعة” القوات المسلحة الروسية حتى باستخدام فيسبوك، يؤدي إلى عقوبات سجن طويلة.

القائد الروسي السابق إيغور جيركين، الذي كان شخصية رئيسية في ضم شبه جزيرة القرم ونزاع شرق أوكرانيا عام 2014، حذر من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يواجه تمردا عسكريا بقيادة “فاغنر”.

بريغوجين كان قد أوضح أن “فاغنر” طلبت 4 آلاف ذخيرة، رغم أن الاشتباكات تتطلب 80 ألفا يوميا، مؤكدا أن الجيش الأوكراني يرسل باستمرار تعزيزات إلى جبهة باخموت، في حين تم قطع الذخيرة عن مسلحيه.

مجموعة “فاغنر” التي اكتسبت سمعة سيئة بسبب عملياتها السرية في سوريا وأوكرانيا والقارة الإفريقية، لعبت دورا رئيسيا في مساعدة القوات الروسية في محاولتها للسيطرة على باخموت في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن وصول القوات الروسية إلى المنطقة وانسحاب “فاغنر” بالتزامن منح كييف مقاتلات “إف-16″ الأميركية، يبدو أن معركة أوكرانيا ستأخذ مُنحنى جديد.

موقف مجموعة “فاغنر” قد كشف عن عدد كبير من التوترات الخفية داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الروسية، ويُعتقد أن ارتباط هذه المجموعة بالاستخبارات وقدرة زعيمها على ابتزاز القيادة العسكرية الروسية علانية سيؤدي بطبيعة الحال إلى انقسامات داخل السلطة وصراعات داخل أعلى مستويات الحكومة الروسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 3 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة