في إطار استيراد الأبقار لترميم القطيع وزيادة عدده بعد تراجعه الملحوظ، وصلت على غير العادة أبقار إيرانية جوا إلى سوريا، ما أثار تساؤلات حول القصة والمخاطر المحتملة خصوصا فيما يتعلق بانتقال الأمراض من الأبقار المستوردة إلى الأبقار المحلية وهل سيؤدي هذا الاستيراد إلى تدني جودة اللحوم المنتجة في سوريا، وبالتالي يؤثر على سمعة المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية في البلاد.

كان للصراع في سوريا الذي بدأ في عام 2011، تأثيرٌ مدمر على قطاع الثروة الحيوانية، حيث تعرض العديد من المزارعين للتهجير أو القتل، كما أن تدمير البنية التحتية جعل من الصعب نقل الحيوانات والوصول إلى الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، فإن فقدان العمال المَهرة، بما في ذلك الأطباء البيطريين وعلماء الحيوان، جعل من الصعب الحفاظ على جودة الثروة الحيوانية، فضلا عن غلاء الأسعار وفقدان المواد الأولية لتربية الماشية.

نتيجة لذلك تم إصدار قانون رقم 8 في 23 أيار/مايو الحالي، الذي يعفي عملية استيراد الأبقار من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى، وذلك في ظل حاجة سوريا لترميم القطيع وزيادة عدده بعد تراجعه الملحوظ. وفي هذا السياق، استلمت منشأة “مبقرة زاهد” في طرطوس 97 رأس من الأبقار “البكاكير الحوامل”، وهي الدفعة الثانية المقرر وصولها تباعا من إيران.

ترميم القطيع بأبقار إيرانية

طبقا لحديث المدير الإداري في الشركة المشغّلة لمبقرة “زاهد”، محمد الخيّاط، فإن استيراد الأبقار عبر الجو يُعدّ سابقة في سوريا، ولو كانت حدثت بالفعل فإنها اقتصرت على أعداد قليلة جدا وليس لأعداد كبيرة.

تراجع تربية الأبقار في سوريا - إنترنت
تراجع تربية الأبقار في سوريا – إنترنت

الخياط أوضح خلال حديثه أمس الثلاثاء، لموقع “أثر برس” المحلي، أن عملية الاستيراد بدأت باستلام 100 بقرة “بكيرة”، وحاليا في مطار اللاذقية يتم استلام الدفعة الثانية البالغ عددها 97 بقرة “بكيرة”، في إطار اتفاق على استيراد نحو 600 من الأبقار البكاكير، بمعدل وصول رحلتين جويتين كل أسبوع.

الأبقار البكاكير التي تم استيرادها بحسب الخياط، موجوة حاليا في فترة الحجر الصحي البيطري مدتها 21 يوما، تحت إشراف مديرية الزراعة التي قدمت للأبقار اللقاحات المطلوبة لتحصين القطيع.

أما عن أهمية استيراد هذه الأبقار، لفت الخيّاط إلى أنها نوع هجين محسّن عالي الإدرار وإنتاجه من الحليب واللحم عال جدا، مشيرا إلى أن طريقة التربية والتغذية تتم في المبقرة وفق معايير دولية للمحافظة على هذا النسل الذي سيمكّن المبقرة من التدخل بالأسواق بكميات كبيرة من الحليب واللحوم.

القانون 8 بوابة إيران داخل سوريا؟

نتيجة عدم وجود حلول، أصدرت الحكومة السورية الأربعاء الفائت، قانونا يقضي بإعفاء عملية استيراد الأبقار بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى. ونص القانون والذي حمل الرقم 8، أن “تعفى الأبقار المستوردة بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى لمدة خمس سنوات اعتبارا من تاريخ نفاذ هذا القانون”.

تراجع تربية الأبقار في سوريا - إنترنت
تراجع تربية الأبقار في سوريا – إنترنت

لكن التوجه إلى إيران بدلا من ألمانيا وهولندا وفرنسا، والتي كان من المتوقع  أن تصل مواشيها إلى سوريا قبل نهاية العام الجاري أثار العديد من التساؤلات، خصوصا بعد أن أعلنت مجموعة هاكرز إيرانية مقرّبة من منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية، اختراق نظام مؤسسة الرئاسة الإيرانية على الإنترنت، والوصول إلى معلومات في 120 خادما، بينها وثائق جديدة تكشف ديون الحكومة السورية لإيران.

المعلومات التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بيّنت آليات استرجاع هذه الديون، ومنها توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي طويل الأمد، والمشاركة بإعادة الإعمار في سوريا، وتسهيل التعاون التجاري، وخفض التعرفة الجمركية، وكل ما يسهم بتدعيم الوجود الاقتصادي لإيران في سوريا.

كما أوضحت المعلومات وجود تسهيلات النقل الجوي بين إيران وسوريا من خلال زيادة عدد رحلات شركة الخطوط الجوية الإيرانية إلى سوريا، ونقل البضائع من ميناء بندر عباس إلى اللاذقية، إضافة للتعاون في القطاع السككي والمصرفي، على أن يتم توقيع هذه الاتفاقيات خلال زيارة رئيس الوزراء السوري لإيران لعقد اجتماع للجنة الاقتصادية السورية المشتركة بوقت لاحق.

هذه التسريبات سلطت الضوء على القرار الذي أصدرته الحكومة السورية الأربعاء الفائت، بهدف ترميم النقص في قطاع الثروة الحيوانية وخصوصا قطيع الأبقار صدر القانون رقم 8، والذي يقضي بإعفاء عملية استيراد الأبقار بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى لمدة خمس سنوات اعتبارا من تاريخ نفاذ هذا القانون.

تهجين للحيوانات السورية؟

أشد ما يفتك بالثروة الحيوانية في سوريا هي الأمراض التي تنتشر في أوقات الجفاف في ظل عجز الرعاة عن تأمين الدواء لارتفاع أسعاره، وانعكس ذلك على تربية الماشية، إذ لم يكن هناك أي نمو في الغطاء النباتي في ربيع وصيف العام 2021، ما يعني أن مئات الآلاف من الأغنام والأبقار والماعز والإبل تفتقر إلى المراعي والوصول إلى مصادر المياه.

الحفاف يضرب سوق الماشية السورية - إنترنت
الحفاف يضرب سوق الماشية السورية – إنترنت

أعداد الثروة الحيوانية في سوريا تناقصت إلى النصف، ففي منطقة الغاب حاليا يوجد حوالي 29021 رأسا من الأبقار عند المربين، و500 رأسا في محطة أبقار جب رملة التابعة للمؤسسة العامة للمباقر، ونحو 256855 رأسا من الأغنام، و97487 رأسا من الماعز، و604 رؤوس من الجاموس عند المربين، و210 رؤوس في محطة الجاموس بالهيئة.

عطفا على القرار الصادر، فقد تم تجهيز محجر بيطري ويحتوي 9 حظائر تتسع لـ 500 رأس، ويضم مستودعات أعلاف ومخابر طبية، إضافة إلى كادر طبي فني بيطري لاستقبال الأبقار المستوردة، وبالنسبة لمن يحق له الاستيراد، فإن الأمر متاح للقطاعين العام والخاص، والأعداد غير محددة والسقف مفتوح نظرا للحاجة الكبيرة.

إلا أن الخبير الزراعي، سامر المسالمة، أوضح في حديث مقتضب لـ”الحل نت”، أن احتمالية نجاح عملية التهجين في سوريا ضئيلة، كون محاولات إنتاج سلالات من النباتات والحيوانات المهجّنة والتي تجمع بين صفات كائنين تعد من فصيلة واحدة، وذلك بهدف تحسين النسل، لا يوجد لها مؤهلات لدى وزارة الزراعة، وخصوصا بعد تناقص الثروة الحيوانية في البلاد.

تكاليف الإنتاج للماشية أصبحت كبيرة لدرجة أنها لا تترك هامش ربحٍ للمربي، بالإضافة إلى استغلال التجار لمنتجاتهم وسيطرتهم على الأسعار، وسط غياب الرقابة والتموين وحتى الجانب التسويقي الحكومي من كل هذا، الأمر الذي دفع بالكثير من مربّي المواشي للعزوف عن المهنة، وكذلك تراجع عدد العاملين في هذا القطاع، لضعف العوائد المادية فيه، وسط غلاء المعيشة.

استيراد الأبقار جوا من إيران إلى سوريا ومخاطر هذا الاستيراد، يدل على أن هذا الاستيراد ليس سوى بوابة للتوغل الاقتصادي عبر القانون رقم 8، فالحكومة والجهات المعنية لم تعمل على ضمان جودة الأبقار المحلية وتحديد الإجراءات اللازمة للحدّ من مخاطر اندثار المجتمعات الرعوية على مدى الأعوام السابقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة