أولى حروب نظام الملالي الداخلية، كانت على النساء الإيرانيات، ومعركة الحجاب إحداها، لكنها ليست الوحيدة فيها، والتي تشكل بمجملها حرب ممنهجة على المرأة الإيرانية.

فبعد الانحسار النسبي لموجة احتجاجات مهسا أميني، التي اندلعت إثر مقتل الشابة العشرينية على يد ما يسمى بـ “شرطة الأخلاق” في إيران، بعد أيام من اعتقالها بدعوى “الحجاب السيء”. السلطات الإيرانية قدمت مشروع قانون يتضمن تدابير تقييدية وعقابية إضافية ضد النساء اللواتي لا يمتثلن لقوانين الحجاب الإلزامي في البلاد، بما في ذلك الغرامات المالية والاستثناءات الاجتماعية. 

مؤخرا عثر على جثة امرأة مقطعة الأوصال داخل حقيبة رياضية في ساحة آزادي في طهران، فيما أعلن رئيس إدارة التحقيقات الجنائية بالشرطة الإيرانية لمحافظة فارس، قبل حوالي الشهر، عن اعتقال مشتبه به فيما يتعلق باكتشاف جثة مقطعة الأوصال لامرأة حول مدينة آباده شمالي المحافظة، حسب موقع “إيران إنترناشيونال”.

تغييب المرأة في الحيز السياسي

رغم وعود الرئيس السابق حسن روحاني بتعيين وزيرات في الحكومة الإيرانية، إلا أن ذلك لم يحدث، واقُتصر الأمر بتعيين معصومة ابتكار نائبة لوزير البيئة، وإلهام أمين زاده نائبة قانونية للرئيس، وشهيندخت مولاوردي نائبة لشؤون المرأة والأسرة. وفي ولايته الثانية، كانت هناك نائبتان في مجلس الوزراء، إحداهن لشؤون المرأة والأسرة مع النائبة القانونية. لكن في حكومة رئيسي، انعدم وجود الوزيرات أو حتى نائبات، وقد كان تعيين أول وزيرة في جمهورية إيران “الإسلامية”، عندما تولت مرضية وحيد دستجردي وزارة الصحة، خلال ولاية محمود أحمدي نجاد، عام 2009. 

الحقوق المهدورة للإيرانيات، لقيت تعاطف الكثيرين حول العالم، لاسيما النخبة النسائية، وفي حديثها لـ”الحل نت”، تشير الكاتبة فاطمة ياسين لاستخدام قضايا المرأة في إيران كأداة صراع بين المؤسسة الدينية والشاه الأب والابن سابقا، والأجنحة السياسية الإيرانية حاليا. مما جعل الحجاب، بفرضه الحالي ومنعه زمن الشاه، ذو بعد سياسي، رمز ارتداءه لمقارعة الشاه سابقا، ويمثل نزعه وحرقه مقاومة للحكم الحالي لنظام. 

فيما نوهت لساحة أخرى من ساحات الصراع، حين أقر الشاه محمد رضا حق المرأة في الاقتراع في جدول ثورته البيضاء، أو ثورة الشعب والملك، كما يصفها. وحينها عارض التيار الخميني هذا الحق، متعللا بأن حقوق الرجال منقوصة وإقرار هذا الحق للنساء ورائه ما ورائه.

وتُذّكر ياسين بحوادث طعن السكاكين وإلقاء الأحماض الحارقة على وجوه الإيرانيات نتيجة تحشيد الخميني لضرورة ارتداء الحجاب قبل فرضه قانونا عام 1983، باعتباره رمز للجمهورية “الإسلامية الإيرانية”، وفق المنطق الخميني. بعد تشريعه قانونا، توالى إنشاء منظمات شبه أمنية لمراقبة النساء في الشوارع، منها “أخوات زينب” وما يسمى بـ “شرطة الآداب”. في حين تختم فاطمة بالقول، إذا كانت مسألة الحجاب بهذه الحساسية فالكلمات لا تكفي للحديث عن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجندرية للإيرانيات.   

إن المرأة الإيرانية قد لا ترى نفسها موجودة ضمن منظومة الفكر السياسي الإسلامي الحاكم في إيران. هناك نقاط عدة مثيرة للشك في ظاهرة تسمم الطالبات الحاصلة في إيران حاليا، منها، أن الظاهرة طالت الجغرافية الإيرانية كلها، كما أنها استهدفت فئة طالبات المرحلة الثانوية فقط، دون الابتدائية والإعدادية، وكانت ضمن مستوى واحد لا يفضي للوفاة. مما يشير إلى رغبة ترهيب طالبات الثانوية، وهن الذين تم قمعهن بشدة في الاحتجاجات التي تلت مقتل مهسا أميني، حتى لا يخرجن إلى الشارع مستقبلا. 

وفقا لرئيس “المنظمة الأحوازية للدفاع عن حقوق الانسان”، حكيم الكعبي، فإن المرأة في إيران تمر بالعديد من القيود والتحديات في العمل والمجتمع والحياة السياسية، في حين يواجه قسم كبير من الإيرانيات قيودا شديدة على حريتهن الشخصية في اللباس والتعبير والتجمع. مما سبّب عدة انتفاضات شاركت فيها المرأة الإيرانية، وقادت آخرها، والتي اندلعت بسبب القيود الصارمة التي تفرضها الحكومة الإيرانية على المرأة في المجتمع، بما في ذلك القيود على اللباس والحرية الشخصية وحرية التعبير وحرية التجمع، متزامنة مع احتجاجات واسعة ضد الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية.

الكعبي أضاف خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن المرأة الإيرانية تواجه تمييزا في سوق العمل وصعوبة الحصول على فرص العمل والترقيات. على الرغم من هذه القيود، فإن النساء الإيرانيات يشغلن مناصب محدودة في مجلس الشورى والمحاكم، غير أن هذه المناصب محصورة في حدود وظيفية محددة، ولا يتمكنن من تولي بعض المناصب الرفيعة في الحكومة، وبعض وظائفهن رسمية فقط، مجردة من سلطة القرار، ففي حالة العمل كقاضية؛ لكي يكون قرار القاضية رسميا، يجب توقيع الرجل في نهاية القرار. 

المرأة الإيرانية بين النص والتطبيق

المواد 3 -20 -21 من الدستور الإيراني تعترف بالمشاركة السياسية للمرأة، وعلى وجه الخصوص، تؤكد المادة 20 على حقوق المرأة المتساوية في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية. فيما تُشير هالة اسفنديار في “معهد ويلسون” إلى الحقوق المهدورة للنساء في القوانين أو في معرض ممارستها. فعلى الصعيد القانوني، لا تمنح الأمهات حضانة أطفالهن إلا ضمن شروط صارمة ولسن معينة فقط. كما تم تخفيض سن زواج الفتيات إلى تسع سنوات. وفي وقت رعاية أطفالهن، يواجهن أرباب عمل يفضلون توظيف الرجال، وحتى نساء الطبقة الوسطى المحترفات أجبرن على القبول في وظائف وضيعة.

التساوي الوحيد بين الرجل والمرأة في موازين النظام الإيراني، ممارسة الوحشية ذاتها تجاه الجنسين. في إشارة من اسفنديار لمشاركة النساء الإيرانيات بقوة في ظل الاحتجاجات التي اندلعت أساسا بسبب العنف ضد المرأة وما لقيته نتيجة هذه المشاركة من إيذاء جسدي أو عمليات اغتصاب ممنهجة.

في عام 2006 شكلت النساء أكثر من نصف الطلاب الجامعيين في إيران، وبنسبة أعلى في كليات العلوم والهندسة، مما شكل هاجسا للتيار المحافظ في إيران، بحسب الكاتبة عالية منصور. في حينها، حذّر تقرير صادر عن “مركز بحوث مجلس الشورى الإيراني”، من أن المعدلات العالية لالتحاق الفتيات بالجامعة، قد تسبب تفاوتا اجتماعيا واختلالات اقتصادية وثقافية بين النساء والرجال. وعليه، يمكن الأخذ بالتفسير القائل إن تسميم الطالبات الإيرانيات، حالة انتقامية يمارسها نظام الملالي، لا لمنعهن من التعليم فحسب، بل لمعاقبتهن بسبب مشاركتهن الواسعة في الاحتجاجات الأخيرة.‬

الكاتبة عالية منصور أضافت في حديثها لـ”الحل نت”، بأن إيران واحدة من ست دول أعضاء في الأمم المتحدة لم توقع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. فالحكم الديكتاتوري والثيوقراطي في إيران اجتمعا معا على اضطهاد المرأة، سواء من خلال القمع الديكتاتوري أو من خلال التفسير الديني بما يتناسب مع سياسة الملالي. مشيرة لما ورد في مذكرات خليفة الخميني المعزول، “آية الله” حسين علي منتظري، عن حالات اغتصاب العذارى في السجون. حيث جاء فيها، “لقد قلت للسلطات القضائية ومسؤولي سجن إيفين والمسؤولين الآخرين نقلا عن الإمام (الخميني) إنه لا يجوز إعدام البنات المنتميات لمجاهدي خلق، كما نوهت بعدم إصدار أحكام الإعدام ضدهن… هذا ما قلته، ولكنهم حرفوا كلامي. وقالوا نقلا عني، لا تعدموا البنات الأبكار وإنما يجب تزويجهن ليلة واحدة ومن ثم يتم إعدامهن”.‬ منوهة إلى أن حقوق الإنسان منتهكة في إيران منتهكة بالمجمل، والانتهاك مضاعف بحق المرأة، وأي حديث عن تحسين حقوق الإيرانيات لن يثمر في ظل نظام الملالي.

يلفت تقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2021 إلى الحيادية السلبية للقانون الإيراني تجاه العنف الأسري، بالنظر إليه كمسألة عائلية خاصة، دون تجريمه بموجب القوانين. فيما يُشير تقرير الوزارة لعام 2015، إلى أن العقوبات الجنائية على القتل عن طريق العنف الأسري أو “جرائم الشرف” أخف من العقوبات على أعمال القتل الأخرى. يسجن الرجال المدانون بقتل بناتهم لمدة تتراوح بين ثلاث و10 سنوات، بدلا من تلقي العقوبة المعتادة بالإعدام. 

لتلافي ذلك، تم تقديم مسودة قانون يجرم العنف القائم على النوع الاجتماعي عام 2012، لكنه بقي أسير الأدراج الحكومية سبع سنوات، حسب موقع “متحدون ضد إيران نووية”، وليصدر في عام 2019، بعد تفريغه من مضامينه الجوهرية. مما جعله محل نقد “مركز حقوق الإنسان في إيران”، باعتباره “لا يوفر ضمانات فعالة وكافية لحماية المرأة من العنف، وفي كثير من الحالات، يعزز ويدعم الآراء النمطية والتمييزية والجنسية تجاه المرأة”. لكن المفارقة الغريبة في التشريعات الإيرانية؛ الحكم بالسجن لمدة أقصاها 10 سنوات للآباء الذين يقتلون أطفالهم، في حين تتعرض الأمهات عن نفس الجريمة لعقوبة الإعدام.

حقوق المواطَنَة بمجملها منتهكة من قبل النظام الإيراني، إلا أن حقوق المرأة مهدورة تماما. وإن كان التعليم أحد الحقوق الباقية للمرأة الإيرانية، فقد يكون تفسير حالات تسمم الطالبات، والمستمرة منذ شهور، سياسة ممنهجة من قبل النظام الإيراني أو فصيل متطرف ضمنه، لسلبهن هذا الحق.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة