في ظل الأوضاع الإقليمية المتشابكة والمتغيرات الدولية، وتفاقم بعض القضايا والملفات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة الحرب الدائرة في السودان قبل نحو شهرين، قام الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بزيارة إلى القاهرة، يوم أمس الأحد، تستمر 3 أيام، حيث بحث مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، عددا من الملفات على رأسها الأوضاع في السودان وليبيا، فضلا عن قضية “سد النهضة”.

السيسي وولد الشيخ الغزواني اتفقا خلال مباحثاتهما في قصر الاتحادية بالقاهرة، على تطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، وتعزيز جهودهما على الساحة الإفريقية، مع استمرار التنسيق والتشاور في إطار “الاتحاد الإفريقي”.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول دلالة وأهداف زيارة الرئيس الموريتاني لمصر، وأبرز الملفات التي تهم كل من الدولتين، والتي يمكن التعاون عليها، وإذا ما يمكن اعتبار هذه الزيارة الموريتانية تضامنا مع القاهرة بشأن حق الأخيرة في قضية “سد النهضة” مع إثيوبيا.

دلالة وزيارة موريتانيا

نحو ذلك، اتفق السيسي وولد الشيخ الغزواني خلال مباحثاتهما على سرعة الإعداد لعقد الدورة المقبلة، للجنة العليا المشتركة المصرية الموريتانية، وذلك أثناء عقد الرئيسان مؤتمرا صحفيا لكشف تفاصيل المباحثات المشتركة، حيث قال الرئيس المصري، إن المباحثات شهدت توافقا حول أهمية دفع آليات العمل العربي المشترك.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى ورئيس موريتانيا محمد ولد الغزوانى، “اليوم السابع”

السيسي أردف أن المباحثات تناولت مختلف الموضوعات الثنائية بالمنطقة، مشيرا إلى أنها “عكست إرادتنا السياسية لتعزيز العلاقات بين البلدين والارتقاء بها في مختلف المجالات”، وفق “اليوم السابع“.

كما أكدا على توافقهما في الرؤى على ضرورة عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بليبيا بالتزامن مع خروج جميع القوات الأجنبية، فضلا عن أهمية التوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار والحفاظ على المؤسسات الوطنية السودانية.

الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، قال لموقع “الحل نت” إن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشقيقين. وفيما يتعلق بالتعاون العسكري المصري على وجه التحديد، فإن موريتانيا من أكثر الدول العربية التي تستخدم الخبرة العسكرية والمشورة والمدربين العسكريين في مختلف القطاعات العسكرية في مصر، وزاد هذا الزخم في عهد السيسي.

سلامة أردف أن العلاقات المصرية الموريتانية تشهد الكثير من التعاون الوثيق في العديد من الملفات وعلى رأسها ملف مواجهة الإرهاب والملفات الأمنية، وهذا المجال بالذات يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام البلدين، على اعتبار أن موريتانيا تُعد من إحدى دول الساحل والصحراء المغربية، التي تكون مكانا جغرافيا استراتيجيا لاستهداف الجماعات الإرهابية.

بالتالي ثمة العديد من أشكال التنسيق والتعاون المشترك مع مصر وموريتانيا في مجال مكافحة الإرهاب، ذلك لأن التجربة المصرية النوعية في تجفيف منابع الإرهاب وآليات التنفيذ والأطر القانونية والفكرية والتعليمية والدينية كانت ناجحة، وفق تقدير سلامة.

ثم إن الزيارة الموريتانية مهمة في ظل المتغيرات الدولية وحجم التحديات الموجودة بالمنطقة في العديد من القضايا والملفات الشائكة.

فضلا عن تدخل العديد من الدول الأجنبية في القارة الإفريقية ومحاولات بسط نفوذها فيها، مثل روسيا والدول الأخرى التي تريد التسلل إلى القارة عبر دولها الساحلية، الأمر الذي يتطلب تعزيز العلاقات بين دول المغرب العربي.

ملف “سد النهضة”

في المقابل، تناول السيسي وولد الشيخ الغزواني ملف “سد النهضة” الإثيوبي وتبعاته الخطيرة على الأمن المائي لدول مصب حوض النيل. وحث الرئيس السيسي، إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية وضرورة وجودها على مائدة المفاوضات بشأن ملف السد.

ولد الغزواني من جانبه قال إن مباحثاته في القاهرة تطرقت للأوضاع في ليبيا والسودان، وكذلك مياه النيل، مشيدا بما وصفه بـ”صبر مصر” يفي التعاطي مع أزمة السد الإثيوبي.

الرئيس السيسي، خلال المؤتمر الصحفي قال في هذا الإطار، “تم الاتفاق على إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتعبئة وتشغيل سد النهضة الإثيوبي”، مضيفا “اتفقنا أيضا على تعزيز جهودنا على الساحة الإفريقية في ظل الجهود التي تبذلها مصر وموريتانيا في هذا الشأن، ما يمكّننا من تحقيق الرخاء والاستقرار لجميع أبناء قارتنا الإفريقية العريقة”.

سد النهضة الإثيوبي- “إنترنت”

السيسي أكد أن الأمن المائي المصري هو جزء لا يتجزأ من الأمن المائي العربي مشيرا إلى أهمية التوصل لاتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل “سد النهضة”، والتوصل لتسوية بما يحفظ حقوق ومصالح جميع الأطراف.

الرئيسان اتفقا على عقد اللجنة العليا المشتركة على مستوى وزيري الخارجية في شهر تموز/يوليو المقبل، ليتم التوقيع خلالها على عدد من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات، وهناك تنسيق على أعلى مستوى في هذا السياق.

بالعودة إلى سلامة فقد قال إن اللجنة العليا المشتركة على مستوى وزيري الخارجية هي إحدى الإشارات القوية التي تعكس التعاون الوثيق على مختلف المستويات بين البلدين. وبالنظر إلى أن الأزمة في السودان تتفاقم ولا حلول تلوح في الأفق من المرجح جدا أن تستغل إثيوبيا الظروف لصالحها.

بمعنى أنه يمكن أن تقوم إثيوبيا بالتحالف مع العديد من الدول إلى جانب الانحياز لأحد طرفي الصراع في السودان، فإن مسألة الملء الرابع للسد مرجّحة، إلى جانب تمييع حل أزمة السد وسط انشغال العديد من الدول بأزمة الخرطوم.

هذا ويتوقع الخبراء أن الملء الرابع الذي من المفترض أن يجرى في تموز/يوليو المقبل تزامنا مع موسم سقوط الأمطار وينتهي في آب/أغسطس سيصل معه منسوب المياه إلى 620 م بزيادة قدرها 25 مترا عن آخر منسوب وصل له التخزين وهو 595 مترا.

في المقابل، أعلنت إثيوبيا قبل أسابيع أنها انتهت من بناء 90 بالمئة من السد، وسط تصاعد الأزمة مع دولتي المصب مصر والسودان بسبب عدم التوافق على الملء والتشغيل، واتخاذ أديس أبابا قرارا أحاديا منفردا بالتصرف دون مشورة أو تنسيق مع الدولتين.

كما يبدو أن إثيوبيا تتبع سياسة فرض الأمر الواقع في هذه الأزمة، إضافة إلى تجاهلها لأي محادثات تفاوضية في الوقت الراهن. وبالتالي، لن تتمكن مصر من رفع القضية إلى “مجلس الأمن الدولي” إلا بعد إعلان “الاتحاد الإفريقي” فشل المفاوضات تحت مظلته، مما يعني أن مصر أثناء مباحثاتها مع موريتانيا حول أزمة السد، تسعى بشكل حثيث للحفاظ على حقها من الأمن المائي.

كما أنها رسالة مهمة لجميع الأطراف الإقليمية والدولية بأهمية وضرورة حل أزمة السد، وبما يتسق مع القانون الدولي والمصالح المشتركة التي تضمن الأمن القومي والإٍقليمي لدول المنطقة، نظرا لنتائجه الكارثية على مصر والسودان في حال تم تجاهله من قبل المجتمع الدولي، وسط تمسك إثيوبيا بموقفها الأحادي، والتململ والمراوغة في المفاوضات.

العلاقات الاقتصادية

المباحثات بين مصر وموريتانيا تطرقت في التركيز على الملف الاقتصادي، وهذا أمر مهم وسط الأزمة الاقتصادية العالمية، ووفق ما تحدث به السفير أحمد حجاج، الأمين العام المساعد لمنظمة “الوحدة الإفريقية” سابقا، عن أهم ما خرج به الاجتماع بين الرئيس السيسي ونظيره الموريتاني قائلا، العلاقات المصرية الموريتانية في صعود مستمر، لافتا إلى أن الاجتماع بحث زيادة هذه العلاقات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.

أحمد حجاج أردف خلال مداخلة هاتفية بقناة “إكسترا نيوز”، أن ثمة علاقات ثقافية متميزة بين البلدين، لافتا إلى أن الجهود التي يبذلها “المركز الثقافي المصري” الذي أقيم في نواكشوط عاصمة موريتانيا منذ عدة عقود وأصبح مرجعا لا غنى عنه بالنسبة للمثقفين الموريتانيين.

ثمة زيادة ملحوظة في التعاون بين مصر وموريتانيا مقارنة بين عامي 2021 و 2022- “اليوم السابع”

سلامة في هذا الصدد قال إنه فيما يتعلق بالتاريخ الممتد المشترك بين البلدين، هناك العديد من القبائل الموريتانية التي استقرت في مناطق صعيد مصر. كما تتعاون مصر مع موريتانيا في العديد من المجالات سواء كانت التنمية أو التعليم أو الصحة أو الزراعة أو على مستوى البعثات في جامعة “الأزهر”.

تدعيما لذلك، فثمة زيادة ملحوظة في التعاون بين البلدين مقارنة بين عامي 2021 و 2022 سواء في حجم معدل التبادل التجاري والذي ارتفع بما يقارب 11.1 بالمئة وذلك من 38 مليون دولار إلى 42.9 مليون دولار. كما أن هناك زيادة كبيرة أيضا في معدل الاستثمارات الموريتانية داخل مصر.

في العموم، فإن حجم التحديات والمتغيرات الدولية القائمة، يتطلب جهودا وتعاونا كثيفا بالمنطقة، كما أن ثمة سياسة ملحوظة في دول المنطقة مؤخرا، والذي يتمحور حول زيادة التعاونات المشتركة بظل التغيير الذي يحصل في النظام العالمي، ومساعي وأطماع بعض الدول مثل روسيا والصين التي تسعى للهيمنة على الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، تدرك مصر الآن مدى تداعيات “سد النهضة” عليها في حال استغلت وسيّست إثيوبيا القضية، ومن هنا تواصل القاهرة جهودها في الاستمرار للعمل مع دول المنطقة والعالم من أجل ضمان مصالح الأطراف الثلاثة وفقا لقواعد القانون الدولي والحقوق المشروعة في الموارد المائية والأمن المائي المصري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات