قطاع الطاقة النظيفة، أصبح خلال السنوات القليلة الماضية، يلعب دورا هاما في تطور الدول التي تسعى إلى تعزيز استخدامها منه، كما أصبح أحد أبرز أسباب تعزيز العلاقات بين الدول حول العالم، فكان السبب لتعزيز العلاقات بين دول شمال المتوسط في أوروبا وجنوبه في الشمال الإفريقي، نتيجة العديد من المشاريع المشتركة التي انطلقت مؤخرا.

سباقٌ مع الزمن تخوضه اليوم دول العالم خاصة في أوروبا، من أجل التحول نحو مشاريع الطاقة المتجددة والتخلي بشكل تدريجي عن الاعتماد الكامل عن الوقود الأحفوري، خاصة مع وصول الانبعاثات الكربونية إلى مستويات تهدد مناخ كوكب الأرض.

في وقت تعتبر فيه الدول العربية جنوب المتوسط من أكثر الدول الغنية بالموارد الطبيعية، كونها تشكل بيئة خصبة لإنتاج الطاقة النظيفة، فقد سارعت دول أوروبا إلى عقد شراكات عديدة من أجل الحصول على الطاقة، آخرها مشروع بين اليونان من جهة ومصر والإمارات من جهة أخرى، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول مدى انعكاسات هذه المشاريع على أزمة الطاقة العالمية.

تفاصيل المشروع

المشروع المشترك أعلنت عنه شركة “كوبلوزوس غروب” للطاقة ومقرها اليونان، حيث أكدت أنها دخلت في شراكة في مشروع مشترك مع أبوظبي والقاهرة، لبحث الإنتاج المشترك للطاقة المتجددة التي ستصل إلى أوروبا عبر مشروع للربط الكهربائي بين مصر واليونان، حيث تسعى الشركة إلى بناء كابل تحت سطح البحر بقدرة ثلاثة جيجاوات من اليونان إلى مصر.

المشروع سيوفر وفق ما تم الإعلان عنه، إمكانية إيصال الطاقة النظيفة إلى اليونان عبر البحر المتوسط، “وهو الوحيد الذي يجيب على المشكلة المزدوجة في عصرنا. الطاقة الرخيصة والطاقة الخضراء، بينما في نفس الوقت يعزز بشكل كبير موقف اليونان الجيوسياسي” بحسب مسودة المشروع.

المشروع سيوفر كذلك دعما هاما للاقتصاد المصري، كذلك سيشهد مشاركة شركة “مصدر” الإماراتية، من أجل تبادل الخبرات مع شركة “إنفنيتي باور” المصرية، لتبادل الخبرات من أجل تسريع توليد الطاقة المتجددة الضرورية لتشغيل الكابل بين اليونان ومصر.

مؤخرا أعلنت العديد من الدول العربية الأخرى أيضا خططا طموحة لتطوير الطاقة النظيفة. على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية أطلقت برنامج “السعودية المستدامة 2030” الذي يهدف إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد الكلي على النفط، ويشمل استثمارات كبيرة في مجال المناخ والطاقة النظيفة، بهدف تنويع مصادرها بعيدا عن الاعتماد على النفط ومشتقاته.

قد يهمك: “الطاقة النظيفة”.. الاتجاه الرائد لتعزيز “رؤية الإمارات 2050”

استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، هي مبادرة طموحة تهدف إلى توفير 75 بالمئة من احتياجات دبي من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول عام 2050. تم الإعلان عن هذه الاستراتيجية في عام 2015 وهي تمثل جزءا من رؤية دبي لتحقيق الاستدامة وتحويلها إلى مدينة ذكية وخضراء، وفق ما نقله موقع “البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة”. 

الخبير في اقتصادات الطاقة والأستاذ الجامعي الدكتور أحمد طرطار، أوضح أن المشروع في حال تنفيذه سيكون بوابة للاتحاد الأوروبي، للاستفادة من الطاقة النظيفة التي يمكن إنتاجها في دول شمال إفريقيا، وسيكون له آثار إيجابية واسعة على أزمة الطاقة العالمية، والتوجه العام للطاقة النظيفة كبديل عن الطاقة التي يتم إنتاجها عبر الوقود الأحفوري.

انعكاسات المشروع على أزمة الطاقة

طرطار قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “بالنسبة لهذا المشروع الذي هو قيد الدراسة، فهو يمكّن مصر من تزويد اليونان بالطاقة الكهربائية، وبالتالي تعتبر بوابة للاتحاد الأوروبي بصفة عامة بما يسمح لها الاستفادة من هذه الطاقة الخضراء باعتبارها غير ملوثة للبيئة، وباعتبارها ذات تكلفة بسيطة، وبالتالي هذا الأمر هو أمر مستحب للكثير من الدول”.

العديد من دول الاتحاد الأوروبي سعت مؤخرا خصوصا بعد أزمة الطاقة وإمدادات النفط مع روسيا، إلى تعزيز الشراكات مع دول شمال إفريقيا من أجل إمدادات الطاقة وتحديدا الطاقة النظيفة، فكان هناك شراكة بين الجزائر ودول إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وغيرها، تهدف بالدرجة الأولى إلى تزويد الجزائر بالتكنولوجيا اللازمة لتمكينها من إنتاج الهيدروجين الأخضر، وكذلك الكهرباء وبالتالي تزويد أوروبا بالطاقة الرخيصة وغير الملوثة للبيئة.

أيضا منتدى المتوسط الذي انعقد مؤخرا بشأن الطاقة الكهربائية، ركز كذلك على اعتبار الأخيرة بديلا رئيسيا للطاقات الأخرى، إضافة إلى العمل على جعل منطقة البحر المتوسط منطقة تبادل منتوجات الطاقة غير الملوثة للبيئة، وذلك بين دول شمال المتوسط وجنوبه.

طرطار، رأى أن المشروع المشترك بين اليونان ومصر الإمارات، يسري في إطار التوجه المصري الإماراتي نحو اليونان، بما يؤدي إلى تزويد اليونان بهذه الطاقة باعتبارها طاقة رخيصة وفي ذات الحين طاقة غير ملوثة، ويتم من خلاله التركيز على الهيدروجين الأخضر والتركيز على الكهرباء وعندما يبدأ التزويد، تستطيع اليونان نقل هذه الإمدادات باتجاه بقية أوروبا.

حول ذلك أضاف، “في نفس الوقت يمثل بالنسبة لها بديل مناسب، في سياق عمليات البحث عن بدائل للطاقة الأحفورية، وبالنسبة لأوروبا فإن هناك ارتفاع كبير في قيمة المواد الأحفورية سواء كان غاز أو غيره، فكان هذا التوجه، توجه من شأنه أن يؤدي إلى بعث شراكة متميزة بين مصر واليونان خاصة وأن مصر محاذية للبحر المتوسط، وبها نهر النيل وتستطيع أن تستخرج الكهرباء من هذه المياه المتدفقة وعندئذ تزود الشريك اليوناني ما يلزمه من استهلاكات لهذه الطاقة، ويمكن أن يمرر هذا الاستهلاك إلى بقية بلدان الاتحاد الأوروبي”.

مجمع محمد بن زايد للطاقة الشمسية/البيان
مجمع محمد بن زايد للطاقة الشمسية/البيان

توقعات شركات الطاقة، تشير إلى أن عام 2035، سيشهد انخفاضا في الطلب على النفط، وذلك بنسبة 5 بالمئة، بينما يقل الطلب على الغاز بنسبة ستة بالمئة مما كان متوقعا العام الماضي، مع زيادة انتشار مصادر الطاقة المتجددة بنحو خمسة بالمئة.

هذه التوقعات في حال حدثت، فهذا يعني أن تبلغ الانبعاثات ذروتها خلال العقد الجاري، وتصل نسبة انخفاضها بحلول عام 2050 إلى 30 بالمئة.

العالم يتحول

العالم يشهد اليوم توجهات كبيرة نحو الطاقة المتجددة، وتسعى الدول الأوروبية إلى تدشين مشاريع كبيرة في هذا الإطار، كذلك هناك مشاريع في شمالي إفريقيا، انطلقت للاستفادة من طاقة الرياح والشمس لإنتاج الكهرباء.

في المغرب هناك من الاستثمارات في قطاع الطاقة البديلة، لتسجّل البلاد خلال العام الماضي بحسب ما نقل تقرير لموقع “سكاي نيوز“، زيادة في إمدادات الطاقة المتجددة بنسبة 10 بالمئة لتصل إلى 19 بالمئة من إجمالي سوق الطاقة.

نتيجة موقعها في كوكب الأرض، تقدر عدد ساعات تعرض المغرب لأشعة الشمس بثلاثة آلاف ساعة سنويا، وهو رقم جيد للاستفادة من الطاقة الشمسية، كما يساهم هذا الاستثمار في مواجهة آثار التغير المناخي والتقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

لكن الهدف الرئيسي من هذه المشاريع هو تأمين أقصى ما يمكن تأمينه من الاستهلاك المحلي للطاقة، حيث إن الحكومة تسعى بالتوازي مع الاستثمار في مشاريع الطاقة البديلة، إلى مواصلة البحث والتنقيب عن الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي، بعد أن دخلت البلاد في أزمة طاقة.

التوقعات تشير إلى أن التطور الذي سيشهده قطاع الطاقة البديلة خلال الخمس سنوات القادمة، يعادل ما جرى تطويره خلال السنوات العشرين الماضية.

الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على وجه الخصوص، يُتوقع لها أن تكون المصدر الرئيسي للكهرباء في العالم بحلول العام 2025، وذلك عبر التخلص من الفحم حيث تسعى الدول إلى تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، خصوصا بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

وفق تقرير لـ “وكالة الطاقة الدولية”، فإن الطاقة المتجددة يُتوقع لها أن تضيف 2400 ميغاوات خلال الفترة بين العامين 2022 و2027، أي بما يساوي قدرة الطاقة الكهربائية الحالية في الصين.

يبدو أننا سنشهد خلال الفترة القادمة العديد من المشاريع المماثلة، التي قد توفر كميات كبيرة من الطاقة الناتجة عن استخدام مواد غير ضارة للبيئة، خاصة بعد أن دقت المنظمات الدولية ناقوس الخطر، بشأن خطر استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري على البيئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات