دور رئيس بات يلعبه قطاع الطاقة النظيفة في تطور الدول التي تسعى إلى تعزيز استخدامها منه، حيث قامت عدد من الدول العربية مؤخرا، بتبني استراتيجيات وخطط وطنية لتعزيز الاستخدام المستدام للطاقة النظيفة، بهدف تحقيق الاستدامة البيئية وتنويع مصادر الطاقة، إضافة لتوفير فرص العمل وتعزيز الأمن الطاقوي، والابتكار التكنولوجي أيضا.

إذ تعتبر المنطقة العربية مصدرا غنيا بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية والطاقة الحرارية و”البيومسا” وتشمل الأخيرة استخدام المواد العضوية مثل النفايات الزراعية والحيوانية لتوليد الطاقة الحرارية، وبالنظر إلى التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه المنطقة، فإن الاهتمام بتطوير واستخدام الطاقة النظيفة يعد خيارا استراتيجيا ومستداما.

من بين الدول العربية، تبرز الإمارات العربية المتحدة كقائدة في مجال الطاقة النظيفة. حيث أطلقت مبادرة “طاقة 2050” بهدف تحقيق 50 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول عام 2050. إذ تستثمر الإمارات بشكل كبير في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية وتعزز الابتكار في هذا المجال. بهف الحصول على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة بتكلفة ميسورة.

الإمارات اتخذت خطوات مُبكرة نحو الاستعداد لوداع آخر قطرة نفط، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على بيئة نظيفة وصحية وآمنة، الأمر الذي عزز صدارتها العالمية في تبني تقنيات الطاقة النظيفة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية عبر محفظة من المحطات منها، “نور أبو ظبي” و”شمس أبو ظبي” و”مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية” في دبي، إضافة إلى عدة مشاريع أخرى، معتمدة في ذلك على ما تتمتع به من مناخ مشمس على مدار العام.

العديد من الدول العربية الأخرى أعلنت أيضا خططًا طموحة لتطوير الطاقة النظيفة. على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية أطلقت برنامج “السعودية المستدامة 2030” الذي يهدف إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد الكلي على النفط، ويشمل استثمارات كبيرة في مجال المناخ والطاقة النظيفة، بهدف تنويع مصادرها بعيدا عن الاعتماد على النفط ومشتقاته.

استراتيجية 2050

استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، هي مبادرة طموحة تهدف إلى توفير 75 بالمئة من احتياجات دبي من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول عام 2050. تم الإعلان عن هذه الاستراتيجية في عام 2015 وهي تمثل جزءا من رؤية دبي لتحقيق الاستدامة وتحويلها إلى مدينة ذكية وخضراء، وفق ما نقله موقع “البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة”.  

مجمع محمد بن زايد للطاقة الشمسية/البيان
مجمع محمد بن زايد للطاقة الشمسية/البيان

عند إطلاقها، شملت أهداف استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 توفير 7 بالمئة من طاقة دبي من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2020، و25 بالمئة بحلول عام 2030، و75 بالمئة بحلول عام 2050. تأتي هذه الاستراتيجية كخطوة إضافية لدعم مشاريع الطاقة الشمسية في الإمارات، والاستفادة من مجمع “محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية” الذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، وفق نظام المنتج المستقل “آي بي بي”.

 قدرة هذا المشروع الإنتاجية ستبلغ 5000 ميغاواط بحلول عام 2030، ويصل إجمالي حجم الاستثمارات فيه إلى 50 مليار درهم إماراتي، إلا أنّ المجمع سيسهم عند اكتماله في خفض أكثر من 6.5 ملايين طن من الانبعاثات الكربونية سنويا.

من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي والمتخصص في شؤون الطاقة عامر الشوبكي، بأن الإمارات هي ركن أساسي في الاستثمارات فيما يتعلق بموضوع الطاقة المتجددة، حيث بدأت بها مبكرا في المنطقة منذ العام 2012، وتعتبر شركاتها العاملة هي مصدر للتكنولوجيا وللاستثمارات في الإقليم وأيضا في جميع ادول العالم.

يضيف الشوبكي في حديثه لـ”الحل نت” بأن الإمارات قدمت مساهمات هامة في مجال الطاقة النظيفة والاستدامة للمجتمع، منها مدينة مصدر في العين، والتي تعتبر نموذجا رائدا للمدينة الذكية والمستدامة. تستخدم المدينة أيضا مصادر متنوعة للطاقة النظيفة بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح والمياه والنفايات، وتعمل على توفير الكفاءة الطاقوية والاستدامة في استخدام الموارد.

كذلك تستثمر الإمارات في مشاريع الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم من خلال صندوق الطاقة النظيفة الذي تديره وكالة الإمارات للطاقة النظيفة، تهدف هذه المحفظة إلى دعم تطوير وتنفيذ مشاريع أيضا، وفق الشوبكي.

مشاريع منوعة

تقرير حديث صادر عن “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة”، أشار إلى أن الطاقة الشمسية توفر خيارا أقل تكلفة، بالمقارنة مع جميع حلول توليد الكهرباء الجديدة الأخرى القائمة على الوقود الأحفوري، فيما حققت حلول الطاقة الشمسية الكهروضوئية الانخفاض الأكبر في التكاليف خلال العقد المنصرم.  إذ تعتبر الطاقة الشمسية مصدرا آخرا للطاقة الكهربائية التي يتم إنتاجها في دولة الإمارات؛ حيث تتمتع الدولة بطقس مشمس معظم أيام السنة، مما جعل الشمس تتحول بديلا مثاليا لتوفير طاقة متجددة ومستدامة تحقق استراتيجية صفر انبعاثات غازات دفيئة، وذات تكلفة تنافسية.

في موازاة ذلك، أطلقت أبو ظبي عدة مبادرات طموحة لزيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية، حيث واصلت بناء مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة وأبرزها “محطة شمس1 ” في أبو ظبي، وهي واحدة من أكبر مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية المركزة، إلى جانب مشروع الطاقة الشمسية المركزة “سي أي بي” وهو أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة في العالم، بنظام المنتج المستقل الطاقة الشمسية المركزة بقدرة 1,000 ميغاواط حتى عام 2030.

أيضا محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، وستكون أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم بقدرة تصل إلى 2 غيغاواط من الكهرباء في منطقة الظفرة، إضافة إلى محطة “غنتوت” لتحلية المياه بتقنية التتبع الشمسي، وكلا من محطة “قصر البحر” للطاقة الشمسية و”محطة ام الزمول” للطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى جانب المشاريع الأخرى آنفة الذكر، بحسب موقع “وزارة الطاقة” الإماراتي.

في هذا الجانب، يوضح الشوبكي، بأن اعتماد الإمارات عل مصادر الطاقة النظيفة، يتيح لها تحقيق الأمان الطاقوي والتخلص من الاعتماد الكلي على الواردات النفطية والغازية، إذ يمكن لها أن تولد طاقتها الكهربائية وتلبي احتياجاتها الطاقوية من مصادر محلية متجددة، مما يقلل من التبعية على الموردين الخارجيين ويحسن استقلاليتها الطاقوية.

الشوبكي يعتبر التحول إلى الطاقة النظيفة جزءا من رؤية الإمارات للتنمية المستدامة، حيث يسعى البلد إلى تحقيق توازن بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع، ويهدف إلى تحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين وخلق فرص عمل في قطاع الطاقة المتجددة، وفق تعبيره.

مشروع “محطة شمس1 ” كغيره من المشاريع الناجحة في الإمارات بحسب الشوبكي، يساهم في تنويع اقتصاد الإمارات وتحويله إلى اقتصاد مستدام ومبني على الطاقة النظيفة، وبالتالي يعزز التنويع الاقتصادي قدرة الدولة على تجاوز تقلبات أسعار النفط ويخلق فرص عمل جديدة في قطاع الطاقة المتجددة والصناعات المرتبطة بها.

الأولى في الخليج العربي

من أهم المشاريع التي أقامتها أبو ظبي فيما يخص الطاقة النظيفة أيضا، هي المحطة الكهرومائية بتقنية الطاقة المائية المخزنة التي تنفذها هيئة كهرباء ومياه دبي في منطقة حتا في ذات الأمارة، والتي  تعد الأولى من نوعها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وستصل القدرة الإنتاجية للمحطة إلى 250 ميغاوات بسعة تخزينية 1,500 ميغاوات ساعة وبعمر افتراضي يصل إلى 80 عاما، وتصل استثمارات المشروع إلى مليار و421 مليون درهم، ومن المتوقع الانتهاء من المشروع في الربع الأخير من عام 2024، بحسب ما نقله موقع “سكاي نيوز عربية”.

المحطة الكهرومائية ستعتمد في إنتاج الكهرباء على الاستفادة من المياه المخزنة في سد حتا، وسد آخر علوي تم إنشاؤه في المنطقة الجبلية، وستقوم توربينات متطورة تعتمد على الطاقة النظيفة المنتجة في مجمع “محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية”، بالعمل بطريقة عكسية لضخ المياه من سد حتا إلى السد العلوي.

عند الحاجة سيتم تشغيل هذه التوربينات لإنتاج الكهرباء، وتزويد شبكة الهيئة بها من خلال الاستفادة من قوة اندفاع المياه المنحدرة من السد العلوي إلى سد حتا، وذلك عن طريق قناة مائية تحت الأرض يصل طولها إلى 1.2 كيلومتر، وستصل كفاءة دورة عملية إنتاج وتخزين الكهرباء إلى 78.9 في المئة مع استجابة فورية للطلب على الطاقة خلال 90 ثانية.

خارطة طريق للطاقة المتجددة

من جانب آخر، وقعت شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل “مصدر”، في 11 من الشهر الجاري، اتفاقية مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا”، للتعاون في تنفيذ مشروع بحثي دولي مشترك يهدف إلى تحديد السبل اللازمة لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، وسيتم عرض البحث خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28” المقرر عقده في الإمارات في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس المعين لمؤتمر " COP28" الدكتور سلطان بن أحمد الجابر/سكاي نيوز عربية
وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس المعين لمؤتمر ” COP28″ الدكتور سلطان بن أحمد الجابر/سكاي نيوز عربية

إذ يتمثل الهدف الأساسي من المشروع البحثي المشترك في تحديد معيار مرجعي عالمي للطاقة المتجددة، مع التركيز على تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه والطاقة الحرارية الأرضية وغيرها من التقنيات، بما في ذلك بطاريات تخزين الطاقة، ودعم ذلك من خلال توفير بيانات محددة وفقا لكل منطقة.

وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس المعين لمؤتمر ” COP28″ الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، قال إن التعاون بين “مصدر” والوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” في هذا المشروع البحثي سيسهم في تسليط الضوء على الدور المهم لمصادر الطاقة المتجددة في الحد من الاحتباس الحراري وتداعيات تغير المناخ، وذلك بالتزامن مع استعداد دولة الإمارات لاستضافة العالم في مؤتمر الأطراف ” COP28″.

من جانبه، صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة فرانشيسكو لاكميرا “آيرينا” بأن “الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، يشكل حلا فعالا ومستداما للعديد من التحديات التي يواجهها العالم اليوم، خاصة في ظل تكلفتها التنافسية، كما أننا نمتلك التكنولوجيا اللازمة لتسريع وتيرة تطوير هذه المصادر ونشرها على نطاق واسع وبشكل سريع”.

لاكميرا أضاف بأن “مصادر الطاقة المتجددة في عام 2022، ضهدت زيادة في الإنتاج بلغت 300 غيغاواط، لتشكل الطاقة المتجددة اليوم 40 بالمئة من إجمالي إنتاج الطاقة العالمي. ورغم هذا التقدم المحرز، إلا أن عملية انتقال الطاقة لا تزال دون التوقعات المطلوبة، إذ تشير أبحاث آيرينا المتعلقة بتحولات الطاقة العالمية، إلى أن نشر مصادر الطاقة المتجددة يجب أن يصل إلى 1000 غيغاواط سنويً إذا ما أردنا تحقيق الهدف المنشود بإبقاء درجة الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية”.

المشروع المشترك بين “مصدر” و”آيرينا” سيركز على تناول التحديات التي تواجهها مناطق عدة على مستوى العالم، وتقف عائقا دون تلبية احتياجاتها وطموحاتها في مجال الطاقة المتجددة، وسيساهم في تقديم التوصيات ووضع استراتيجيات العمل، بما يتماشى مع أهداف وتطلعات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28”.

أخيرا، تلعب الطاقة الشمسية دورا حيويا في تحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للحياد المناخي بحلول 2050، والتي تأتي تتويجا لجهود الدولة ومسيرتها في العمل من أجل المناخ على المستويين المحلي والعالمي، خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث ستسهم الطاقة الشمسية في الإسراع في تحقيق مستهدفات الاستراتيجية والمتمثلة في تنويع مصادر الدخل، وخلق فرص للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، مع تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والحد من تداعيات تغير المناخ، وبناء اقتصاد المعرفة، والاستفادة من التكنولوجيا النظيفة في تحقيق التنمية المستدامة، وخلق مزيج متنوع من مصادر الطاقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة