ضربة قوية لم تكن في دفتر حساباتهم، باتت تشكل تهديدا وجوديا لـ”حركة الشباب” التابعة لتنظيم “القاعدة” في الصومال، تمثلت بالتغير المناخي الذي لطالما تجاهلت هذه الحركة محاربته، ليرتد عليها الآن.

التغير المناخي بات يهدد وجود “حركة الشباب” الصومالية، والتي تسيطر على مناطق عديدة من الصومال، فزحف الرمال والجفاف، دفع آلاف السكان للتمرد على سلطة الحركة المسلحة بعد سنوات من الخضوع.

“عدو لم يكن في الحسبان”

التغير المناخي في الصومال، تحول إلى عدو بعد أن كان صديق لـ”حركة الشباب”، حيث كانت الحركة تستغل الجفاف لصالحها في عمليات تجنيد المزيد من الأتباع الغاضبين على حكوماتهم، على غرار ما يجري في منطقة بحيرة تشاد، إلا أن الجفاف دفع مؤخرا قبائل كانت خاضعة للحركة إلى التمرد عليها، ورفض دفع الضرائب بعد أن جفت الآبار، وأقفرت الأرض، وماتت أعداد كبيرة من الماشية، وأصبح الموت بالرصاص أهون من الموت جوعا.

هذه الدول تعتمد بشكل كبير على الزراعة والرعي وتربية الماشية وغير ذلك، وبطبيعة الحال فإن الجفاف يؤثر سلبا على الظروف المعيشية والاقتصادية للمواطنين فيها، مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب الشعوب الإفريقية، لا يهمها من يحكم بقدر ما يهمها كيف يدير، بحسب حديث الصحفي والباحث السياسي المتخصص في الإرهاب الدولي مصطفى حمزة، لـ”الحل نت”.

لو وفّر أي تنظيم أو أي حركة، الحياة الاجتماعية والاقتصادية الآمنة نسبيا، والمقبولة في ظل الظروف والتقلبات الدولية، فلن يكون هناك ممانعة شعبية ضد هذا التنظيم، خاصة إذا تمتع بقوة عسكرية أو ميليشياوية بحيث يخشى الناس من التمرد عليه، وفق حمزة.

قد يهمك: الصومال.. نهاية “حركة الشباب”؟

ما يحدث اليوم هو تأثيرات الطبيعة وانعكاسات التغيرات المناخية على الحركة والدولة والمواطنين في آن واحد، يقول حمزة، لأن المواطنين لن يجدوا ما يدفعونه من إتاوات في صورة ضرائب للحركة، الأمر الذي من شأنه أن يُحدث صراع كبير إذا فشلت الحركة في السيطرة عليه، قد تخسر مناطق متعددة من مناطق النفوذ لديها.

أزمة حقيقية

‏ التغير المناخي يؤثر على نشاط “حركة الشباب” ويلقي بأعباء إضافية على كاهلها، خاصة أن الحركة تقدم نفسها كحكومة بديلة عن الحكومة الفدرالية الصومالية، لذلك هي مطالبة في تأمين وتوفير الخدمات في بعض المناطق في جنوب ووسط البلاد، وفق حديث الصحفي والباحث المتخصص في الحركات الإسلامية المسلحة أحمد سلطان، لـ”الحل نت”.

تغير المناخ يضعف من قدرات الحركة ومن إمكانيات المناورة لديها، وهي ببساطة في أزمة حقيقية الآن، ما بين توفير المساعدات للمتضررين من المناخ، وبين مواصلة العمل والنشاط الإرهابي، فضلا عن أن زيادة حدة التغيرات المناخية، تدفع السكان المحليين للتمرد على الحركة وعدم دفع الأموال لها تحت مسمى “الزكاة”، بحسب سلطان.

 بالتالي “حركة الشباب” في وضع حرج، يزيد منه مواصلة العمليات العسكرية الحكومية، ويزيد منه أيضا استمرار الدعم الإفريقي والأميركي للقوات الصومالية، لكن لن يكون التغير المناخي هو العامل الحاسم في القضاء على الحركة، لأن الحركة سبق وأن مرت في ظروف شبيها واجتازتها، ولديها بالفعل شبكة تعمل حتى في ظل هذه التغيرات، وفق تعبيره.

لكن “حركة الشباب”، وفق سلطان، تخسر تأييدا شعبيا، وتخسر قواعدا لها في العديد من المناطق ويقصد هنا، بالقواعد الشعبية، وتخسر أيضا معسكرات كانت لها في هذه المناطق سواء في الجنوب أو وسط الصومال وغيرهم من المناطق الأخرى.

خسارة كبيرة

الجيش الصومالي قدّم الدعم للعشائر في ثورتها ضد “حركة الشباب”، لأنه يدرك أنه لا يمكنه الحفاظ على البلدات المحررة إلا بدعم العشائر المحلية، التي تعرف جيدا جغرافية الأرض أكثر من الجنود، ويمكنها حماية أفرادها وعائلاتهم ضد حرب العصابات التي تجيدها الحركة.

تستطيع العشائر توفير الدعم اللوجيستي للجيش، خاصة من ناحية المعلومات، وأيضا تجفيف الحاضنة الشعبية لـ”حركة الشباب”، ومصادر تمويلها لإضعاف قدرتها على التجنيد، ودفع مرتبات عناصرها.

في 6 كانون الأول/ديسمبر الجاري، أعلن الرئيس شيخ محمود، عن تحرير “آدم يبال” (نحو 250 كلم شمال غرب مقديشو)، والذي اعتبره “آخر وأهم معقل للحركة في هيرشبيلي”.

“آدم يبال”، تضم نحو نصف مليون نسمة، وتقع في تقاطع مثلث ولايتي “شبيلي الوسطى” و”هيران”، التابعتين لـ”هيرشبيلي”، مع مقاطعة “وغلغدود” إلى الشمال منها، وفقدانها يُعتبر خسارة كبيرة للحركة، لأنها تُعد أكبر معاقلها، وهي بداية لمزيد من التراجع والانهيار لكن ربما يستغرق ذلك وقتا طويلا، بحسب مصطف حمزة.

في المرحلة المقبلة، سيكثّف الجيش الصومالي هجماته على معاقل “حركة الشباب” في مقاطعة “غلغدود”، ذاتية الحكم، لتطهير النصف الشمالي من البلاد من العناصر المتشددة، قبل التوجه لتحرير المناطق الخاضعة للتنظيم في النصف الجنوبي، بحسب موقع “سكاي نيوز عربية”.

تلميع صورتها

“حركة الشباب” حاولت استغلال الجفاف لتلميع صورتها وتحسين صيتها، من خلال تقديمها لبعض المساعدات الإنسانية البسيطة للمتضررين من الجفاف، وهي تطمع من وراء ذلك الحفاظ على ما تبقى من الدعم الشعبي لها، وأيضا استقطاب مقاتلين جدد وإلى ما ذلك، لكن ذلك لم يسهم في تغير نظرة السكان الناقمين عليها، بحسب سلطان، حيث أن العشائر منخرطة بشكل مباشر في القتال ضد “حركة الشباب”، وهناك العديد من العشائر التي تمردت في الفترة الأخيرة على الحركة، سواء انخرطت في القتال مباشرة عن طريق حشد مقاتليها أو الامتناع عن دفع الأموال للحركة والاشتباك معها بشكل مباشر، وهذا واضح في العمليات والخسائر التي حلت بالحركة مؤخرا وأبرزها خسارة “آدم يبال”.

‏ الحركة لن تنهار في خسارة “آدم يبال” أو غيرها، الحركة في النهاية تقود حرب طويلة، فيها حرب عصابات في الأساس، تعتمد على الكرّ والفر، وتعتمد على الانسحاب وتعتمد على الانقضاض، وسلسلة من التكتيكات لن يكون الحاسم فيها السيطرة على الأرض، بحسب سلطان.

الخطوة المقبلة

ليس أمام الحركة إن أرادت الاستمرار في مناطقها إلا أن تبحث عن حلول واقعية قابلة للتنفيذ لمواجهة الأزمة من ناحية، وفق حمزة والبحث عن موارد تمويل جديدة تستطيع من خلالها تخطي هذه المرحلة من ناحية أخرى.

اقرأ أيضا: بين “داعش” و”القاعدة”.. مالي تشهد حرب نفوذ؟

الإهمال المتعمد من قِبل “حركة الشباب” لمصالح الناس والتركيز على مصالحها فحسب، وعدم استيعابهم لمدى تأثير التغيرات المناخية في تفكير الناس بعد أن ذاقوا ذرعا بسبب الجفاف، أوصلهم إلى فقدان مناطق واسعة كانت تحت سيطرتهم، وأفقدهم العديد من التحالفات مع عشائر المنطقة الوسطى، ما يراه مراقبون بأنه تراجعٌ كبير لنشاط الحركة وتقليص لمناطق نفوذها وقوتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.