قطاع السياحة في سوريا كان يعتبر من بين أسرع القطاعات الاقتصادية تطورا قبل عام 2011، وكان يسجل أعلى أرقام للزوار الأجانب، ولكن بسبب الحرب انخفضت الإيرادات وتضرر القطاع بشكل كبير بعد أن وصل إلى نحو 9.45 مليون زائر إلى سوريا.

منذ انتهاء الأعمال العسكرية وتحديدا بعد عام 2018، سعت الحكومة السورية لإنعاش القطاع والترويج للبلاد سياحيا من خلال عدة مبادرات، كان آخرها الترويج للبلاد سياحيا عبر مقاطع “اليوتيوبرز” و”البلوغرز” السياحيين الأجانب وآخرهم من فنزويلا، رغم أن المواقع الرسمية الدولية تذكر عن نيّة مواطنيها الذهاب إلى سوريا بـ”يجب توخي الحذر عند السفر إلى سوريا بسبب الوضع الأمني الحالي”.

القطاع السياحي في سوريا شكّل عام 2010 ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية بعد صادرات النفط، بواقع 3.9 مليار دولار أميركي، وقدّرت عائدات قطاع السياحة حينها بنحو 8.21 مليار دولار، بما يعادل 13.7 بالمئة من الناتج المحلي للبلاد.

استقطاب العرب والأجانب بـ”البلوغرز”

تصريحات مديرة التسويق والإعلام السياحي في وزارة السياحة، المهندسة ربى صاصيلا، تظهر تفاؤلا بمستقبل السياحة في سوريا. فوفقا لتوقّعاتها، سيشهد هذا العام “طفرة سياحية نوعية”، ويعزو ذلك إلى التغيرات الكبيرة في مجال الاستثمارات وتزايد عدد السياح الوافدين.

سوريا تتعامل مع البلوغرز للترويج للسياحة - إنترنت
سوريا تتعامل مع البلوغرز للترويج للسياحة – إنترنت

بحسب ما نقله موقع “غلوبال” المحلي أمس الاثنين عن صاصيلا، فقد تم تسجيل إقبال عالي خلال فترة الربع الأول من العام، حيث وصل عدد الوافدين إلى 375 ألفا، منهم 40 ألفا من السياح الأجانب، بنمو يصل إلى 140 بالمئة مقارنة بالعام الماضي. كما تشير الأرقام إلى تفوق أداء النصف الأول من هذا العام بنسبة 230 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

توقعات صاصيلا باستمرار هذا الاتجاه الإيجابي، وتعزيز النمو الاقتصادي وصناعة السياحة في سوريا، كان مبني على استضافة خلال هذا الأسبوع 20 “بلوغرز” من فنزويلا ويتم التّحضر لجولة سياحية، وجنسيات أخرى من هولندا وإسبانيا والصين، وأيضا التعامل مع “البلوغرز” السوريين المقيمين في الخارج وأصحاب التأثير في هذا السياق.

كذلك ضمن خطة الوزارة التي ذكرتها صاصيلا، هي مشاركة الوزارة بالمعارض الخارجية لجذب السياح، وكذلك من خلال الفعاليات الداخلية والمهرجانات الترويجية، كما أن الوزارة تعمل على موضوع الترويج عبر وسائل الاتصال الرقمي وهناك تعامل مع “المؤثرين وصناع المحتوى” لإنتاج أفلام ترويجية للمواقع السياحية.

منصة إلكترونية للتأشيرات

في سياق استقطاب السياح على الرغم من التحذيرات الدولية حول سوريا، صرح وزير السياحة محمد رامي مرتيني، لصحيفة “الوطن” المحلية، أمس الاثنين، أن دمشق تنوي تفعيل المنصة الإلكترونية لتسهيل الحصول على تأشيرات القدوم السياحي إلى سوريا ضمن تنسيق بين وزارات السياحة والخارجية والداخلية.

سوريا تتعامل مع البلوغرز للترويج للسياحة - إنترنت
سوريا تتعامل مع البلوغرز للترويج للسياحة – إنترنت

مرتيني اعتبر المنصة أنها مشروع متكامل، على أن تقدم الطلبات إلكترونيا لتسهيل استقطاب المزيد من الزوار وتسهيل الإجراءات للقادمين من مختلف دول العالم.

وزير السياحة توقع أن عدد السياح المقدر خلال موسم الصيف بمعدل 700 ألف سائح من أصل 2.5 مليون زائر، مبيّنا أن البنى التحتية والفنادق والتجهيزات قادرة على استيعاب السياح، على الرغم من أن سوريا تحتل المرتبة 159 عالميا على مؤشر الأمان العالمي بحسب مؤشر “بروسبيرتي” العالمي، ما جعلها واحدة من أضعف دول العالم من الناحية السياحية.

في تحقيق لموقع “إكسڤار” التقني، ذكر أن المؤثرين خلال زيارتهم لدمشق يزعمون أنهم يظهرون “سوريا لن تظهرها لك وسائل الإعلام”، كما في فيديو لمدوّن الفيديو البريطاني بنجامين ريتش، المعروف لدى 3.8 مليون مشترك.

في نيسان/أبريل 2022، سافر ريتش ودليله السياحي والذي بحسب أحد تلك المقاطع، راسله عبر “إنستغرام” ودعاه للقدوم إلى سوريا، فاستجاب له، وجاء وحضر مباراة كرة قدم في العاصمة، وزار قلعة حلب، وتفقد فندقا تم تفجيره في معلولا.

في كانون الثاني/يناير من هذا العام، أحدث صانع محتوى السفر الدنماركي جوستاف روستد، عاصفة من الجدل حول مقطع فيديو بعنوان “تم تعذيبي في سوريا”، والذي صور فيه مغامرته في “الحمّام الدمشقي” الذي يحصل فيه على خدمات الحمام كاملة بالإضافة إلى مناشف خاصة ومسّاج بمبلغ زهيد جدا يبلغ 4 يورو.

مؤخرا، في 13 شباط/فبراير الفائت، انضم اثنان من مدوِّني الفيديو البريطانيين الذين يديرون قناة على “يوتيوب”، والتي تضم 227 ألف مشترك، إلى القائمة الطويلة من منشئي المحتوى الذين انجذبوا لزيارة سوريا، ونشروا “ستوري” على “إنستغرام” تم التقاطها أثناء غروب الشمس في دمشق، في منطقة المهاجرين تحديدا.

جميع مقاطع أولئك “اليوتيوبرز” بحسب التحقيق تتشارك في الإشارة إلى انخفاض الأسعار في سوريا، من خلال تناول سندويش بدولار واحد، وبأقل من دولار تشتري القهوة، وتقطع في سيارة الأجرة 20 كيلومترا بـ 5 دولارات، وهي أرقام صحيحة بالفعل، لكنها تتجاهل أن الدولار الواحد نفسه غير متوفر، ومتوسط راتب الموظف لا يتعدّى الـ 20 دولارا.

أسعار السياحة تتضاعف

في خضم الغلاء الجامح الذي يجتاح سوريا منذ فترة ومع اشتداد حرارة فصل الصيف، وصلت كلفة إقامة العائلة لليلة واحدة على الشواطئ الساحلية السورية إلى نحو مليون ليرة، أي ما يعادل أكثر من 10 أضعاف راتب الموظف الحكومي، مما يجعل السياحة “حلما” صعب المنال لمعظم المواطنين وسط الظروف الاقتصادية المتردية.

سوريا تتعامل مع البلوغرز للترويج للسياحة - إنترنت
سوريا تتعامل مع البلوغرز للترويج للسياحة – إنترنت

بالنظر إلى أن أسعار المنشآت السياحية في سوريا باتت ضربا من الخيال، ويُحتسب تسعيرتها وفقا لسعر صرف الدولار، فإن الأسعار باتت خارج المنطق وأغلى من دول الجوار وحتى بعض الأماكن في الدول الأوروبية.

فريق “مراقبون” في “فرانس24” تمكن من معرفة اسم الدليل السياحي الذي يتعامل مع “البلوغرز” والعثور على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يُدعى رامي نوايا العمل كمترجم ودليل سياحي للعديد من وكالات السفر السورية، بما في ذلك شركة “ماروتا للسياحة والسفر”، وعلى “فيسبوك”.

نوايا يدّعي أيضا أنه أحد أفراد عائلة غياث الفرّا، معاون وزير السياحة السوري لشؤون المشاريع والتخطيط والاستثمار السياحي، وعند تحقق “إكسڤار” وُجد أنه عضو في جمعية “ساعد” الخيرية، التي تربطها علاقة وثيقة بسيدة دمشق الأولى، أسماء الأسد.

من خلال مراجعة قسم التعليقات على تلك المقاطع، يتضح أن هناك عددا لا بأس به من التعليقات الساخرة من قبل السوريين المقيمين في الداخل. يعزى ذلك إلى أن نمط الحياة اليومية العادية الذي يعرضه صناع المحتوى يبدو ترفا بالنسبة لـ 90 بالمئة من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

هذه الردود الساخرة والانتقادات قد تعكس الاستياء والغضب من الوضع الاقتصادي الصعب الذي يواجهه العديد من السوريين. فالفقر والضائقة المالية تجعل من الصعب على الكثيرين الاستمتاع بنمط الحياة الذي يُظهره هؤلاء الصناع، وقد يرى البعض أن التركيز على السياحة والترويج لها يُعد أمرا غير واقعي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها.

منذ مطلع عام 2022 حتى تموز/يوليو منه، بلغ عدد السياح الأجانب والعرب 727 ألف شخص، منهم 629 ألف عربي، و98 ألف أجنبي، وفق مديرية التخطيط والتعاون الدولي في وزارة السياحة السورية، لكن ما لا يقل عن 70 بالمئة من السياح في تلك المناطق من حملة الجنسية اللبنانية والعراقية.

بدورها قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في تقرير لها، إن بعض صنّاع المحتوى “المؤثرين” الذين زاروا سوريا، قدموا صورة غير دقيقة بعلم أم عن جهل لملايين المشتركين، وخاصة فيما يتعلق بحياة 4.5 مليون شخص في شمال غرب البلاد.

اعتماد الحكومة السورية على استقطاب الفنانين والمشاهير لتعزيز روايتها المناقضة للواقع قد يؤدي هذا الإجراء إلى تشويه الصورة الحقيقية للبلاد وعدم تقديم صورة واقعية للتحديات والمشاكل التي تواجهها المناطق المتضررة. وقد يعتبر السكان المحليون والمجتمع الدولي هذا النهج بمثابة محاولة للتضليل والتلاعب بالحقائق.

بالإضافة إلى ذلك، قد يتسبب هذا الاعتماد على المشاهير في تحقيق أهداف قصيرة الأجل، مثل جذب بعض السياح والزوار، ولكنه لن يحقق تنمية سياحية مستدامة على المدى البعيد. فعلى المستوى العالمي، يمكن أن يتسبب هذا النهج في فقدان المصداقية وتجاهل العديد من القضايا الجوهرية التي تؤثر في صناعة السياحة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات