في خضم الغلاء الجامح الذي يجتاح سوريا منذ فترة ومع اشتداد حرارة فصل الصيف، وصلت كلفة إقامة العائلة لليلة واحدة على الشواطئ الساحلية السورية إلى نحو مليون ليرة، أي ما يعادل أكثر من 10 أضعاف راتب الموظف الحكومي، مما يجعل السياحة “حلما” صعب المنال لمعظم المواطنين وسط الظروف الاقتصادية المتردية.

بالنظر إلى أن أسعار المنشآت السياحية في سوريا باتت ضربا من الخيال، ويُحتسب تسعيرتها وفقا لسعر صرف الدولار، فإن الأسعار باتت خارج المنطق وأغلى من دول الجوار وحتى بعض الأماكن في الدول الأوروبية.

فعلى سبيل المثال، تُقدّر ليلة واحدة في فنادق الساحل السوري بنحو مليون ليرة سورية أي نحو 110 دولارا، وفي بعض الفنادق يصل لضعف هذا السعر، هذا عدا عن تكاليف التنقل والمأكل والمشرب وألعاب السباحة، التي ستكون مساوية لأجار الفندق، وبالتالي الأسعار أغلى من أسعار دول الجوار، ولهذا يصف السوريون السياحة داخل البلاد بأنها تعادل أو أكثر غلاء من السياحة في الخارج.

أسعار “نارية”

نحو ذلك، بدأت الإعلانات السياحية المغرية تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي عن عروض شاليهات مخدّمة بالكهرباء والإنترنت على مدار اليوم، سواء في الفنادق أو المواقع السياحية الأخرى كرأس البسيط والشاطئ الأزرق ووادي قنديل، وسط معاناة المواطنين في سوريا من شحّ الكهرباء وسوء خدمة الإنترنت.

الساحل السوري- “إنترنت”

هذا وتتراوح كلفة الإقامة في الفنادق والشاليهات بمحافظة اللاذقية بإطلالة بحرية لعائلة مكونة من 6 أشخاص، ليوم واحد فقط، بين 650 – 900 ألف ليرة سورية، وبحسبة بسيطة فإن التكلفة الأسبوعية للإقامة فقط تفوق الـ 5 ملايين ليرة سوريّة من دون حساب تكاليف الأكل والشرب والمستلزمات اليومية إضافة للتنقل وأمور أخرى، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الإثنين.

التكاليف تنخفض كلما انخفضت الخدمة والإطلالة وابتعاد الشاليه عن شاطئ البحر، ليصبح الأجر مع عبارة “خط مولدة” ويشمل تشغيل الإنارة وشحن الهواتف والمراوح والشاشة والبراد لفترات محددة، فيكون الإيجار اليومي بين 200 – 400 ألف ليرة سورية لليوم الواحد.

في حين تبدأ أجور الغرف لشخص أو شخصين مع وجبة فطور في الفنادق تصنيف خمس نجوم سواء العامة أم الخاصة، من 350 ألف ليرة إلى 650 ألف ليرة لليلة الواحدة، والجناح “السويت” لـ 3- 4 أشخاص تبدأ الأجور اليومية من 650 ألفا حتى 900 ألف ليرة حسب الإطلالة سواء بحرية أم داخلية والتجهيز إن كان الجناح عاديا أو “سوبر ديلوكس”.

احتمال زيادة الأسعار

في المقابل، فإن هذه الأسعار تُعد بداية موسم الصيف وقبل امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وبالتالي من المحتمل أن ترتفع بعد انتهاء فترة الامتحانات ودخول شهر تموز/يوليو المقبل ذروة الموسم السياحي، وفق ما تقوله الصحيفة المحلية.

من جانبهم، يرى عدد من المواطنين أن السياحة باتت “لناس وناس” وتحديدا لذوي الطبقة المخملية دون غيرهم، متسائلين عن مدى قدرة أي موظف حكومي أو في القطاع الخاص على اصطحاب عائلته إلى شاليه لمدة يومين في اللاذقية، علما أن تكلفة الإقامة تفوق مرتّبه بعشرة أضعاف ونصف الضعف.

أما أصحاب الشاليهات فإنهم يرون أن ارتفاع الأجور يعود لغلاء تكاليف المقومات السياحية وخاصة تأمين التيار الكهربائي، الذي يتطلب دفع مبالغ طائلة لتشغيل المولدات طوال فترة النهار وساعات محددة في الليل حسب طلب الزبون إضافة للخدمات الأخرى من تنظيف وغسيل وغيرها.

مع اقتراب حلول فصل الصيف، يبدأ الناس عادة في قضاء أوقاتهم الصيفية في أماكن هادئة وجميلة، والذهاب إلى المسابح، كشكل من أشكال الترفيه لأنفسهم، ولكن في سوريا تختلف معادلة الحياة إلى حد ما، بسبب الغلاء الجامح، حيث إن أسعار دخول المسابح أو التصييف في أحد شاليهات الساحل باتت مرتفعة جدا عن العام الماضي، وهو ما لا يتوافق مع ميزانية أغلب السوريين، نظرا لتدني مستوى الرواتب والأجور

الحكومة تعوّل على المغتربين!

مدير السياحة في اللاذقية فادي نظام، قال بدوره إن التحضير مستمر للموسم السياحي الحالي، والتنسيق مع الجهات المعنية بالشأن السياحي والخدمي لرفع مستوى الخدمة في المواقع السياحية وتقديم خدمات سياحية لائقة.

الساحل السوري- “وسائل التواصل الاجتماعي”

بالتالي فإن الحكومة تأمل أن تشهد سوريا حركة سياحية عربية ودولية هذا الصيف، بعد “التطبيع” العربي مع حكومة دمشق مؤخرا، لافتا إلى أنه في الوقت الحالي الحركة السياحية من المغتربين السوريين بدول الخليج جيدة نوعا ما.

في وقت يعاني فيه المواطنون السوريون من غياب الكهرباء لساعات طويلة في اليوم الواحد وأزمة المواصلات الخانقة وغلائها بين الحين والآخر، نوّه مدير السياحة للصحيفة المحلية إلى أنه يتم العمل على التنسيق مع “شركة كهرباء” اللاذقية لزيادة ساعات التغذية في المقاصد السياحية، ومع “شركة سادكوب” لزيادة طلبات المشتقات النفطية للمحافظة.

مدير السياحة لفت أيضا إلى أن بعض المنشآت السياحية تتجه لحلول الطاقة البديلة والمتجددة لتوليد الطاقة الكهربائية في ظل التقنين الكهربائي الحالي، إضافة لتركيب سخانات شمسية وترخيص آبار مياه لتكون الخدمات جيدة وتلبي الحاجة بشكل عام.

“محرّمة” على الفقراء!

في وقت سابق قال موظف حكومي لموقع “أثر برس” المحلي مؤخرا، إنه “ليس بمقدوري الذهاب إلى المسبح، ومنذ زمن طويل لم أذهب ولم أقم بأخذ أطفالي، لكن أتمنى”، مضيفا “كيف لي أن أذهب إذا كلفة دخول عائلة مكونة من 4 أشخاص إلى المسبح للسباحة فقط ستكلّف 200 ألف ليرة”.

كما يجب التنويه إلى أن أسعار مستلزمات المسابح ارتفعت أيضا عن العام الفائت، فسعر الدولاب الهوائي الخاص بالأطفال حجم صغير وصل إلى نحو 75 ألف ليرة بينما سجّلت الفواشات 40 ألف ليرة. بطبيعة الحال هذه الأسعار تُعتبر كبيرة مقارنة بالرواتب والأجور في سوريا، ولكن مقارنة بسعر الصرف، فإنه يُعتبر منطقي ومعقول.

بالتالي فإن الفجوة الأساسية تكمن في قيمة الرواتب، التي باتت في أدنى المستويات، بجانب تهاوي قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي، حيث ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في تداولات اليوم الثلاثاء، فسجّل في سوق دمشق نحو 8900، بحسب موقع “الليرة اليوم“.

في الواقع، الارتياد إلى أماكن الترفيه، من المطاعم والمسابح، بجانب التصييف على أحد شواطئ الساحل السوري، أمرٌ مكلف بالنسبة لنسبة كبيرة من السوريين. هذا بالإضافة إلى ارتفاع تكاليفها عن العام الماضي بشكل كبير، نظرا لارتفاع كل السلع والخدمات من جانب، وتهاوي قيمة الليرة من جانب آخر.

فمثلا خلال عيد الفطر الفائت، أي قبل نحو شهر، كشف رئيس “غرفة سياحة طرطوس” إياد حسن، أن كلفة الإقامة في بعض الفنادق السياحية في طرطوس وصل إلى 400 ألف ليرة سورية لليلة الواحدة، أي نحو 54 دولارا، وهو ما يفوق قدرة معظم السوريين اليوم.

المسؤول الحكومي وفق حديثه لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في وقت سابق، أردف أن كلفة الإقامة بالنسبة إلى غرفة لشخصين تبدأ من 50 ألفا، وهو ضمن فندق نجمتين، وترتفع حسب التصنيف لتصل حتى 400 ألف لليلة الواحدة، وتكلفة الشخص الواحد، من أكل ومنامة بشكل وسطي تبدأ من 100 ألف ليرة يوميا، معتبرا هذه الأسعار طبيعية نظرا للكلفة المترتبة على المنشآت السياحية من حيث التشغيل من محروقات وكهرباء ومواد وغيرها، وأن تكلفة السياحة في أي دولة تعادل عشرين ضعف ما تكلفه في سوريا.

لكن مع هذا الحديث، ينسى حسن أن الرواتب في الدول الخارجية المعنية أعلى بعشرات المرات من رواتب وأجور الحكومة السورية ومؤسساتها، بالإضافة إلى القطاع الخاص. وهذا يعني أن الحكومة تريد أن تعترف وتقول إن الأمور الترفيهية مثل السياحة وغيرها من ارتياد المطاعم والمقاهي هي للمغتربين فقط.

إلا أن هذا الكلام ليس غريبا، فالمسؤولون الحكوميون دائما ما يحمّلون ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير وغير المنطقي إلى أنه أمر عام ويحدث في كل بلدان العالم، وأنه يرجع إلى تدهور سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، متناسيين عدم قيام الحكومة بواجباتها تجاه المواطنين أو الاعتراف بعجزها في رفع الرواتب بما يتناسب مع مستوى المعيشة في البلاد.

بالاستناد إلى هذه الأسعار “الخيالية” يبدو أن النشاطات الصيفية ستنضم هي الأخرى إلى قائمة السلع والخدمات “المحرّمة” على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، بعدما شهدت هي الأخرى ارتفاعات جديدة تجاوزت قدرة معظم السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات