حالة التخبط والفوضى في سوريا خلال السنوات الماضية بلغت ذروتها، نتيجة عدم استقرار الليرة السورية وهبوطها بنسب قياسية أمام النقد الأجنبي على مدار السنوات العشر الماضية ولا سيما العامين الماضيين، فقد حلّقت الأسعار لمستويات تاريخية، وارتفاع معدل التضخم بالبلاد لأكثر من 800 بالمئة، لدرجة أنه عندما يتسوق الناس، فإنهم يحملون حقائب أو أكياس تحوي العملة السورية.

على إثر هذا الغلاء وشحّ الكهرباء والمحروقات، باتت أسعار المنشآت السياحية في سوريا ضربا من الخيال، ويُحتسب تسعيرتها وفقا لسعر صرف الدولار، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليفها مقارنة مع بعض الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، تقدر ليلة واحدة في أحد فنادق الساحل السوري بأكثر من نصف مليون ليرة سورية أي نحو 55 دولارا، وفي بعض الفنادق يصل لضعف سعره، هذا عدا عن تكاليف التنقل والمأكل والمشرب وألعاب السباحة. لذلك يصف السوريون السياحة داخل البلاد بأنها معادلة للسياحة في الخارج، وبالتالي يفضلون الخارج على الساحل السوري، وبالطبع هذا الأمر يشمل الطبقة الغنية والمغتربين، وليس الجميع.

“التكلفة نفسها”

في السياق، يقول والد شادي الذي يعمل بالعمل الحر بالإضافة إلى عمله على تاكسي أجرة، لموقع “أثر برس” المحلي، اليوم الأربعاء، إنه بعد الانتهاء من الإجراءات واستلام بطاقات الطائرة والحصول على جوازات السفر صار بإمكانهم حزم حقائبهم فهم مدعوون للإقامة في الجزائر لمدة شهرين.

الساحل السوري- “إنترنت”

والد شادي أردف في حديثه، “هذه السفرة فرصة لا تعوض بالنسبة لي لأن تكاليفها مدفوعة ذهابا وإيابا والإقامة ستكون في منزل أخي تبقّى فقط المصروفات الداخلية ضمن البلد”، وبحسبة بسيطة يقارن بين سفره ضمن أي محافظة سورية أو إلى خارجها فيضيف “أي سياحة ستكلف أي أسرة اليوم ما يقارب 4 ملايين ليرة لمدة 15 يوم غير أجرة الإقامة في شاليه على شاطئ البحر مثلا وثمن طعام وترفيه وغير ذلك؛ لذلك أجد أن السفر خارج البلد سيكلّف المبلغ نفسه فيما إذا سافر الشخص إلى قريته أقل شيء”، لافتا إلى أن كلفة السفر إلى الجزائر هي 3 مليون ومئتا ألف لكل شخص.

أما ربى فتقوم بتجهيز نفسها للمغادرة إلى الأردن لقضاء أسبوع استجمام، موضحة أنها ستسافر برا وقد اتفقت مع سيارة ركاب لتقلّها مع ابنها حيث أن كلفة الراكب الواحد 250 ألف ليرة أي ستدفع أجرة مواصلات 500 ألف ليرة؛ هذا إضافة لمصروفات التنقل والترفيه وأجرة الفندق.

كما وتؤكد أنها رصدت لهذه الرحلة 4 مليون ليرة، وفي مُقارنة هذه الرحلة برحلة إلى شاطئ طرطوس، تقول إنها نفس التكلفة ولكن ما يختلف هو ثمن السلعة والمواد الغذائية في كل بلد فقد تكون أقل سعرا مقارنة بدمشق.

في الواقع مقارنة بالدول الأخرى، لا سيما دول الجوار، ثمة ارتفاع غير منطقي في الأسعار بسوريا، حيث أن أسعار العديد من السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية، هي الأغلى في سوريا مقارنة بلبنان أو الأردن أو العراق. كما جاءت في العديد من التقارير المحلية وعلى لسان مسؤولين حكوميين بدمشق الذين أقرّوا بأن الأسعار في سوريا، مقارنة مع الدول العربية هي الأغلى، وأن الفروق تزيد عن النصف. وفي الواقع، هذا أمر مثير للاستغراب ويدعو للتساؤل.

تكاليف النقل “كبيرة”

في إطار تكاليف السفر إلى محافظة أخرى كاللاذقية أو طرطوس، فيؤكد موظف في إحدى شركات النقل أن ارتفاع الأسعار الأخير الذي طرأ على تعرفة سفر الركاب تضمن تعرفتين؛ الأولى لباصات “البولمان” درجة رجال الأعمال والذي يتسع لما بين 30 ــ 35 راكبا والثانية لباصات “البولمان” العادي والتي تتسع لـ 45 راكبا.

مؤخرا حُدّدت تعرفة نقل الركاب من العاصمة السورية دمشق إلى باقي المحافظات على متن بولمان رجال الأعمال وفق الآتي، من دمشق إلى حلب 17 ألف ليرة سورية، ودمشق-اللاذقية 13 ألف ليرة سورية، ودمشق -طرطوس 12 ألف ليرة سورية، ودمشق -حماة 8 آلاف ليرة سورية، ودمشق -حمص 7 آلاف ليرة سورية.

لكن نظرا لشحّ الوقود وارتفاع سعره في السوق السوداء، فالعديد من شركات النقل لا تتقيّد بالتعرفة الرسمية، إذ تبلغ سعر بطاقة الشخص الواحد من دمشق إلى اللاذقية 18500 ليرة لدرجة رجال الأعمال وتصل مدة الرحلة حتى ست ساعات.

أما أسعار تذاكر التنقل بين دمشق وباقي المحافظات عبر باص البولمان العادي أو ما يُطلق عليه، الهوب هوب، فقد أصبحت وفق التالي “دمشق ـ حلب 8 آلاف ليرة سورية، دمشق ـ اللاذقية 10 آلاف ليرة سورية، دمشق ـ طرطوس 7 آلاف ليرة، دمشق ـ حماة 6 آلاف ليرة، دمشق حمص 5 آلاف ليرة سورية”.

بالنظر إلى ارتفاع أسعار المازوت فقد قامت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” برفع أسعار التنقل بين المحافظات السورية، حيث بلغ سعر تذكرة التنقل بين اللاذقية – دمشق عبر الفانات الصغيرة 12 راكب 20 ألف للراكب الواحد فيما سجلت إلى محافظة طرطوس نفس المبلغ.

الموظف في شركة النقل لفت إلى أن محافظة اللاذقية تعتبر من أكثر المحافظات ارتيادا خلال عطلة الصيف وأكثرها رحلا، بسبب السياحة في الصيف علاوة على أن العدد الكبير للموظفين في العاصمة دمشق هم سكان الساحل السوري. كما وأوضح أحد موظفي شركة “القدموس” للنقل، أن رحلات دمشق- اللاذقية فيها ضغط ركاب فكل يوم تذهب ثلاث رحلات إلى اللاذقية منطلقة من كراجات “البولمان” في مدينة دمشق.

بالتالي فإنه نتيجة ارتفاع تكاليف النقل بين المحافظات بشكل عام، إلى جانب المواصلات داخل المدن، مما جعل البعض يقللون من زياراتهم وبالتالي بات المواطن يسافر كل صيف مرة واحدة بعد أن كان بعضهم يذهب إلى قريته بشكل شهري ومنهم من كان يرتاد المحافظة بشكل أسبوعي.

السياحة للأثرياء والمغتربين!

مع اقتراب حلول فصل الصيف، يبدأ الناس عادة في قضاء أوقاتهم الصيفية في أماكن هادئة وجميلة، والذهاب إلى المسابح، كشكل من أشكال الترفيه لأنفسهم، ولكن في سوريا تختلف معادلة الحياة إلى حد ما، بسبب الغلاء الجامح، حيث إن أسعار دخول المسابح باتت مرتفعة عن العام الماضي بشكل كبير، وهو ما لا يتوافق مع ميزانية أغلب السوريين، نظرا لتدني مستوى الرواتب والأجور

على سبيل المثال تكلفة دخول المسبح لأسرة مكونة من 4 أفراد تصل إلى 200 ألف ليرة، وبالتالي كيف لموظف أو أي مواطن يعمل في القطاع الخاص، الذي يبلغ راتبه ما بين 160-250 ألف ليرة سورية، أن يرتاد هكذا أماكن، وهذا لسان حال نسبة كبيرة من السوريين. ووسط هذه الأسعار “الخيالية” يبدو أن النشاطات الصيفية ستنضم هي الأخرى إلى قائمة السلع والخدمات “المحرّمة” على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، بعدما شهدت هي الأخرى ارتفاعات جديدة تجاوزت قدرة معظم السوريين.

أحد شواطئ الساحل السوري- “وزارة السياحة السورية”

كما في كل موسم، ومع دخول فصل الصيف شهدت المنتجعات الصيفية والمسابح، ارتفاعا مفاجئا في الأسعار نتيجة بدء الطلب عليها، الأمر الذي جعل بعض العائلات تتجه إلى بدائل قد تكون أرخص إلى حد ما، كالمزارع الصيفية التي يتم تأجيرها بشكل يومي، حيث أفاد تقرير سابق لموقع “أثر برس” المحلي، أن متوسط تكلفة استئجار مزرعة في ريف دمشق بلغ 350 ألف ليرة سورية هذا العام، وقد يكون هذا السعر مرشحا للارتفاع خلال الأسابيع القادمة مع ارتفاع معدلات الطلب عليها.

كما يجب التنويه إلى أن أسعار مستلزمات المسابح ارتفعت أيضا عن العام الفائت، فسعر الدولاب الهوائي الخاص بالأطفال حجم صغير وصل إلى نحو 75 ألف ليرة بينما سجّلت الفواشات 40 ألف ليرة. بطبيعة الحال هذه الأسعار تُعتبر كبيرة مقارنة بالرواتب والأجور في سوريا، ولكن مقارنة بسعر الصرف، فإنه يُعتبر منطقي ومعقول.

بالتالي فإن الفجوة الأساسية تكمن في قيمة الرواتب، التي باتت في أدنى المستويات، بجانب تهاوي قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي، حيث ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في تداولات اليوم الأربعاء، فسجّل في سوق دمشق نحو 8750 ليرة، بحسب مواقع تداول العملات.

مسؤول حكومي وفق حديثه لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في وقت سابق، قال إن كلفة الإقامة بالنسبة إلى غرفة لشخصين تبدأ من 50 ألفا، وهو ضمن فندق نجمتين، وترتفع حسب التصنيف لتصل حتى 400 ألف لليلة الواحدة، وتكلفة الشخص الواحد، من أكل ومنامة بشكل وسطي تبدأ من 100 ألف ليرة يوميا، معتبرا هذه الأسعار طبيعية نظرا للكلفة المترتبة على المنشآت السياحية من حيث التشغيل من محروقات وكهرباء ومواد وغيرها.

لكن مع هذا الحديث، ينسى المسؤول الحكومي أن الرواتب في الدول الخارجية المعنية أعلى بعشرات المرات من رواتب وأجور الحكومة السورية ومؤسساتها، بالإضافة إلى القطاع الخاص. وهذا يعني أن الحكومة تريد أن تعترف وتقول إن الأمور الترفيهية مثل السياحة وغيرها من ارتياد المطاعم والمقاهي هي للمغتربين أو الأغنياء فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات