مع اقتراب حلول فصل الصيف، يبدأ الناس عادة في قضاء أوقاتهم الصيفية في أماكن هادئة وجميلة، والذهاب إلى المسابح، كشكل من أشكال الترفيه لأنفسهم، ولكن في سوريا تختلف معادلة الحياة إلى حد ما، بسبب الغلاء الجامح، حيث إن أسعار دخول المسابح باتت مرتفعة عن العام الماضي بشكل كبير، وهو ما لا يتوافق مع ميزانية أغلب السوريين، نظرا لتدني مستوى الرواتب والأجور

في ظل هذا الغلاء الخانق، يكاد معظم السوريين يعيشون يومهم بشق الأنفس، وقد حُرموا العديد من سبل الحياة، بدءا من التقنين والامتناع عن بعض أنواع المواد الغذائية كاللحوم وغيرها، وليس انتهاءً بترك الذهاب للمسابح أو التصييف في الساحل السوري. فمثلا بالنسبة للمواطن الذي يبلغ راتبه حوالي 160 ألف ليرة، كيف سيصطحب عائلته إلى المسبح، وتكلفة دخول المسبح لأسرة مكونة من 4 أفراد تصل إلى 200 ألف ليرة. وهذا لسان حال نسبة كبيرة من السوريين.

“للرفاهية ثمن” بـ سوريا

في سوريا تتغير الأسعار صعودا وبشكل أسبوعي تقريبا، إن لم يكن يوميا، بسبب عدة عوامل أبرزها تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي. وفي جولة على بعض المسابح في دمشق، لوحظ أن الأسعار متباينة بين مسبح وآخر.

أحد المسابح في سوريا_ “عدسة شاب دمشقي”

مشرف مسبح “مدينة الشباب” في منطقة المزة بالعاصمة السورية دمشق، قال إنه يتم التجهيز حاليا للموسم الصيفي الحالي لاستقبال الذين يرغبون بممارسة السباحة حيث أن رسم الدخول لايزال 20 ألف من العام الماضي لكن للسباحة فقط ولمدة أربع ساعات دون خدمات أخرى، حسبما أورده موقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الإثنين.

في المقابل، أوضح مدير مسبح “مدينة تشرين الرياضية” صالح محمد أن المسبح يستقبل كافة الأعمار والاشتراك الشهري يبلغ 60 ألف لفئة الصغار والكبار؛ أما رسم الدخول لمرة واحدة 7000 ليرة سورية طيلة أيام الأسبوع باستثناء يومي الجمعة والسبت، فرسم الدخول يصبح 10 آلاف ليرة، مضيفا أن الخدمات المقدمة من مياه معقمة ومفلترة هي من أولويات النادي حيث يتم تعقيمها وفلترتها بشكل يومي من قبل مختصين بذلك، على حدّ وصفه.

أما بالنسبة للمسابح الخاصة بالنقابات، مثل “منتجع الديماس” الخاص بنقابة المهندسين، فهي تقدم حسومات فقط للمنتسبين للنقابة. في حين أن المسابح الموجودة على طريق مطار “دمشق” الدولي، فتتراوح رسوم الدخول إليها بين 40 ألف إلى 70 ألف ليرة سورية للشخص الواحد ولمرة واحدة وهذا السعر الـ 70 ألف يتضمن “سندويشة بطاطا أو مناقيش على الصاج مع كوب عصير”، نظرا لأنه يُمنع إدخال الأطعمة والشراب.

بالإضافة إلى أن هناك مسابح تطلب استخدام مستلزمات السباحة كالنظارات الشمسية والطواقي وبذلك تُضاف تكاليف أخرى على الشخص ويقوم بشرائها. فمن جانبها بينت موظفة بإحدى الشركات للموقع المحلي، أنها ترتاد المسبح بشكل أسبوعي مع أبنائها، مشيرة إلى أن زيارة المسبح تؤمن لها فرصة اللقاء مع صديقاتها وأهلها خارج المنزل في جو جميل وممتع؛ لكن التكاليف لا تتناسب مع القدرات المادية لشريحة كبيرة من الناس نظرا لارتفاع الأسعار الكبير، مضيفة “نأتي إلى المسبح بدل الذهاب إلى المطاعم المكلفة فهنا نجد الراحة مع أولادنا من جهة ونشعر بأن المياه متجددة ومعالجة بالكلور، لكن نتمنى مراقبة الأسعار بشكل دائم”.

الفجوة تكمن في الرواتب!

نحو ذلك، قال موظف حكومي إنه “ليس بمقدوري الذهاب إلى المسبح، ومنذ زمن طويل لم أذهب ولم أقم بأخذ أطفالي، لكن أتمنى”، مضيفا “كيف لي أن أذهب إذا كلفة دخول عائلة مكونة من 4 أشخاص إلى المسبح للسباحة فقط ستكلّف 200 ألف ليرة”.

كما يجب التنويه إلى أن أسعار مستلزمات المسابح ارتفعت أيضا عن العام الفائت، فسعر الدولاب الهوائي الخاص بالأطفال حجم صغير وصل إلى نحو 75 ألف ليرة بينما سجّلت الفواشات 40 ألف ليرة. بطبيعة الحال هذه الأسعار تُعتبر كبيرة مقارنة بالرواتب والأجور في سوريا، ولكن مقارنة بسعر الصرف، فإنه يُعتبر منطقي ومعقول.

بالتالي فإن الفجوة الأساسية تكمن في قيمة الرواتب، التي باتت في أدنى المستويات، بجانب تهاوي قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي، حيث ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في تداولات اليوم الثلاثاء، فسجّل في سوق دمشق نحو 9125، بحسب موقع “الليرة اليوم“.

في الواقع، الارتياد إلى أماكن الترفيه، من المطاعم والمسابح، بجانب التصييف على أحد شواطئ الساحل السوري، أمر مكلف بالنسبة لنسبة كبيرة من السوريين. هذا بالإضافة إلى ارتفاع تكاليفها عن العام الماضي بشكل كبير، نظرا لارتفاع كل السلع والخدمات من جانب، وتهاوي قيمة الليرة من جانب آخر.

فمثلا خلال عيد الفطر الفائت، أي قبل نحو شهر، كشف رئيس “غرفة سياحة طرطوس” إياد حسن، أن كلفة الإقامة في بعض الفنادق السياحية في طرطوس وصل إلى 400 ألف ليرة سورية لليلة الواحدة، أي نحو 54 دولارا، وهو ما يفوق قدرة معظم السوريين اليوم.

المسؤول الحكومي وفق حديثه لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في وقت سابق، أردف أن كلفة الإقامة بالنسبة إلى غرفة لشخصين تبدأ من 50 ألفا، وهو ضمن فندق نجمتين، وترتفع حسب التصنيف لتصل حتى 400 ألف لليلة الواحدة، وتكلفة الشخص الواحد، من أكل ومنامة بشكل وسطي تبدأ من 100 ألف ليرة يوميا، معتبرا هذه الأسعار طبيعية نظرا للكلفة المترتبة على المنشآت السياحية من حيث التشغيل من محروقات وكهرباء ومواد وغيرها، وأن تكلفة السياحة في أي دولة تعادل عشرين ضعف ما تكلفه في سوريا.

لكن مع هذا الحديث، ينسى حسن أن الرواتب في الدول الخارجية المعنية أعلى بعشرات المرات من رواتب وأجور الحكومة السورية ومؤسساتها، بالإضافة إلى القطاع الخاص. وهذا يعني أن الحكومة تريد أن تعترف وتقول إن الأمور الترفيهية مثل السياحة وغيرها من ارتياد المطاعم والمقاهي هي للمغتربين فقط.

أحد المسابح في سوريا_ “إنترنت”

إلا أن هذا الكلام ليس غريبا، فالمسؤولون الحكوميون دائما ما يحمّلون ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير وغير المنطقي إلى أنه أمر عام ويحدث في كل بلدان العالم، وأنه يرجع إلى تدهور سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، متناسيين عدم قيام الحكومة بواجباتها تجاه المواطنين أو الاعتراف بعجزها في رفع الرواتب بما يتناسب مع مستوى المعيشة في البلاد.

التعويل على المغتربين

لطالما كانت “وزارة السياحة السورية” تعوّل على المغتربين في تنشيط السياحة بالبلاد، ولا سيما المنشآت الترفيهية في الساحل السوري. وحتى مع انخفاض التوترات الأمنية في عدة أجزاء من البلاد، تعوّل دمشق على المغتربين من أجل تنشيط القطاع السياحي، الذي خسر كثيرا خلال السنوات الماضية، وكان الناتج المحلي للقطاع السياحي يُقدر بنحو 1.82 مليار دولار، وهذا يعادل 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ازدياد أعداد القادمين إلى سوريا، خلال العام الماضي وصل لقرابة الـ 82 ألف شخص، وفق توقعات وزير السياحة السوري، محمد مارتيني، في تصريحات سابقة. ورغم ارتفاع الأسعار في المنشآت السياحية ذات الـ“خمس نجوم”، إلا أن الإقبال عليها كان كبيرا خلال العام الماضي، وتحديدا خلال فترتي عيد الفطر والأضحى، حيث وصلت نسبة الإشغال في بعض المنشآت من سوية “خمس نجوم” بين 90-80 بالمئة، كما وأغلقت منشآت أخرى من التصنيف نفسه باب الحجوزات بعد أن وصلت نسبة الإشغال فيها إلى 100 بالمئة، وبالتالي يتوقع أن يكون هذا العام أيضا قطاع السياحة منعشا، إلا أنه سيكون محصورا بين الأغنياء والمغتربين، وفق مراقبين.

من ناحية أخرى، وبالنظر إلى أن الكهرباء متوفرة في الفنادق على مدار اليوم، والتي أصبحت ميزة تتصدر الإعلانات الخاصة بعروض السياحة الداخلية في سوريا، مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة يوميا في معظم المحافظات، وبالتالي يستغل أصحاب المنتجعات والفنادق قدرتهم على تأمينها من دون انقطاع لجذب الزبائن القادرين على تسديد الفواتير الباهظة للإقامة في تلك الأماكن التي باتت، إلى حدّ كبير، حكرا على الأثرياء والمغتربين.

بحسب إحصائيات صحفية، تمكنت حوالي 40 منشأة سياحية من الاشتراك بـ “الخط الذهبي” المعفى من برنامج التقنين الكهربائي، مقابل رسوم أعلى من السعر العادي. ومع ذلك، فإن هذا يعني رفع الأسعار في هذه المرافق بما يتناسب مع توفيرها لخدمة التمتع بالكهرباء دون انقطاع في بلد غارق في “العتمة”.

بعض أصحاب المنشآت الفندقية بالساحل السوري يقولون إنه كلما قامت “وزارة الكهرباء السورية”، برفع تعرفة كهرباء الفنادق المعفاة من التقنين فإن هذا يؤثر على الأسعار تلقائيا، بجانب  تأثير غلاء جميع السلع وخاصة المواد الغذائية. وبالنظر إلى ارتفاع تكاليف التشغيل بشكل كبير عن العام الماضي، فإنه من المتوقع أن ترتفع أسعار التّصييف أيضا في الفترة المقبلة.

بالتالي فإن  التّصييف سيكون “محرّم” على الفقراء وذوي الدخل المحدود، الذين يشكلون السواد الأعظم في البلاد. أو لربما يلجأ نسبة قليلة جدا من هؤلاء إلى المنشآت الشعبية، التي تُعتبر الملاذ الأكثر أمانا لجيوبهم، والتي لا تتناغم طردا مع الأسعار الخيالية للمنشآت التي فُصّلت تكاليفها على قياس زبائن “خمس نجوم”.

على الرغم من ادعاء الجهات المعنية بأنها مهتمة وتدعم قطاع السياحة، وبشكل خاص بالسياحة الشعبية، إلا أن منتقديها يشيرون إلى استبعاد ذوي الدخل المحدود من قائمة العناية السياحية، إذ تتجاوز تكاليف تمضية يوم واحد على الشاطئ بالحد الأدنى نصف مليون ليرة سورية لتأمين النقل والإقامة والطعام، وهو أضعاف الراتب الحكومي.

هذا يعني أن الحكومة غير معنية بهذه الفئة، وجلّ هدفها هُم المغتربين والأغنياء، إذ تستفاد قدر المستطاع من ارتفاع تكاليف السياحة وخاصة المغتربين، الذين يجلبون معهم العملات الأجنبية. فمعطيات “وزارة السياحة” بدمشق تشير إلى أن عائدات المنشآت السياحية خلال عام 2021 بلغت 11 مليار ليرة سورية منها 5.6 مليار ليرة سورية عائدات مباشرة، و5.5 مليار ليرة عائدات غير مباشرة كالضرائب والرسوم، علما بأن خسائر القطاع السياحي في سوريا منذ بداية الحرب تُقدر رسميا بنحو 330 مليار ليرة سورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات