لم يكن انهيار بورصة العملة المُشفّرة “إف تي إكس”، مطلع الشهر الحالي السابقة الأولى في تاريخ هذه العملات، بل أنه يأتي عقِب سلسلة من انهيار كيانات أخرى في سوق العملات المُشفّرة خلال الفترة الماضية، مثل صندوق التحوط “ثري أروز كابيتال”، ومنصة الإقراض “سيلزيوس نتورك”، وبورصة الرموز “فويجير ديجيتال”، كما حذرت شركة الوساطة في العملات المُشفرة “جينيسيس” عملائها من احتمال الإفلاس وأعلنت حاجاتها إلى مزيد من السيولة، فيما انهارت عملة “تيرا دولار” بالكامل وخرجت من التداول بالسوق.

حيث شهدت العملات المُشفّرة انخفاضا غير مسبوق في قيمتها منذ عام 2018 وحتى الآن، حيث انخفضت القيمة السوقية للعملات المُشفّرة من نحو 3 تريليونات دولار في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، لتصل في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إلى 872 مليار دولار، لتترتب على ذلك خسائر بأكثر من تريليوني دولار. وفقدت “بيتكوين”، أهم العملات المُشفّرة، جانبا كبيرا من قوتها، وانخفض سعرها من نحو 67.7 ألف دولار في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 إلى 16.7 ألف دولار مع مطلع نوفمبر 2022، وتباعا انخفضت القيمة السوقية الإجمالية للتداول من نحو 1.3 تريليون دولار إلى 311 مليار دولار خلال الفترة نفسها.

ما هي العملات المشفرة؟

العملات المشفّرة، عبارة عن نظام دفع رقمي لا يعتمد على البنوك للتحقق من المعاملات، وهو نظام نظير إلى نظير يتيح لأي شخص في أي مكان إرسال واستقبال المدفوعات، وبدلا من حمل الأموال وتبادلها في العالم الحقيقي، توجد المدفوعات بالعملة المشفّرة في شكل إدخالات رقمية إلى قاعدة بيانات إلكترونية تصف معاملات محددة، وعند نقل الأموال بالعملة المشفّرة، يتم تسجيل المعاملات في دفتر حساب عام. وتُخزّن العملة المشفّرة في محافظ رقمية.

عملات مشفّرة “وكالات”

العملات المشفّرة حصلت على اسمها لأنها تستخدم التشفير للتحقق من المعاملات. ويعني ذلك وجود نظام ترميز متطور يشارك في تخزين ونقل بيانات العملة المشفّرة بين المَحافِظ ودفاتر الحساب العامة. ويكمن الهدف من التشفير في توفير الأمن والسلامة.

بحسب بلال شعيب، الخبير الاقتصادي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، فإن أول عملة مشفرة هي “البتكوين”، التي تأسست في عام 2009، ولا تزال هي الأشهر حتى اليوم. وينطوي الكثير من الاهتمام بالعملات المشفرة على التداول من أجل تحقيق الربح، حيث يدفع المضاربون في بعض الأحيان الأسعار إلى الارتفاع.

إقرأ:أزمة الديون الضخمة.. ما تأثيرها على الاقتصاد العالمي؟

العملات المشفرة تعمل على حساب عام موزع يسمى قاعدة البيانات التسلسلية، وهو عبارة عن سجل لجميع المعاملات التي يتم تحديثها والاحتفاظ بها بواسطة حائزي العملات، ويتم إنشاء وحدات العملة المشفرة من خلال عملية تسمى التعدين، والتي تتضمن استخدام طاقة الكمبيوتر لحل مسائل رياضية معقدة تولد العملات المعدنية. ويستطيع المستخدمون أيضا شراء العملات من الوسطاء، ثم تخزينها وإنفاقها باستخدام مَحافظ العملات المشفرة.

لماذا تراجعت العملات المشفرة؟

مستقبل العملات المشفرة يعتمد على كيفية استجابة المستثمرين لهذه التقلبات، إذ شهد السوق بالفعل حالة من الذعر واليأس، والتسابق للوصول إلى البنوك، ويميل العملاء إلى القلق من أن بنوكهم لن تكون قادرة على منحهم أموالهم خلال الأشهر الماضية.

بحسب خبراء اقتصاديين، فإن بعض العملات المستقرة تعتمد إلى حد كبير على الإدراك والثقة، وبمجرد أن يتزعزع ذلك يمكن أن تظهر انخفاضات كبيرة، وقد أدت الانخفاضات الرئيسية الأخيرة في العملات المشفرة إلى التشكيك في مدى استقرار العملات المستقرة، علما أنها صُمّمت حتى لا تكون قيمتها غير متقلبة من خلال الحرص على أن تكون مقومة بأصل آخر.

بلال شعيب، يشير إلى أن السبب الرئيسي وراء انتشار العملات المشفّرة بشكل واسع، هو البحث عن الثراء السريع، وذلك بحسب طبيعتها وتداولها عبر الإنترنت، ومع الانتشار الواسع لها حدث انهيار في سوق هذه العملات.

شعيب يلفت إلى أن أهم أسباب هذا الانهيار، هو كونها أصبحت ملاذا غير آمن، كما أنه لا يقابلها أصول بنكية كما هو معتاد في العملات العادية، كما أنها لا تخضع للرقابة القانونية، أيضا بسبب ما تعانيه الأسواق الغربية من ارتفاع في التضخم، والخوف من رفع الفوائد في هذه الأسواق، ومحاربة البنوك المركزية لهذه الأصول المشفّرة ومجابهة خطر استخدامها في غسيل الأموال.

شعيب يضيف أنه لا بدّ من طرح سؤال، بأنه من أين تكتسب تلك العملات قيمتها، حيث إن سوقها تحتوي حاليا على 10200 عملة لا يُعرف منها إلا عدد بسيط جدا، كما أنها تعاني من شدة التذبذب في قيمتها خلال فترات قصيرة، إضافة إلى عدم وجود احتياطي يساعد في تقييم السعر، وقيمة العملة مستمدة من الإقبال عليها فقط، وأيضا هي عملة تستهلك الطاقة بشكل كبير.

أيضا تشير بعض التقارير الاقتصادية إلى التشديد النقدي للبنوك المركزية في مواجهة هذه العملات، وفرض قيود على تعدين العملات المُشفرة، ونزع الشرعية البنكية عنها.

مستقبل العملات المشفرة

مستقبل العملات المشفرة سيعتمد على كيفية استجابة المستثمرين لهذه التقلبات، إذ شهد السوق بالفعل حالة من الذعر واليأس، والتسابق للوصول إلى البنوك، ولكن في ظل هذه التدفقات التي تشهدها البنوك، يميل العملاء إلى القلق من أن بنوكهم لن تكون قادرة على منحهم أموالهم، بدلا من القلق من أن أموالهم قد أصبحت عديمة القيمة، فمع تعطّل سوق الأسهم، تصبح هذه المقارنة أكثر دقة، إذ ينتاب المستثمرين القلقُ من أن الحصص والأسهم التي يمتلكونها ستصبح عديمة القيمة قريبا.

“إف تي إكس” منصة تداول العملات المشفرة المفلسة “وكالات”

أيضا فإن انهيار بورصة “إف تي إكس”، عكس أزمة خفية عميقة تواجه صناعة العملات المُشفّرة في العالم، تتمثل في ضعف ضوابط التداول، وسوء إدارة أصول العملاء والمودّعين. وقد كشفت التحقيقات الأولية أن الفشل في تطبيق الضوابط المالية والرقابية، يعتبر السبب الجوهري للانهيار المالي للبورصة. فمن بين أوجه خلل عديدة، جرى إقراض مؤسس المنصة، بانكمان فريد، نحو مليار دولار لأغراض شخصية، ونحو نصف مليار دولار أخرى لصالح مدير القطاع الهندسي بالبورصة، كما تم استخدام أموال المودّعين لشراء منازل للعاملين في جزر البهاما.

في هذا السياق، يرى شعيب أن العملات المشفّرة ستكون على طريق الانهيار في المستقبل ما لم تتم إعادة النظر في قضايا الحوكمة الاقتصادية، وفرض رقابة صارمة على بورصات وجهات تداول العملات، وتشريع قواعد جديدة لحماية المستثمرين، وإنشاء قوانين تنظيمية خاصة بالعملات المشفرة شبيهة بتلك المعمول بها في البنوك والأسواق المالية وخاصة وجود أرصدة مالية احتياطية قادرة على تغطية السحوبات النقدية.

شعيب يشير إلى أنه في حال تم التعامل مع العملات المشفّرة بهذه التعديلات، فإن الكثيرين سيعودون للاستثمار فيها نظرا لأنها أسرع في زيادة الأرباح وبالتالي الثراء، وهو ما سيعمق الاعتقاد بأن العملات المشفّرة ستحل في النهاية محل الطرق التقليدية للتبادل المالي.

بالنتيجة، من الممكن تقسيم مستثمري العملات المشفرة إلى مجموعات مختلفة ذات دوافع مختلفة، وذلك من شأنه أن يدل على فهم السلوكيات التي يتّبعها المستثمرون في هذه العملات، ولكن بحسب معظم الدراسات الاستشارية الاقتصادية، فإنه لا شيء مضمون في مجال التداول المالي الرقمي المشفّر.

إقرأ أيضا:رغم تراجع أرقام التضخم.. لماذا يواصل الفيدرالي الأميركي رفع نسبة الفائدة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.