مسلسلات “البيئة الشامية” باتت من الأعمال الأساسية في كل موسم دراما رمضاني، إذ تتجه أهم القنوات العربية لعرضها على شاشاتها لِما لها من جمهور واسع. ومن أبرز الأعمال الشامية المعروضة في السباق الرمضاني الحالي، هو مسلسل “العربجي”.

إلا أنه بعد حوالي 14 يوما من عرض “العربجي”، أثار المسلسل جدلا كبيرا، حيث اتهمه الكثيرون بتشويه “البيئة الشامية” من العادات وغيرها، كما وجّهت انتقادات كثيرة لمخرج العمل سيف الدين سبيعي الذي لم يحافظ على الهوية البصرية الشامية وكان تأثره بالأسلوب الأوروبي واضحا، إضافة إلى انتقاده من قبل بعض المتابعين، بأن المسلسل يدافع عن الذكورة والعقلية الشرقية المكرسة وأن العمل يحمل كمّاً لا يُستهان به من الإهانة للمرأة.

صور نمطية وإهانة للمرأة

مسلسل “العربجي”، منذ بدء أولى حلقاته احتل مكانة لافتة بين الأعمال السورية في هذا الموسم وحظي حتى الآن بإقبال كبير. والعمل من تأليف الكاتبين عثمان جحا ومؤيد النابلسي، وإخراج سيف الدين سبيعي، وبطولة باسم ياخور، ونادين خوري، وسلوم حداد، وديمة قندلفت وإنتاج “غولدن لاين”.

قصة العمل تتمحور حول “عبدو العربجي”، الذي يؤدي دوره ياخور، وهو رجل يعمل في نقل البضائع على العربة في دمشق، يقع في غرام “ناجية”، التي تعمل مغسلة أموات، لكنها لا تبادله الأحاسيس ذاتها، ما يشكّل محور انطلاق واستمرارية لأحداث العمل، حيث يحوي الكثير من التعقيدات والصراعات الوحشية.

بعد عرض نصف المسلسل تقريبا، انتقد نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي القائمين على العمل؛ لما يحتويه بشكل خاص على إهانة للمرأة وتصويرها على أنها أداة لجلب الذل والعار لأهلها. وهذه الانتقادات جاءت على دور الداية “بدور” الذي تقوم به الممثلة ديمة قندلفت، إذ تقدم شهادة زور، مفادها أن ابنة عبدو العربجي ليست بكرا، وذلك بهدف “إلحاق العار” بعبدو العربجي.

بعض المتابعين علّقوا بأن الدّاية كانت تؤتمن على أسرار نساء وبيوت الحارة، وكانت الدايات بالغالب نساء كبيرات بالسن يتّسمن بالحكمة والرزانة، أما الدور الذي قدمته قندلفت في “العربجي” فكان مختلفا تماما، إذ أدت دور داية شابة “لعوبة” لا تشبه من قريب أو بعيد، ما يعرفه أهالي الشام عن الدايات.

قد يهمك: شتائم بذيئة وحركات “جبل شيخ الجبل”.. تيم حسن فقد الكاريزما الدرامية بعد “الهيبة”؟ – الحل نت 

كذلك، تصدير صور نمطية عن المرأة في تلك الحقبة، كانت في نظر البعض أنها مهينة ويجب التقليل منها، فباتت كل الأعمال الشامية تظهر نفس الأفكار، وتتمحور حول صور مسيئة لها، فمثلا حين لُفقت تهمة لابنة “عبدو العربجي” حيث يُحكى له أن ابنته كانت مع رجل في البستان، زاعمين بأنها أقامت علاقة جنسية معه، وسرعان ما يجلب “الزعيم أبو حمزة” الذي يقوم به الفنان سلوم حداد، داية الحارة لتثبت إذا ما كانت طاهرة أم ماذا.

ما أن تقول الداية الشابة “البنت ليست بكرا”، حتى يلومها الجميع ويعايرونها بأنها “عايبة”، دون توجيه هذا الكم من اللوم والشتائم للذكر. أما الوالد “عبدو العربجي”، الذي يصرّ على قتل ابنته، واضعا خنجره على جسد ابنته من باب “غسل العار”، وهو يستشيط غضبا، إلا بعد أن يأتي أحد المساكين ويحاول إقناعه بأن ابنته ربما تكون بريئة، لكن ورغم ذلك فقد تشوهت سمعة الفتاة بمجرد أن الداية أدلت بدلوها.

بالتالي فإن هذه الصور تعزز أنماطا مسيئة عن المرأة وتترسّخ في أذهان المتابعين فكرة أن الشرف دائما ينحصر في أعضاء المرأة، وبغير ذلك يكون شرف العائلة نظيفا لامعا. وهذا الأسلوب في العرض عن المرأة انعكس سلبا على النظرة إلى المرأة السورية بشكل عام، وفق بعض الآراء الناقدة. في المقابل، يرى البعض أن هذه هي الحقيقة في تلك الحقبة، والشام قديما كانت كذلك حرفيا، وأن المسلسل لا يهين المرأة، فالتاريخ القديم وإلى اليوم يهينونها، مضيفين أن حتى سلسلة “باب الحارة” كان وصفا حقيقيا للبيئة الشامية.

بيئة شامية أم فانتازيا؟

أحداث مسلسل “العربجي” تدور في بيئة شامية، لكن صنّاع العمل أكدوا أنه أشبه بفانتازيا تاريخية “خارج الزمان” وأن أحداث المسلسل من وحي الخيال، لم تحدث في أي زمان ومكان، ولكنها قد تحدث في كل زمان ومكان، كما يصفونها في بداية كل حلقة، مع ذلك لم يسلم العمل من الانتقادات ومن اتهامات له بتشويه البيئة الشامية.

البعض أشاروا إلى أن الديكورات التي اعتمدها المخرج لم تبقَ خارج الانتقادات، فقد اتهمه المتابعون بالتأثر بـ”الريف الأوروبي”، معلقين أن الموسيقى والديكورات التي يشاهدونها في “العربجي” لا تعكس طبيعة الأثاث العريق المميز للبيئة الشامية.

تقارير عدة قالت إن المسلسل أبصر النور بعد أعوام من تأجيله، نتيجة اعتذار مخرجين عن عدم تنفيذه، مثل المخرج عامر فهد، وناجي طعمة، قبل أن يتولى إخراجه سيف سبيعي، ذلك لأنه لاحظ أن النص ضعيف ويحتاج إلى تطوير، وقال فهد عن المسلسل “النص يحمل فكرة جيدة، لكن يجب أن يكون مسبوكا بشكل أفضل، وأن يحمل تكنيكا جديدا؛ حتى لا يتشابه مع باقي أعمال البيئة الشامية، كما أن جميع خطوط الشخصيات في الحكاية تشبه بعضها بعضا إلى حد كبير، إضافة إلى وجود بطء في إيقاع الأحداث”.

عامر قال أيضا اقترحت على الشركة المنتجة “غولدن لاين” إجراء تعديلات في النص؛ لكونه رأى أنه بحاجة إلى إعادة بناء من جديد وليس فقط تعديلات بسيطة، لكن الشركة كانت على عجلة من أمرها فأسندت العمل إلى سبيعي.

تشويه واستنساخ

في المقابل، يرى بعض النقاد أن هذه الأعمال لا تظهر أهمية المرأة في تلك الفترة. إضافة إلى غياب التوثيق الحقيقي للعديد من الأحداث السياسية والاجتماعية التاريخية. وبالتالي فإن قسم كبير من النقاد يجدون أن هذه الدراما شوهَّت البيئة الشامية، وكان لها أثر كبير بالنظرة غير الواقعية إلى المجتمع السوري من قِبل شرائح واسعة.

أي أن المسلسل لم يخرج عن مألوف مسلسلات “البيئة الشامية” بقصصها المتمحورة حول المرأة وكيف يربطون الشرف بها، إلى جانب سرديات الثأر، وكيد النساء ولم يقدم المسلسل شخصيات مختلفة عن تلك التي عهدتها أعمال من هذا النوع، بل وكأنها شخصيات متكررة ومستنسخة عن بعضها البعض.

في المجمل، فإن أعمال البيئة الشامية صارت كأحد الطقوس في كل رمضان وباتت ضرورة لعدة قنوات كمطلب تسويقي أساسي، إلا أن البحث يبقى جاريا عن قيمة مضافة لهذه الأعمال بما تقدمه للجمهور من قصص وحبكات مختلفة وهوية بصرية، حتى تغرد خارج السرب ويصبح عملا حقيقيا دون تحريف أو انتقاص.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات