الاقتصاد اللبناني بات على حافة الانهيار، بسبب أزمة المديونية التي زادت الأزمة السياسية وجائحة “كورونا” من حدّتها. حيث قالت مجموعة “البنك الدولي” إن، الخسائر المالية التي يعاني منها اقتصاد لبنان، وماليته العامة، تعادل 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2021.

مع تجاوز الخسائر المالية 72 مليار دولار، فإن تعويم القطاع المالي بات أمرا غير قابل للتطبيق، وفق لتقرير “البنك الدولي”، وذلك لعدم توافر الأموال العامة الكافية لذلك، ولا سيما أن أصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من هذه الخسائر.

قد يهمك: هل سيتكرر مشهد اقتحام المصارف اللبنانية؟

بعد مرور أكثر من 3 سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية، يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد، بحسب ما أشار له “البنك”، فيما من المرجَّح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق، إلى زيادة تأخير التوصل إلى أي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، ما يعمق محنة الشعب اللبناني.

حلول مطروحة

طريق الحل معروف، يتمثل بوقف الهدر والفساد في المؤسسات ووقف السرقات، والمباشرة بالإصلاحات (إصلاح مالي لدوائر الدولة ومؤسساتها، وإصلاح البنية المصرفية)، هذه هي طريقة الحل المنطقية، بحسب حديث الصحفي اللبناني آلان سركيس، لـ”الحل نت”، بينما الحلول التي تبحث عنها السطلة مغايرة تماما لذلك، فهي بانتظار الرضا السياسي عليها من قبل الدول المانحة، حيث تأمل بتدفق الأموال العربية، لتقوم بقليل من الإنقاذ(الإصلاح)، لتدور رحى الفساد والسرقة مجددا، على حد وصفه.

 من هنا يمتنع المجتمع الدولي والعربي، عن تقديم إي دعم مالي للسلطة الحالية التي هي برعاية “حزب الله”، لأن الأموال ستذهب للهدر، وفق سركيس.

التقديرات الواردة في تقرير “البنك”، تشير إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 بالمئة في عام 2022، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي، وعدم تنفيذ استراتيجية للتعافي. نظرا لتوافر بيانات أفضل مما كان متوقعا سابقا، فإن التقرير يعدِّل تقديراته لانكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لعام 2021 إلى 7 بالمئة (مقابل نسبة 10.4 بالمئة، المقدرة سابقا).

 قد قضى الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي شهده لبنان منذ عام 2018 والبالغ 37.3 بالمئة، وهو يُعد من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم، على ما تحقق من نمو اقتصادي على مدار 15 عاما، بل ويقوض قدرة الاقتصاد على التعافي.

الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر (145 بالمئة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022)، رغم تدخلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية، على حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية الآخذ في التناقص، ما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ تموز/يوليو 2020.

من المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 186 بالمئة في عام 2022، وهو من بين أعلى المعدلات عالميا، ويُعد لبنان من أكثر البلدان تضرّرا من التضخم الذي طرأ أخيرا على أسعار المواد الغذائية، التي تتأثر بها بشكل خاص الأُسر الفقيرة والمحتاجة، إذ تشكِّل نسبة كبيرة من نفقاتها في ظل التآكل الشديد لقوتها الشرائية.

خسائر متنوعة

خسائر المودعين لأموالهم، والخسائر التي تصيب بنى المؤسسات العامة وخسائر الشعب، وبعض المؤسسات التي أفلست وأغلقت أبوابها في لبنان. يتم التعويض عنها بشيء من خلال أموال المغتربين، وهو ما جعل البلد متماسك إلى الآن، وفق سركيس، حيث يدخل تقريبا 6 مليارات دولار للشعب اللبناني وليس لخزينة الدولة سنويا.

“عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه. كما دعونا مرارا وتكرارا، على لبنان اعتماد حل مُنصف وشامل على وجه السرعة يعيد الاستقرار إلى القطاع المالي، ويضع الاقتصاد على مسار التعافي”، بحسب تصريح للمدير الإقليمي لدائرة المشرق في “البنك الدولي” جان كريستوف كاريه.

تقرير “البنك الدولي” احتوى على قسمين خاصين، حيث يقيم القسم الأول والذي جاء تحت عنوان ” البلدان المقارنة على مستوى العالم “مدى حدة الأزمة في لبنان، من خلال مقارنتها بمجموعة مختارة من الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، ويخلُص إلى أن أداء الاقتصاد الكلي في لبنان، أسوأ من أداء هذه المجموعة المحددة من الدول، زيمبابوي واليمن، إضافة لفنزويلا والصومال، أو يضاهيها في أحسن الأحوال.

 القسم الخاص الثاني في التقرير، يحلل “الدولرة في لبنان” ويخلُص إلى أن الأزمة الحالية ستعزِّز على الأرجح مستويات “الدولرة” المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي.

جميع النخب اللبنانية والسياسيين المعارضين، يعرفون ما هو طريق الإنقاذ أو الإصلاح أن صح القول، وفق سركيس، لكن يوجد قرار من السلطة الحالية برعاية “حزب الله”، بمنع أي إصلاح وإعادة عمل المؤسسات كما كانت، وكل هذا ضرب لمؤسسات الدولة، ودليل واضح على أن الأزمة اللبنانية لها شق اقتصادي، ولكن لها شق سياسي، وهو ربط لبنان بالمحور الإيراني ما أثر على علاقاته بالدول العربية وأدخله في عزلة.

أزمة اقتصادية فادحة

الأزمة الاقتصادية والنقدية الراهنة، لن تصل إلى مخرج لها دون إقرار الاتفاق النهائي مع “صندوق النقد الدولي”، بحسب تصريح لرئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، خلال افتتاح فعليات “منتدى بيروت” الاقتصادي 2022، الذي ينظمه اتحاد المصارف العربية ببيروت.

الواقع الاقتصادي اللبناني المرير وفداحة الأزمة المالية، “تقف شاهدا على ضرورة وأهمية وضع استراتيجية ومشروع متكامل لتبني إصلاحات بنيوية” بحسب ميقاتي.

الفراغ السياسي هو أساس الأزمة اللبنانية، بحسب الصحفي آلان سركيس. صحيح أن للأزمة شق اقتصادي، لكن الشق الأساسي هو سياسي وليس مالي أو اقتصادي، من المعروف أن اقتصاد لبنان غير باقي اقتصادات الدول الأخرى، يرتفع بسرعة وينخفض بسرعة. من هنا، الفراغ السياسي هو أساس الأزمة، ويوضح بأن القرار السياسي مرهون من “حزب الله” ومن خلفه المحور الإيراني، وفق تعبيره.

من جهة أخرى عدم وجود رغبة سياسية بالمباشرة بالإصلاحات ومحاولة إيران القبض على عموم البلد، كل ذلك يعمق من الأزمة ويزيد في تداعياتها، بحسب سركيس، لذلك الأزمة ستطول إلا إذا كان هناك تسوية إقليمية ودولية وقرار واضح من الخارج، بلجم هذه السلطة السياسية المتحكمة بمفاصل الدولة اللبنانية وضرب بنيانها، ثم إعادة تكوين سلطة سياسية جديدة تباشر بعمليات الإصلاح.

أواخر يناير/كانون الثاني 2022 بدأت الحكومة اللبنانية رسميا مفاوضات مع “صندوق النقد الدولي”، حول برنامج للتعافي الاقتصادي في البلاد، ورأى أن الدول المانحة لن تمد يد المساعدة، إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات ألا وهو صندوق النقد الدولي.

بيروت تسعى للتوصل إلى برنامج مساعدات مع الصندوق، للخروج من أزمة اقتصادية ومالية حادة تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019، أدت إلى تدهور قياسي بقيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار.

القطاع المصرفي اللبناني يعاني اليوم من أزمة قاسية وخطيرة، بحيث ينبغي تضافر جهود كل السلطات السياسية والنقدية، من أجل احتواء الاختلالات القائمة والنهوض بالقطاع نحو التعافي.

الاقتصاد اللبناني انكمش بأكثر من 40 بالمئة منذ 2018، في وقت يسجل التضخم رقما من 3 خانات، في حين احتياطيات العملات الأجنبية آخذة في الانخفاض، وسعر الصرف الموازي وصل إلى 40 ألف ليرة لكل دولار.

لبنان يعيش فراغا سياسيا، إذ لم يتمكن البرلمان اللبناني لغاية اليوم من انتخاب رئيس للجمهورية خلفا لميشال عون، الذي انتهت ولايته في 31 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

اقرأ أيضا: آفاق الحل معدومة.. لبنان يعيش ثلاثة أزمات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.