مع تراجع الدور الدولي في الملف السوري، انخفضت فرص التقدم في العملية السياسية في سوريا للوصول إلى حل سياسي، خاصة مع فشل المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن في إقناع الأطراف السياسية لا سيما دمشق، في الانخراط في حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254.

مسارات جديدة في الملف تحاول الأطراف الفاعلة خلقها بعيدا عن المسارات الأممية، لا سيما مع تطور العلاقات الروسية التركية، ودفع أنقرة للتقارب مع دمشق، لكن هذه الشراكات تقوم بالأساس على مصالح دول بعيدا عن هدف الحل السياسي.

في أثناء ذلك تتواصل الجهود الدبلوماسية لإحياء المسار الدولي عبر الأمم المتحدة، الذي يصفه بعض السياسيون بـ”الميت سريريا”، فهل تكون الاجتماعات في جنيف الفرصة الأخيرة لإحياء العملية السياسية في سوريا.

اجتماعات في جنيف

بهدف تحريك المياه الراكدة في الملف السوري، عقدت “هيئة التفاوض” السورية، اجتماعات مكثفة مع المبعوثين الدوليين في مدينة جنيف السويسرية، وبشكل خاص مع المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن.

تقرير لصحيفة “القدس العربي”، أفاد بعقد اجتماع بين رئيس “هيئة التفاوض” الدكتور بدرس جاموس والرئيس المشتركة للجنة الدستورية السورية هادي البحرة من جهة، والمبعوث الخاص إلى سوريا غير بيدرسن من جهة أخرى، ضمن سلسلة من الاجتماعات التي نظمتها الولايات المتحدة مع المبعوثين الدوليين، لمناقشة تطورات الملف السوري.

من خلال ما جاء في التقرير، فلا يبدو أن المجتمعين لديهم أمل في إحياء العملية السياسية أو التقدم في الحل السياسي، إذ اتفق المجتمعون أنه لا وجود لمن يرغب فعليا في إنقاذ العملية السياسية، “كما أن جعبة غير بيدرسن فارغة من الحلول المبتكرة”.

أسباب التراجع

الباحث في العلاقات السياسية محمود علوش، رأى أنه لا توجد أفق واضحة للتقدم في العملية السياسية، لأسباب عديدة من بينها تراجع الدور الغربي في المشهد السوري، معتبر أن إخفاق المبعوث الأممي هو انعكاس لضعف المجتمع الدولي في دفع العملية السياسية في سوريا.

علوش قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “لا توجد أفق واضحة للحل السياسي في سوريا والسبب يكمن في عاملين أساسيين أولهما، عدم وجود رغبة لدى النظام السوري وحلفائه بإنجاز تسوية سياسية حقيقية وفق قرار مجلس الأمن 2254، وثانيهما تراجع التأثير الغربي في المشهد السوري. هذا الأمر ساعد روسيا في محاولة خلق مسار آخر مواز للمسار الأممي من خلال منصة أستانا وتشجيع تركيا على المصالحة مع دمشق”.

قد يهمك: تطور العلاقات السعودية الصينية.. بوابة لتطبيع الرياض مع دمشق؟

برأي علوش فإن معظم الدول أصبحت تتعامل مع الملف السوري، على أن دمشق انتصرت في الحرب، وأضاف “إخفاق المبعوث الأممي هو انعكاس لضعف المجتمع الدولي في دفع العملية السياسية في سوريا. باتت معظم الدول تتعامل بشكل متزايد مع الحالة السورية على أن الأسد انتصر في الحرب وينبغي الانفتاح عليه، لكنّها مقاربة قصيرة النظرة. لا يُمكن إحداث سلام حقيقي في سوريا دون تحول سياسي حقيقي. على العالم على أن يُدرك هذه الحقيقية ويُنتج مقاربة سياسية واضحة على أساسها في تعاطيه مع المسألة السورية”.

مسارات جديدة؟

حول المسارات التي تحاول بعض الدول خلقها بعيدا عن الآلية الأممية، وتحديدا ما يحدث بين روسيا وتركيا، علّق علوش قائلا ” الشراكة التركية الروسية في سوريا لعبت دورا كبيرا في تهدئة حدة الصراع وإنشاء مناطق خفض التصعيد، واليوم نشهد تطورا لتأثير هذه الشراكة على مستوى العلاقة بين أنقرة ودمشق. مع ذلك، لا يبدو أن مثل هذه الشراكة قادرة وحدها على إنتاج سلام نهائي في سوريا. مثل هذا السلام سيتطلب انخراطا دوليا واسعا ولا يبدو ذلك ممكنا في المستقبل المنظور”.

بالعودة إلى الاجتماع الأخير في جنيف، فإن مصادر من داخل الاجتماع أكدت أن الدول الفاعلة في الآلية الأممية لم بتبقي ما تقدمه للملف السوري، حيث أن هناك الكثير من العقبات أمام مسار الحل السياسي في سوريا.

رئيس “هيئة التفاوض” الدكتور بدر جاموس والرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة، التقيا مع غير بيدرسن المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، الإثنين الفائت في مكتب “هيئة التفاوض” في جنيف، كما التقى الثلاثاء رئيس وفد الهيئة مع ممثلي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا.

حيث بحث رئيس الهيئة مع المبعوث الدولي الآليات المطلوبة من الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي يلبي طموح وتطلعات الشعب السوري، وطالب جاموس بيدرسن بالمزيد من الضغط على دمشق لإجباره على تطبيق القرارات الدولية.

الحاجة للتوافق الدولي

لا يبدو أن “اللجنة الدستورية السورية”، التي كانت تسعى لتطبيق قرار 2254، تستطيع أن تقدم أي شيء جديد للعملية السياسية، إذ يؤكد مراقبون أن ذلك يتطلب اتفاق حقيقي بين الأطراف المعنية لإنجاح هذه اللجنة

مراقبون للوضع السوري، رأوا أن السياق السياسي السوري، بات يتطلب البحث عن حل خارج إطار القرار الأممي 2254، إذ أن “اللجنة الدستورية السورية” لا يمكن لها أن تكون بداية الحل، بدون توافق أميركي روسي.

تزامنا مع فشل “اللجنة الدستورية السورية“، تسعى أنقرة كذلك إلى عقد محادثات ثلاثية تجمعها مع موسكو ودمشق، لعقد محادثات “غير مشروطة” لبحث الملف السوري، ويبدو أن لقاء وزراء الدفاع من الجانبين قبل أسابيع، كان بمثابة الخطوة الأولى في إطار عقد قمة قد تجمع رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين وبشار الأسد لاحقا.

لكن الموقف الأميركي، قد يعطّل عقد هذه القمة، خاصة إذا اعتبرتها واشنطن وسيلة لإعادة تدوير بشار الأسد على الساحة الدولية والإقليمية.

بحسب حديث لمحللين مختصين بالشأن السوري، فإن دعوة أنقرة يمكن لها أن تنتهي بالدعوة إلى قمة بدون وجود شروط مسبقة، ما قد يمهد للقاءات من شأنها أن تناقش حل سياسي واقعي قابل للتطبيق والتوافق من قبل معظم الأطراف المعنية.

غير أن الجهود الروسية التركية في الوصول إلى حل سياسي تواجه تهديدات عديدة، بينها أن أنقرة لن تسعى إلى الوصول إلى حل سياسي بشكل مباشر، خاصة وأن أهدافها في التطبيع مع دمشق، تكمن في قضايا عديدة بينها عودة اللاجئين، وإرضاء رأي الشارع التركي، فضلا عن بعض المصالح الاقتصادية في سوريا، بالتالي لا يتركز هدف أنقرة على الوصول إلى الحل السياسي.

لا يبدو أن آلية الأمم المتحدة وجميع التفرعات التي نتجت عنها لاحقا في الملف السوري، قادرة على النهوض بالعملية السياسية، في وقت تداخلت فيه بعض الدول الفاعلة، وأصبحت تسعى لخلق مسارات جديدة فيما بينها، إذ أصبح من المؤكد أن دفع العملية السياسية يحتاج إلى توافق دولي جاد، إلى جانب توافق الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.