في مجال العناية الشخصية والجمال، انتشر اتجاه غريب عبر حرم الجامعات السورية، تاركا الكثيرين في حيرة وقلق، إذ انتهجت عدد من الطالبات السوريات نحو مهنة تعرف باسم “الجليش” لتغطية احتياجاتهنّ المالية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

هذه المهنة تتضمن في المقام الأول تطبيق جل الأظافر، أو ما يشار إليه عادة باسم “الجليش”، مما يوفر مستوى مرتفعا من العناية وحلا لمشاكل طلاء الأظافر اليومية.

ما يجعل هذه الظاهرة أكثر إثارة للاهتمام هو حقيقة أن هؤلاء الطلاب الجامعيين، الذين يتابعون تعليمهم في مختلف المجالات، قد اختاروا المغامرة في عالم فن الأظافر كوسيلة لكسب العيش. وازداد الطلب على خدماتهم، مما دفعهم إلى إقامة صالونات تجميل مؤقتة في الأحياء الراقية ولدى النساء ذوات الطبقة المخملية، حيث يمكن أن تصل الأسعار إلى 200 ألف ليرة في الجلسة الواحدة.

طالبات الجامعة يكافحن من أجل المال

هذا الاتجاه المتنامي في اعتناق عمل التجميل لدى طالبات في الجامعات السورية أثار الدهشة والجدل بين الآباء والمعلمين والمجتمع ككل. حيث يشعر الكثيرون بالقلق من الآثار التي قد تترتب على التطلعات التعليمية والآفاق المستقبلية لهؤلاء الشابات. ولكن هل جاذبية المال السريع تلقي بظلالها على مساعيهنّ الأكاديمية، أم أنها انعكاس للظروف الاقتصادية الصعبة التي ابتليت بها البلاد.

“الجليش” مهنة طالبات الجامعات السورية - إنترنت
“الجليش” مهنة لبعض طالبات الجامعات السورية – إنترنت

بروز ظاهرة “الجليش” يعكس قصة أكبر من عدم الاستقرار الاقتصادي والمكافحة من أجل تغطية نفقاتهم في دولة تتصارع مع تقلبات أسعار الصرف وتراجع الإنتاج وضعف القوة الشرائية. فمع نقص فرص العمل ومحدودية الوصول إلى الموارد المالية، لجأت بعض طالبات الجامعات إلى الاستفادة من مهاراتهم في مجال يوفر عوائد مالية فورية.

بحسب حديث إحدى الطالبات لصحيفة “البعث” المحلية، أمس الخميس، فإن تركيب “أظافر الجل” يعني وضع 3 طبقات من طلاء الأظافر، الطبقة الأولى الأساسية تكون رقيقة والثانية تكون أكثر سمكا والأخيرة طبقة لامعة، ويجب تعريض الأظافر بعد كل خطوة لمصباح الأشعة فوق البنفسجية لتجفيفها لمدة 3 دقائق.

من المعروف أن جل الأظافر يعتبر وسيلة شائعة لتعزيز وتجميل الأظافر، وبالنظر إلى ملاحظات الطالبات للصحيفة المحلية، فإن جل الأظافر يتمتع بعدة مزايا مقارنة بتركيب الأظافر الصناعية، إذ أحد أهم الفوائد التي يقدمها جل الأظافر هو طول مدة بقائه التي تدوم لفترة طويلة تصل إلى شهر أو أطول مع العناية اللازمة والتجهيز المناسب للأظافر. 

هذا يعني أنه لا يحتاج إلى إعادة تطبيق متكرر كما هو الحال في تركيب الأظافر الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، جل الأظافر يمكن تغيير لون طلاء الأظافر فوقه بسهولة. وهذا يتيح للفتاة تجربة مجموعة متنوعة من الألوان والتصاميم دون الحاجة إلى إزالة الأظافر الصناعية بالكامل وتركيب جديدة.

بالنسبة لغالية، وهي موظفة تستخدم جل الأظافر بانتظام، فإنها تستمتع بمدة بقاء أطول للجل على الأظافر مقارنة بطلاء الأظافر العادي. إذ يمكن أن يدوم “الجليش” حتى 3 أسابيع، بينما يمكن لطلاء الأظافر العادي أن يبقى لفترة أقصر تتراوح بين يومين إلى 5 أيام، هذا يعني أنها لن تضطر إلى إعادة طلاء أظافرها بشكل متكرر.

أسعار “الجليش” تتفاوت حسب المنطقة

من الجدير بالذكر أن إزالة جل الأظافر يتطلب بعض العناية والمهارة للقيام بها بشكل صحيح، وقد يعتمد تأثير الماء واستخدام اليدين على مدى تأثيرها على جودة ومدة بقاء الجل على الأظافر.

“الجليش” مهنة طالبات الجامعات السورية - إنترنت
“الجليش” مهنة لبعض طالبات الجامعات السورية – إنترنت

من المعروف أن مهنة تطبيق جل الأظافر “الجليش” تحتاج بعض المتطلبات وتتفاوت الأسعار حسب المنطقة وجودة المواد المستخدمة. ووفقا لحنان طالبة الأدب الإنكليزي، فقد اتجهت لهذه المهنة لأنها لا تتطلب استثمارا كبيرا، وتعمل في منزلها وقد اشترت جهازا “يو في” لتجفيف الجل. 

حنان ذكرت أن دخلها الشهري يتراوح بين 500 و700 ألف ليرة، مبررة عملها في هذه المهنة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم كفاية الدعم الذي تحصل عليه من أهلها لشراء المحاضرات، كما تعتبر العمل في هذا المجال ممتعا بالنسبة لها.

من جانبها، ذكرت منى العلي، أخصائية تجميل في أحد الصالونات، أن أسعار جل الأظافر تختلف حسب المنطقة، بغض النظر عن جودة المواد المستخدمة. ففي المناطق الراقية، تتراوح الأسعار من 200 ألف ليرة فأكثر، في حين تتراوح في المناطق الشعبية من 50 إلى 100 ألف ليرة. معللة الأسعار العالية بأن المواد المستخدمة في العمل ذات أسعار مرتفعة.

طبقا لحديث الطالبات، فعلبة الجل قد يتراوح سعرها من 50 ألف إلى 500 ألف ليرة حسب العلامة التجارية والبلد المستورد منها. وأما علبة “الجليش” أو “جل بولش”، فقد يتراوح سعرها من 25 ألف إلى 200 ألف ليرة، وذلك حسب الجودة والنوع.

أيضا عندما تطلب الأخصائية سعرا عاليا، فإن المواد التي تستخدمها تكون عالية الجودة، خاصة وأن المواد يتم استيرادها من الصين وروسيا والولايات المتحدة.

كذلك هناك مواد مكملة قبل وبعد مادة الجل مثل “البيزوالتوب كوت” وجهاز لـ”يو في”، فنوع الجهاز والحرارة التي يصل إليها تساعد في أن تكون النتيجة أفضل، أما عن سعر الجهاز فيتراوح من 125 ألف والمليون ليرة، بالإضافة إلى المواد الأخرى كمبرد الكهرباء والمبارد العادية، وستكرات وستراس للديزاين.

ثلاث ركائز لأبرز مشاكل الطلبة

تكاليف المواصلات والمعيشة والتجنيد الإجباري، تعتبر من أبرز مشاكل طلبة الجامعات في سوريا، إذ يعاني الطلاب الجامعيون الذين يدرسون في جامعات خارج محافظتهم، وفق موقع “نورث برس”، من ارتفاع تكاليف المواصلات والمعيشة، إضافة إلى التجنيد الإجباري الذي يدفع بعضهم لعدم العمل باختصاصاتهم بعد التخرج، وذلك بعد انتهاء المدة المحددة للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.

طالبات الجامعات السورية أمام مقر الشؤون المالية - إنترنت
طالبات الجامعات السورية أمام مقر الشؤون المالية – إنترنت

أيضا في العام الماضي، شكل قرار رفع أقساط الجامعة عبئا على الطلاب وعوائلهم، إذ أكد معاون وزير التعليم العالي الدكتور عبد اللطيف هنانو، أن هناك إمكانية لرفع أقساط الجامعات مع نهاية العام الدراسي بشكل منطقي وموضوعي، حيث تتقدم لجنة الجامعات الخاصة بمقترح لتعديل الأقساط.

علاوة على ذلك، فحتى التعليم المفتوح الذي أُنشأ في العام 2001 في جامعة “دمشق”؛ ليكون حلا وسطا بين التعليم النظامي والخاص، بحيث يسهل دراسة العديد من الطلاب ممن لم تسعفهم درجاتهم في الثانوية للالتحاق بالجامعات الحكومية، مقابل دفع مبالغ بسيطة في حينها، يعاني اليوم طلابه من قرارات مجحفة، ورسوم باهظة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

في سوريا يوجد نحو 14 جامعة منها ست جامعات حكومية، وتستوعب في كل عام حوالي نحو 163 ألف طالب ممن نالوا شهادة الثانوية العامة.

لكن بحسب حديث الطلاب فقد أصبحت “الجامعات خزان للبطالة”، فصدمة سوق العمل خلقت لدى الخريج صورة نمطية مفادها أن الذهاب للجامعة لم يعد يفضي إلى نتيجة، خصوصا وأنه بات أمام خيارين إما التنازل عن الشهادة والعمل في الأعمال الحرة أو الجلوس مضطجعا في البيت حتى تأتيه الفرصة المستحيلة.

لذا فإن الأسباب الكامنة وراء هذا التحول في الخيارات المهنية، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت طالبات الجامعات السورية نحو مهنة “الجليش” يبيّن الديناميكيات المعقّدة التي شكلت مسير الطالبات نحو هذا الاتجاه الغريب، محاربة البطالة وعدم الاستقرار الاقتصادي الذي أدى إلى هذا الاختيار الوظيفي غير العادي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات