بينما تدخل الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء جنوبي سوريا يومها العاشر على التوالي، لا تزال “راية أو بيرق الخمس حدود” حاضرة فوق رؤوس المتظاهرين. ومنذ اليوم الأول لرفع هذا العلم أثار حالة جدل واسعة جدا في المجتمع السوري.

اعتبرت أوساط مقربة من السلطة الحاكمة في دمشق، فضلا عن جماعات أخرى سورية، أن رفع “علم الخمس حدود” المكون من خمسة ألوان، إشارة إلى دعوات الانفصال والحكم الذاتي، فضلا عن اتهام البعض للمتظاهرين في السويداء بالطائفية، غير أن مجموعة من الكتّاب والصحفيين والناشطين السوريين نفوا ذلك. وأكدوا على أنه رمز لا علاقة له بقضايا الدين والطائفية ولا تحمل أي دلالة سياسية، بل تندرج تحت بند التوحيد.

دلالات “راية الخمس حدود”

بحسب ما نشره الصحفي السوري نورس عزيز وهو من السويداء، فإن العلم يحمل عدة دلالات، بحسب بحثه الأكاديمي، وأشار إلى أنه المرجع الوحيد الذي تم العثور عليه، ونشرت هذه الدراسة تحت عنوان “دراسة مثيرة للاهتمام – ألوان العلم الدرزي”.

أُرسلت هذه الدراسة بتاريخ 17 حزيران/يونيو 1930 تحت الرقم /1585/k.5/، من مدير خدمة استخبارات جبل الدروز إلى المقدم موغتيه مدير خدمة الاستخبارات في جيش الشرق. ويقول في مضمون الرسالة إن العلم الدرزي يتكون من خمسة شرائط مختلفة الألوان مرتبة أفقيا وبالترتيب التالي “الأخضر، الأحمر، الأصفر، الأزرق، الأبيض”. وأن كل لون من هذه الألوان له رمز، فاللون الأخضر يعني العقل بمعنى الذكاء، والأحمر يعني الروح أي مبدأ الحياة، واللون الأصفر يمثل الكلمة بمعنى القانون، والأزرق يعني الماضي، وبشكل أكثر تحديدا السابق، لكنه يمثل السابق الذي يبقى خلال التجلي وتناسخ النفوس، بينما اللون الأبيض يمثل الفعل الأخير، أي النهاية في المجد والسعادة للمؤمنين.

كما أن لهذه الألوان أصل ديني. وهي تتوافق مع العمائم التي كان يرتديها الأطباء الوزراء الخمسة لمحمد الحاكم الذي أنشأ الديانة الدرزية في مصر في عام 408 للهجرة. اللون الأخضر للعمامة التي كان يرتديها أول الأطباء، حمزة الفاطمي “فارسي”.

اللون الأحمر لعمامة الطبيب الثاني إسماعيل التميمي “بدوي من اليمن”. واللون الأصفر لعمامة الطبيب الثالث محمد بن وهب القرشي، وهو من نسل علي العربي وبالتالي مرتبط بالنبي محمد، وعمامة اللون الأزرق للطبيب الرابع سلامة بن عبد الوهاب السامري “فارسي”.

بينما بيضاء اللون لعمامة الطبيب الخامس علي بن أحمد طاهي وهو عربي من منطقة حلب. ويشير الصحفي السوري في بحثه إلى أن معظم المعلومات الغامضة للغاية قدمها الشيخ محمود أبو فخر، وهو شيخ العقل الرابع في السويداء.

طبقا للصحفي السوري، تشير “راية الخمسة حدود”، إلى مذهب التوحيد عند الموحدين الدروز، ويمثل كل لون بُعد ومرتبة دينية معينة تتمثل بالرسل والأنبياء، وأضاف في بحثه أن “اللون الأخضر يرمز للنبي نوح والأحمر يرمز للنبي إبراهيم، والأصفر يرمز للنبي موسى والأزرق يرمز إلى المسيح والأبيض يرمز إلى النبي محمد”، أي أنها تمثل حقيقة رمزية لكافة الأديان.

ماذا يقول الآخرون؟

في ظل تدهور قيمة الليرة السورية، وتراجع القدرة الشرائية للسوريين بالداخل، والعجز عن توفير أبسط احتياجاتهم وسط الغلاء الجامح، والقرارات الحكومية الجائرة الأخيرة التي أوصلت أوضاع الشعب السوري إلى مستويات صعبة، الأمر الذي قوبل بموجة احتجاجات عارمة مستمرة حتى الآن في الجنوب السوري وحالة غضب في معظم المناطق السورية الأخرى، مثل مناطق الساحل السوري، التي لطالما اعتبرت الحاضنة الشعبية لحكومة دمشق.

لا تزال احتجاجات السويداء مستمرة ودخلت أسبوعها الثاني، فيما صعّد المتظاهرون من مطالبهم التي بدأت بتحسين الأوضاع المعيشية، للمطالبة برحيل السلطة السياسية الحاكمة في دمشق، وتنفيذ القرار الأممي رقم 2254.

هذه المحافظة تحظى برمزية وموقع حساس في سوريا، وتسمى بـ”حاضرة بني معروف”. وفي هذا الصدد بيّن الأكاديمي والناشط السياسي الدكتور فايز قنطار، أنه وعبر تاريخ بني معروف الموحدون الدروز أخذت “راية الخمس حدود” دلالة رمزية تتجاوز المسألة الدينية أو المذهبية، وفق موقع “الحرة”.

المصدر ذاته لفت إلى أنه “في كل مرة، عندما تتعرض أي مجموعة للخطر في المحافظة تدافع عن نفسها تحت هذه الراية”، مضيفا “واجه بني معروف حملات متعددة عبر التاريخ من القمع والقهر، وأشهرها حملات إبراهيم باشا عندما احتل بلاد الشام إذ رفضوا التجنيد الإجباري، مؤكدين أن ليس لديهم بنادق للإيجار”.

الناشط السياسي استفاض في شرحه، وقال “رفضهم للتجنيد دفع إبراهيم باشا لإطلاق 3 حملات، وخاض حربا ضروس ضدهم”، وأنه “تحت هذه الراية تجمع قسم كبير من عشائر البدو والمسيحيين والدروز قبل عقود طويلة لمواجهة ما أُطلق ضدهم”. لذلك، باتت هذه الراية منذ تلك الفترة رمزا لمكافحة الطغيان والعدوان.

جدل في الأوساط السورية

من ناحية أخرى، قال أحد الناشطين السوريين إن من يتّهم مظاهرات السويداء بالطائفية لرفع “راية الخمس حدود” هو أمرٌ غير مقبول، والمشكلة مع من يعتقد أن طائفيتهم وحدوية ومذهبية وطائفية الآخرين هي الانفصال. بمعنى أن طائفتهم حلال وطائفية غيرهم حرام.

كما أشار إلى أنه لا مانع من أن تعبر المجموعات السُّنية المختلفة في سوريا عن تراثها وحضارتها الإسلامية، لكن يجب أن تدرك أن المجموعات الأخرى تفتخر بتراثها وعاداتها وتقاليدها. المشكلة تكمن في طائفية التنظيمات الجهادية وفي السلطة الحاكمة بدمشق، وهو تحليلها الفئوي لأنفسها وحظرها على الآخرين.

فيما كتب الكاتب السوري، حسام جزماتي، على صفحته الشخصية على منصة “فيسبوك” تعقيبا على اعتراضات البعض رفع العلم الدرزي في الاحتجاجات الشعبية، بالقول “العربي السنّي بيلوي رقبته وبنظرة كسيرة بيقلك كلما رفع حدا راية طائفية بتتساهلوا معه أو بتأيدوه إلا أنا! بمجرد ما عبّر عن هويتي المظلومة توجّه لي تهم الإرهاب! ليش بتكيلوا بسطلين”.

جزماتي، أردف في منشوره “إي يا عيوني لأنه صار لك ربع قرن على الأقل عم تبرمج استجابات البشرية على الخوف من شعاراتك ورموزك لأنها اشتهرت كمقدمة لتفجير أو تفخيخ أو قطع رؤوس. وهذا مرتبط بصورة بصرية محددة سبق للناس أن جربتها عدة مرات في السنوات الماضية مو لأنك عربي سنّي. ليك الصوفية، العرب السنّة، إذا طلعوا باحتفالاتهم بالمولد عالشارع ما حدا بيخاف رغم المناظر غير المألوفة والنوبات والرايات الخضراء وأحيانا السيوف. بالعكس، الناس بتستطرف هذا المشهد وممكن توقف تصوره لأنه مسالم. بقى بلاها هالبراءة الله يرضى عليك… حارتنا ضيقة ومنعرف بعض”.

بينما كتب الكاتب السوري، عمر قدور حول هذا الموضوع الذي صار حديث السوريين على السوشيال ميديا مؤخرا، قائلا “هناك تظلُّم سنّي خجول مفاده ليش علَم الحدود مقبول والأعلام السنية غير مقبولة. وهناك تسامح سني مفاده، خليهم يثوروا ومو مشكلة يرفعوا أي علم. حبايبنا الحلوين، القصة ليست في العلَم؛ هي في المطالب. ومثلا إذا تحت هذا العلم تأسس حزب تحرير درزي وطالب بعودة الخلافة الفاطمية، أكيد المواقف بتتغير وقتها”.

لا تزال الاحتجاجات الشعبية في السويداء مستمرة، من حيث نسبة المشاركة والهتافات التي ترتفع وتطالب برحيل السلطة الحاكمة في دمشق. وتأتي هذه الاحتجاجات بمشاركة رجال دين ومثقفين وناشطين سياسيين معارضين، فضلا عن حضور لافت للناشطات النسويات.

ليست الاحتجاجات المستمرة في الجنوب السوري هي المنطقة الوحيدة ضد سياسات السلطة الحاكمة في دمشق في الوقت الحاضر. بل ثمة حالة من الغضب غير مسبوقة تشهدها مناطق الساحل السوري، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي وعبر الصحفيين والناشطين.

أما عن السيناريوهات المتوقّعة للاحتجاجات الشعبية الحالية، فمن الممكن، بحسب محللين تحدثوا لموقع “الحل نت” في وقت سابق، رؤية انفجارات أخرى في مناطق أخرى، أو قد تصعّد الحكومة السورية باتجاه الجنوب السوري، وبالتالي حدوث صدام عسكري، وهو ما سيعمّق جراح وآلام السوريين الذين يعانون منذ أكثر من عقد من الزمن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات